د.بنكيران: عمل المرأة خارج البيت.. متى يكون نشوزا؟

09 يناير 2023 22:52

هوية بريس – د. رشيد بنكيران 

يقال إن المناسبة شرط، وقد طلب أحد الأحبة الفضلاء في منتدى علمي أن يتحدث المتشرعة إلى عموم الناس في مسألة عمل المرأة خارج البيت، هل يعد نشوزا؟
فارتأيت من الواجب الشرعي أن أكتب في هذه المسألة مبينا حدودها قدر ما يناسب هذا الفضاء وأصحابه.
نشوز المرأة هو: “معصيتها لزوجها فيما له عليها، مما أوجبه له النكاح(1)”.
ومن صور النشوز: خروج الزوجة بغير إذن زوجها، فلو خرجت بإذنه لا تعد ناشزا.
يقول ابن عبد البر (ت:463هـ):
“ولا تسقط نفقة المرأة عن زوجها بشيء غير النشوز؛ لا من مرض، ولا حيض، ولا نفاس، ولا صوم، ولا حج، ولا مغيب إن غابت عنه بإذنه(2)”.
قلت: فمفهوم قوله “ولا مغيب إن غابت عنه بإذنه”، أنها لو غابت عن بيت الزوجية بغير إذنه لعُدّت ناشزا.

ومما يحسن التنبيه عليه؛ أن وجه المناسبة في اعتبار المرأة إذا خرجت بغير إذن زوجها ناشزا، أنها مطالبة شرعا بتمكين نفسها له وقت ما شاء، ولا يتأتى ذلك إلا بالاحتباس في بيت الزوجية، فظهر أن الموجب للنفقة عليها هو مجموع الأمرين؛ التمكين و الاحتباس وهو مذهب الجمهور، فاذا خرجت بغير إذنه سواء علمت أو لم تعمل لحقها حكم النشوز. وهذا يقتضي أن العمل من حيث هو ليس سببا في ذلك الحكم.

وقد اتفقت آراء المذاهب الأربعة على اعتبار إذن الرجل من عدمه لزوجته بالخروج محددا لوقوع النشوز:
∆ الأحناف:
يقول علاء الدين الكاساني (ت 587هـ): النشوز في النكاح: أن تمنع الزوجة نفسها من الزوج بغير حق، خارجة من منزله؛ بأن #خرجت_بغير_إذنه…(3)”.
∆ المالكية:
يقول ابن الحاجب (ت 646هـ): “وتسقط النفقة ‌بالنشوز، وهو: منع الوطء أو الاستمتاع، و #الخروج_بغير_إذنه ولا يقدر على ردها (4)”.
∆ الشافعية:
يقول أبو حامد الغزالي (ت 505هـ): “لو #خرجت_بغير_إذنه فهي ناشزة، ولو خرجت في حاجته بإذنه فلا(5)”.
∆ الحنابلة:
يقول ابن قدامة (ت: 620هـ): “كأن الناشز ارتفعت عن طاعة زوجها، فسميت ناشزا: فمتى امتنعت من فراشه، أو خرجت من منزله بغير إذنه، …. فلا نفقة لها ولا سكنى (6)”.
يتبين، من خلال هذه النقول، أن المذاهب الأربعة استثنت من النشوز خروج المرأة من المنزل بإذن زوجها، واتفقت كلمتها على ذلك.

وبناء عليه:
✓ إذا أذن الزوج لزوجته بالخروج من البيت لأمر مباح، ومنه العمل خارج البيت، لا تكون الزوجة بذلك ناشزا؛ لأن الزوج أسقط حقه، لكن يمكن له العدول عن إذنه واسترجاع حقه إذا شاء.

✓ إذا تقدم رجل لخطبة امرأة تعمل خارج البيت، وهو على علم بذلك ولم يستنكره، فسكوته قبول ضمني بوضعها، ويتنزل منزلة الإذن لها بالعمل خارج البيت، إلا أن هذا الإذن الضمني لا يعد شرطا. والفرق بين الإذن والشرط، أن الإذن له أن يتراجع عنه، بخلاف الشرط فليس من حقه التراجع.

✓ إذا اشترطت المرأة على من يريد الزواج منها أن تعمل خارج البيت حالا أو مستقبلا، وقـبِـل بذلك الزوج ، وجب عليه الوفاء بما اشترط على نفسه وقـبـله، لقوله عليه الصلاة والسلام: «أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ ‌مَا ‌اسْتَحْلَلْتُمْ ‌بِهِ الفروج(7)».

✓ إذا لم تشترط المرأة قبل إبرام عقد النكاح عليها أن تعمل خارج البيت، ثم أرادت أن تتنازل عن نفقتها أو عن بعضها لزوجها مقابل أن يأذن لها بذلك وبرضاه، فلا مانع من ذلك شرعا، ولا يعد الرجل ظالما لها ولا مستغلا؛ لأنه لو خرجت دون إذنه لكان من حقه شرعا ألا ينفق عليها.

✓ اذا تعذر على الرجل الإنفاق على زوجته أو امتنع، واحتاجت الى العمل خارج البيت، فلها ذلك، ولا يعد خروجها دون إذنه نشوزا.
هامش ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) المغني لابن قدامة (8/ 236).
2) «الكافي في فقه أهل المدينة» (2/ 559).
3) بدائع الصنائع (8/ 167)، وفي تبيين الحقائق (7/ 318): “لا تجب النفقة للناشزة، وهي: الخارجة من بيت زوجها بغير إذنه المانعة نفسها منه”.
4) جامع الأمهات (ص332).
5) الوسيط في المذهب (6/ 215).
6) المغني لابن قدامة (8/ 236).
7) الصحيحان واللفظ للبخاري.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M