د.بنكيران: بوعياش تروج المغالطات.. نظام الإرث الإسلامي ذكوري ويؤدي إلى تأنيث الفقر!؟

21 يونيو 2022 18:13

هوية بريس – د. رشيد بنكيران

رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بوعياش تروج مغالطات.. وتدعي أن نظام الإرث الإسلامي ذكوري ويؤدي إلى تأنيث الفقر!!

لدعم أطروحتها الإيديولوجية المنحازة إلى الفكر الغربي والمناهضة للشريعة الإسلامية، اعتمدت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بوعياش مغالطات يصدق عليها المثل المغربي الدارج: “طاحت الصومعة.. علقو الحجام“، وهو مثل يضرب حينما تُـلبـس جهة معينة الحق بالباطل لتعاقب البريء وترميه بتهمة لا تستقيم في ميزان العدل، بل يكذبها المنطق.

ففي افتتاح الندوة التي أقامتها يوم الثلاثاء 13 يونيو لتقديم نتائج استقصاء آراء المغاربة في نظام الإرث المعمول به في المغرب، وصفت رئيسة المجلس لحقوق الإنسان نظام الإرث المستمد من نصوص الوحي، كتابها وسنتها، بأنه: “ما زال حاملا لعدد من مظاهر التمييز وعدم المساواة تجاه المرأة، من صُوَرها نظام التعصيب، والقيود المفروضة على الوصية، وهو ما يحد بشكل قوي من ولوج النساء والفتيات إلى الأرض والثروات، وجعلهن أكثر عرضة للفقر والهشاشة”. وقابلت معاناة النساء من هذا التمييز حسب زعمها بما يتمتع به الرجال في نظام الإرث الإسلامي من “امتيازات وإمكانيات للحصول على العقارات والصناعات والأعمال التجارية، ما يؤدي إلى تأنيث الفقر”.

يُستنبط إذن من كلام رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب اتهامها لشريعة الإسلام في الإرث، بصريح العبارة، بأنها:

✓ تميل ميلا منحرفا عن العدل لصالح الذكور دون الإناث، وهي تهمة دأب التيار المناهض لشريعة الإسلام في الإرث أن يرددها كل مرة، فاختصرها في عبارة كفرية مشينة هي أن: “القرآن ذكوري“. ورغم أننا فندنا تلك التهمة في مقالات سابقة، بمعية ثلة من الفقهاء والمفكرين، وفضحنا المغالطات التي تعتمدها في الترويج لها، إلا أن التيار اللاديني مصمم على التشبث بها “ولو طارت نعزة” كما يقال.

✓ تجعل الإناث أكثر عرضة للفقر، وتقف وراء ما أصبح يصطلح عليه بظاهرة “تأنيث الفقر”، أي إن نظام الإرث الإسلامي يتسبب في تفقير الإناث واغتناء الذكور. وهي تهمة جديدة لم يسبق أن أطلقها أي مسؤول رسمي قبل رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بوعياش.

وبناء عليه، أناقش في الفقرة الآتية التهمة الجديدة التي تزعم أن شريعة الله في الإرث تسببت في “تأنيث الفقر”، فهل متّع نظام الإرث الإسلامي الذكر بامتيازات للاغتناء والحصول على الثروة (العقارات والصناعات والأعمال التجارية) دون الأنثى؟ وما الحمولة الدلالية الحقيقية لمصطلح “تأنيث الفقر”؟

1- مصطلح تأنيث الفقر:
بداية، اتفق معظم الباحثين المشتغلين بالاقتصاد والسياسة الاجتماعية على أن الشخص الفقير هو الذي لا يستطيع إشباع حاجاته الأساسية أو الحصول عليها بطرق ميسرة، ومنها الغذاء الصحي، والملبس، والمسكن، والتعلم، والتطبب. وقد توسع مفهوم الفقر ليشمل الحرمان من الإبداع والحرية والكرامة واحترام الذات والآخرين.

أما مصطلح “تأنيث الفقر” فيشير إلى أن هناك أحوالا خاصة أو أسبابا معينة أدت إلى عجز المرأة عن إشباع نفسها من الحاجات الأساسية الآنفة الذكر، أو الحصول عليها بطرق ميسرة لكونها أنثى، وأما الرجل فهو بمعزل عن هذا العجز أو الفقر لكونه ذكرا؛ إذ لو أدت تلك الأحوال الخاصة أو الأسباب المعينة إلى تفقير الرجل أيضا، لما وُجد حينئذ مسوغ واقعي ومنطقي لتخصيص الفقر بالإناث دون الذكور وهما في الفقر سواء.

نخلص من هذا الكلام أنه لا يصح إطلاق مصطلح “تأنيث الفقر” إلا باجتماع أمرين اثنين، هما:

1- خصاص المرأة للحاجات الأساسية لكونها أنثى.

2- انعدام ذلك الخصاص في حق الرجل لكونه ذكرا.

وللتذكير، ووفقا لبعض الدوائر العلمية، فإن “ديانا بريس” هي من أطلقت مصطلح “تأنيث الفقر” (Feminization of Poverty) سنة 1978 حين خلصت في بحث لها إلى أن أكثر من ثلثي البالغين من الفقراء في الولايات المتحدة الأمريكية فوق سن السادسة عشرة هم من النساء. وقد تبنت منظمة الأمم المتحدة هذا المصطلح لتشير إلى أن النساء هنّ أكثر عرضة للفقر في العالم من الرجال نظرا للأسباب الآتية:

✓ ضعف الراتب الشهري للمرأة مقابل راتب الرجل، واستنزاف طاقتها في العمل أكثر منه؛

✓ ارتفاع معدل انتشار الأسر التي تعولها الأم وحدها لأسباب متنوعة، منها تخلي الأب عن مسؤولياته تجاه أولاده بعد الطلاق؛

✓ إقصاء المرأة من فرص العمل على أسس اجتماعية والثقافية؛

✓ عيش المرأة طويلا بعد زوجها يسبب لها هشاشة مالية تؤدي إلى تفقيرها.

من تأمل الأسباب آنفة الذكر المفضية إلى “تأنيث الفقر” وفق منظمة الأمم المتحدة، يلاحظ أنها ذات طابع عالمي، بمعنى أنها توجد في معظم دول العالم ولا تختص بعرق دون آخر، فقد بينت بعض الدراسات العلمية أن الظاهرة “تأنيث الفقر” توجد في الصين والهند ودول إفريقيا… وفي الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول التي لا يربط بينها خيط مشترك مؤثر -سواء من جهة اللون أو اللغة أو الدين أو الثقافة أو الاقتصاد- كي يصح أن نجعله هو المسؤول في وجود تلك الظاهرة.

2- هل تسببت شريعة الله في الإرث في تأنيث الفقر؟

لدحض التهمة التي ألقتها رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، يكفي أن نقارن بين الأسباب التي أفضت إلى “تأنيث الفقر” وفقا لتقصي منظمة الأمم المتحدة، وبين شرائع الإسلام التي لا تفرق بين الرجل والمرأة في الواجبات والحقوق، فهل الإسلام يدعو إلى تفضيل المرأة في الراتب الشهري أو تحميلها أعمالا أكثر من شقيقها الرجل؟؟؟ وهل يعفي الإسلام الأب من مسؤولية النفقة على الأولاد إن طلق أمهم؟؟؟ وهل الدين الإسلامي يمنع المرأة من العمل؟؟؟

فإذا كان الإسلام باختلاف شرائعه كما هو معلوم بالضرورة لا يقر شيئا مما اعتبرته منظمة الأمم المتحدة مفضيا إلى “تأنيث الفقر“، فذاك كاف لإبعاد التهمة عنه، ومع ذلك، وجب أن ندلل على أن تهمة رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان لشريعة الإسلام في الإرث بأنها سبب “تأنيث الفقر“، هي تجسيد لتهمة: “طاحت الصومعة.. علقو الحجام” الآنفة الذكر، وذلك من ثلاثة وجوه:

# الوجه الأول: سبق تقرير أن مصطلح “تأنيث الفقر” يدل على الافتقار الذي يصيب المرأة للحاجات الأساسية التي تتجسد في الغذاء الصحي والملبس والمسكن والتعلم والصحة لكونها أنثى دون الرجل، ولا نجد أي علاقة منطقية بين نظام الإرث في الإسلام وبين وجود هذا النوع من الفقر.

# الوجه الثاني: لا يقف نظام الإرث في الإسلام من الأنثى موقفا واحدا من حيث النصيب التي ترثه من تركة الميت، فهناك صور ترث فيها المرأة مثل الرجل أو أكثر منه، أو قد ترث هي ولا يرث الرجل، ومن بينها:

صورة ترث فيها المرأة ما يرثه الرجل بالتساوي: وهي عند وجود الأم مع الأب مع وجود ابن الهالك، فللأم السدس، وللأب السدس، فهنا أخذت الأنثى مثل الذكر. وهناك صور أخرى غير ما ذكر ترث فيها الأنثى والذكر بالتساوي مثل الإخوة لأم.

صورة تأخذ المرأة أكثر من الرجل: وهي عند وجود زوج الهالكة مع ابنتيه، فالأب له الربع، وللبنتين الثلثان، أي لكل واحدة منهما الثلث، فالمرأة (وهي بنت هنا) تأخذ أكثر من أبيها الذي يجب عليه شرعا وقانونا الإنفاق عليها.

صورة ترث فيها المرأة ويحرم الرجل: وهي لو ماتت امرأة وتركت: زوجاً وأباً وأماً وبنتاً وبنت ابن، فإن بنت الابن ترث السدس، في حين لو أن المرأة تركت ابن ابن بدلاً من بنت الابن (أي نظير البنت) لكان نصيبه صفراً لأنه كان سيأخذ الباقي تعصيباً، ولا باقي له.

لقد أوصل العلماء الصور التي لا تكون فيها الأفضلية للرجل على المرأة، في نظام الإرث في الإسلام، إلى ثلاثين صورة، ولهذا كان اتهام القرآن بالذكورية، أي إنه يحابي الذكور على حساب حقوق الأنثى أو يسهم في تأنيث الفقر بلا مصداقية إلا عند من يتشبع بالفكر الإقصائي للدين الإسلامي ولو على حساب طمس الحقيقة والتنكر للموضوعية.

# الوجه الثالث: تتمحور مطالبة بوعياش وأمثالها ممن يتشبع بالفكر الإقصائي للدين الإسلامي في تغيير الآية الكريمة القاضية في حق أولاد الميت بإعطاء الذكر ضعف ما ترثه الأنثى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء:11]، بعلة أنه تمييز يؤدي إلى تأنيث الفقر وتذكير الغنى، وهذه الفرية لا يمكن أن تنفق إلا على أصحاب العقول الساذجة، فمهما يكن نصيب البنت ونصيب أخيها الذكر من الميراث، فلن يشكلا عاملا مؤثرا في صناعة ما يسمى بـ”تأنيث الفقر“، يوضح ذلك الأمثلة الافتراضية الآتية:

✓ ترك هالك مالا لورثته، نالت منه البنت ما قيمته 10000درهم، فنصيب أخيها من المال سيكون 20000درهم، وكلا النصيبين وما يقرب منهما زيادة أو نقصانا لن يرفعا فقرا إن وجد، ولن يجلبا فقرا إن عدم.

✓ ترك هالك مالا لورثته، نالت منه البنت ما قيمته 100000درهم، فنصيب أخيها من المال سيكون 200000 درهم، وكلا النصيبين وما يقرب منهما زيادة أو نقصانا يمكن لهما أن يسدا بعض الحاجات الأساسية، والفرق الذي بينهما لن يكون له تأثير في صناعة ظاهرة “تأنيث الفقر”.

✓ ترك هالك مالا لورثته، نالت منه البنت ما قيمته 1000000 درهم، فنصيب أخيها من المال سيكون 2000000 درهم، وكلا النصيبين وما يقرب منهما زيادة أو نقصانا قادران على أن يرفعا الفقر عن كلا الوريثين إن وجد، ولن يمكن بحال أن نقول في هذه الوضعية وما يشبهها إن ما ورثته الأنثى وإن كان نصف ما ورثه الذكر يؤدي إلى تأنيث الفقر.

وأخيرا، أكدت الأمثلة الافتراضية لتقريب الصورة أن نظام الإرث في الإسلام لن يكون أبدا سببا ضمن الأسباب المؤدية إلى ظاهرة “تأنيث الفقر“، وما بيناه من خلال تلك الأمثلة يعكس كذلك أن الدعاوى التي تتهم نظام التعصيب في الإرث بأنه يفضي إلى صناعة تلك ظاهرة دعاوى عارية عن الصحة لا تقاوم النظر الذي ينشد الموضوعية والحياد بعيدا عن كل أيديولوجية تقوم على أساس العداء للدين الإسلامي وإقصائه من مناحي الحياة العامة للمغاربة.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M