ذ. إدريس كرم يكتب: الانقلابات الثلاثة الفاشلة المتسببة في ثورة الملك والشعب

19 أغسطس 2016 23:27
ذ. إدريس كرم يكتب: الانقلابات الثلاثة الفاشلة المتسببة ثورة الملك والشعب

هوية بريس – ذ. إدريس كرم

هذه معركة بين الهلال والصليب

ذلك ما لخصه وزير الخارجية الفرنسية بيدو في حديث له مع البرلماني الفرنسي كلوستمان وريتز الذي قال بأن وزير خارجية فرنسا كان ينظر للحوادث الجارية في مراكش على أنها معركة بين قوى المسيحية والإسلام، ولما حاول إقناعه بوضع حد للحركة الهدامة في مراكش أجابه قائلا: “هذه معركة بين الهلال والصليب” (ص119 روم لا ندو أزمة المغرب الأقصى ج2).

ويقصد بالحركة الهدامة عزم الحكومة الفرنسية عزل الملك محمد الخامس لأنه لم يلتزم بتنفيذ ما طلب منه وذلك تطبيقا لرسالة وزير الخارجية السابق للمقيم العام جوان غداة تنصيبه التي جاء بها ردا على المذكرة التي رفعها محمد الخامس للحكومة الفرنسية المطالبة بالاستقلال والتي لم تلق قبولا.

تهديد السلطان بالعزل

جاء بالرسالة: “إن غايتنا هي التدرج بهذا البلد الواقع تحت نظام الحماية إلى وضع الدولة التي تستطيع حكم وإدارة نفسها بحرية داخل الاتحاد الفرنسي إلا أنه وبالنظر إلى المزاج المتقلب للسلطان والذي أخذ مؤخرا مظاهر سلبية أثرت على الرأي العام المغربي فإنه يجب إعادة تحديد وظائف السلطان وجعله على بينة من حجم قواه من جهة، ومن جهة أخرى إقناع الساكنة المحلية بأننا مصممون على البقاء في المغرب، إلا أنه وفي حالة تمادي السلطان في تأويل مستجدات الوضع الدولي فعليه أن يعرف أنه سيكون أمام خيارين إما أن يتنازل عن العرش أو تقوم السلطات الفرنسية بخلعه.

ومن جهتنا نحن مستعدون لرفع التحدي وسيكون من الأليق أن يتحصل عند جلالته اليقين بأننا جادون” روم لاندو.

وهو ما يعني تشبث الفرنسيين بفكرة الاتحاد الفرنسي الذي طرح في 1944 الرافض لاستقلال المستعمرات وقد علق رئيس الجمهورية الفارسية على المذكرة التي رفعا محمد الخامس له في 1947 قبل تعين جوان مقيما بقوله: “السلطان رجل سياسي محنك وسيدرك ولابد أن يعلم أن عزله بيد فرنسا ولذلك لا بد لنا من عسكري”.

فكان اختيار جوان الذي سيعمل أكثر من جهده على محاربة الحركة الوطنية سواء تمثلت في حزب الاستقلال أو رفض الملك التوقيع على المراسيم المقدمة له والتي تنزع منه السيادة الوطنية وتجعلها مقسمة بين المواطنين والفرنسين الذين سينتخبون ممثليهم والمغاربة التي سيعينون من قبل ضباط الشؤون الأهلية لذلك رفض الملك ذلك، وقال في مذكرات 1950 لما زار فرنسا “أن مراجعة كلية للإطار العام تضع حدا للحماية هي التي تستطيع وحدها أن تلبي مطامح الشعب المغربي وتضمن استمرار التعاون”.

لذلك عمل على محاولة عزله في 1950 إن لم يكف عن توجهاته التحررية، وفي سنة 1951 بدأ تحديد سبب العزل بتحريض لكلاوي على القول في وجه السلطان: “أنت لست سلطان المغرب، أنت سلطان حزب الاستقلال”.

ولما كانت المسألة المغربية تناقش في الأمم المتحدة وطلب من جوان الالتحاق بالوفد الفرنسي هناك خير الملك قبل رحيله في التفكير في أمر توقيع الظهائر وإدانة حزب الاستقلال أو التنازل عن العرش وإلا فسأعزلك بنفسي، كما قال له وذلك في 12 يبراير، وفي 26 منه كررها لما عاد وزاد عليها؛ وأن تستبعد ذوي الميول الوطنية من حاشيتك وتبدلهم بمرشحين مختارين من طرفه، وتعاقب معارضي لكلاوي حاشدا فرسان القبائل حول الرباط وفاس تاركا لكلاوي يجمع توقيعات القياد على عرائض عزل السلطان، فإن باشا فاس والرباط والبيضاء وصفرو أصدروا بيانا ينددون فيها بتلك العريضة منبهين أن الموقعين ما هم إلا موظفون يعينهم السلطان، وليس من حقهم توجيه لوم له.

العلماء في الواجهة

كما رفع العلماء عريضة موقعة من قبل 318 منهم معلنين فيها أن أولئك الموقعين ليسوا إالا آلة مسخرة في يد فرد واحد يقع عليه عبء وزر ما جرى، خاتمين بنداء للشعب المغربي والشعوب العربية والإسلامية والمسيحية والضمير العالمي أن يمدوا يد العون لعرش المغرب، وأن يعملوا على نصرة التقاليد الإسلامية الصحيحة التي تتمثل في شخص صاحب الجلالة سيدي محمد حفظه الله أوردتها جريدة أومبا باريس يونيو 1952.

بالرغم من هذا الفشل فإن بونيفاص محافظ الدار البيضاء أقسم أنه لن يترك منصبه حتى يتم خلع السلطان، أما لكلاوي فصرح بأنه خدم فرنسا أربعين سنة واعتقد أن فرنسا ستدرك أن هناك حدا لإخلاصي لها.

وبقدر ما كان التطرف الفرنسي وقحا وفجا كان حلم السلطان ظاهرا ومواقفه ثابتة لإيمانه بعدالة قضيته ووجود وطنيين على كافة الصعد تعمل من أجلها.

إعادة سناريو فاس 1911 لحصار الرباط

“أمرا ضباط الشؤون الأهلية بحشد وفرسان القبائل الحول الرباط وفاس لإعادة تمثيل وقائع 1911 التي كانت من أجل طرد الجيش الفرنسي وليس التمكين له، وقد علق شارل اندري جوليان على ذلك بأن الحجج التي تدرع بها رؤساء النواحي لاستدعاء الفرسان تنوعت فقد طلب لبعضهم أن يقدموا أنفسهم للتلقيح ضد السل وآخرون للاشتراك في مهرجان، وأغري آخرون بهدايا” (ص80 روم).

وقد أحاطت الدبابات بقصر السلطان لحماية ساكنيه وفي نفس الوقت حل مجلس المستشارين الخاص بالسلطان وعزل محمد الفاسي من منصب مدير جامعة القرويين وبعث له برسالة صريحة تخيره بين التوقيع والإدانة أو فقدان العرش والاعتراف بالأعمال الكريمة التي أدتها فرنسا، وفي الساعة الثامنة مساء من 28 يبراير 1951 وقع على الأوراق التي قدمت له مصرحا أنه فعل ذلك تجنبا لإراقة الدماء.

انقلاب مضاد

ومما تجدر الاشارة له أن الفرسان المسخرين لعزل السلطان اكتشفوا الخدعة فقاموا بمحاصرة الدوائر التي سخرت منهم مطالبين بعزل قيادهم وباشواتهم الذين شاركوا في الخديعة مما جعل جريدة لموند تكتب في 3 أبريل 1951 “بأن السلطات الفرنسية أخذتها الحيرة في الكيفية التي ستتصرف بها مع المحتجين” ص83، ونتيجة أخرى ظهرت هو انقلاب أحزاب كانت موالية لفرنسا ضد مخطط الانقاب هذا فتقرر عزل جوان وتولية جيوم في 28 شتنبر 1951، وقد كان من الذين شاركوا في غزو المغرب ويعرف العربية والبربرية، وقال بعد تعيينه “سأمرغ أنوف هؤلاء المتعصبين في التراب وأسحقهم تحت قدمي”.

مطالب السلطان

في 20 مارس رفع السلطان مذكرة للحكومة الفرنسية من ضمن ما جاء فيها:

“مناقشة نظام الحماية؛ إلغاء حالة الحصار؛ الحق في تشكيل حكومة للتفاوض مع فرنسا؛ إعادة النظر في العلاقات الفرنسية المغربية بناء على مذكرة السلطان في أكتوبر 1950؛ كما أصدر السلطان بلاغا في 8 أكتوبر 1952، مما جاء فيه: السماح للشعب المغربي أن يدبر شؤون بلاده عن طريق مجلس نيابي وحكومة دستورية ذات صبغة ديموقراطية حديثة، إذ أن إنشاء مثل هذه النظم لا يتعارض مع مواصلة التعاون الفرنسي المغربي” ص89.

وفي 27 غشت 1952، “أصدرت محكمة العدل الدولية قرارا، أكدت فيه سيادة واستقلال الدولة المغربية وحاكمها”.

وعندما حل جوان بالدار البيضاء استقبله السلطان محمد الخامس قائلا في كلمة له بالمناسبة في اكتوبر 1950:

“إن المغاربة اليوم وبعدما شاركوا في تحرير فرنسا من الاحتلال الألماني لهم تطلعات وطموح”، فرد عليه جوان قائلا: “إنني أعتزم النظر في هذه الطموحات المشروعة بتفهم واسع، ولكن توجد لدا المغاربة أيضا طموحات غير مشروعة”.

وكان يقصد المطالب المرفوعة للحكومة الفرنسية بتمتيع المغرب بالاستقلال، معتبرا تلك المطالب تذرعا من الملك بإحلال حكم العصور الوسطى محل الحماية، فكان رد الملك لما عاد من فرنسا واستقلته حشود في ميناء الدار البيضاء أن صرح ردا على ما سلف بأن النظام الديموقراطي لا يتعارض مع المبادئ الإسلامية.

وقد كرر ذلك في 17 يونيو 1953 في بيان صحفي جاء فيه “لقد كان اتجاهنا دائما نحو إتاحة الفرصة للبلاد كي تدبر شؤونها بنفسها على أسس ديموقراطية، ولتحقيق هذا الهدف حاولنا الوصول لتفاهم مشترك مع الحكومة الفرنسية لإعداد برنامج شامل طبقا للآراء الحديثة، غير إنه ليس من المستطاع الوصول إلى اتفاق تام مع المقيم العام بشأن هذا الإصلاح في جو من الدسائس العنيفة” (ص116 روم).

كيوم يعيد تجربة جوان

لقد أراد كيوم بدوره إعادة سناريو جوان بحيث كلف لكلاوي بالقيام بجولة في المغرب مصحوبا بضباط من الشؤون الأهلية لجمع توقيعات على عريضة جديدة تقيل الملك بلغ عدد الموقعين عليها 250، ثم رفع الرقم 276 ثم287 رفعها جيوم للحكومة الفرنسية.

العلماء في مواجهة الطرق الصوفية

وفي شهر أبريل كان الكتاني عبد الحي يعقد مؤتمرا للطرق الصوفية احتجاجا على السلطان مطالبين بعزله، وقد تصدى العلماء للمؤتمر وأصدروا بيانا يدينونه ويشرحون أنه لم يكن لهم الحق في يوم من الأيام إصدار تصريحات مثل هذه لأن ذلك من اختصاص العلماء.

كيوم في ورطة

وفي 13 غشت رجع كيوم للرباط وقدم للسلطان مطالب ترقى للإنذار النهائي؛ كان على السلطان توقيع المراسيم المجمدة لسنوات مثل التنازل عن سلطاته للجنة الفرنسية المغربية، فطلب مهلة؛ وفي المساء عاد المبعوث لأخذ الرد، فسأله السلطان ماذا سيحدث لو لم أوقع؟ فأجابه: اتصال تلفوني واحد بباريس وإذا بك معزول!

وفي 15 غشت بعث السلطان بنداء لرئيس الجمهورية قال فيه: “إن مواصلة الحركات الهدامة التي تعضدها بعض الشخصيات تضطرنا نبعث لرئيس الجمهورية والحكومة والرأي العام للفت الأنظار إلى ما يمكن لهذه الحركة من عواقب وخيمة على العلاقات المغربية الفرنسية ونكرر رجاءنا في وضع حد لهذه الحالة” (ص118).

وفي 18 غشت أصدر لكلاوي بيانا يقول بأن “الدم سيسيل أنهارا إذا لم يعزل السلطان” ص113.

وفي هذه الأثناء احتل الجيش الفرنسي المدن، وأثناءها صرح السلطان بأن “بإمكانه التوجه للصلاة بالمسجد وأتفوه بكلمة واحدة أدعو فيها الشعب للثورة، ولكن ديني يمنعني من أن أكون سببا في إراقة الدماء، وواجبي أن لا أعمل على المحافظة على أرواح رعيتي فقط، بل وعلى أرواح ضيوفي من الفرنسيين وغيرهم” (ص184).

العلماء يرفضون الانقلاب عن الشرعية

في هده الأثناء التي كانت المدن محاصرة والقصر مطوقا بالدبابات طلب من فرسان القبائل التوجه للرباط لمحاصرة الرباط وفاس، مثلما فعل في 1951، وقد أعلن حظر التجول ليلة 20 غشت، لكن في منتصف الليل بدء الجنود جولة على بيوت العلماء بفاس يأمرونهم بالتوجه في الصباح الباكر للقصر لتوقيع بيعة العاهل الجديد، ولما وصلوا لبيت العالم سيدي محمد بن العربي العلوي، وأبلغه البوليس الأمر أجابهم: لن أذهب للقصر لأنه طبقا للشريعة الإسلامية يجب إعدام الإمام الجديد”، “فطوق بيته، وكذلك فعل مع أحد علماء مراكش ثم ألقي القبض عليهما في الغد” (ص128).

وقد كتب “فرانسوا مورياك” بعد عزل السلطان ونفيه: “لم يكن سيدي محمد بن يوسف يوما أعظم قوة مما هو اليوم، وحاجتنا إليه اليوم أشد من حاجته إلينا، لقد أسرنا جسده، ولكنه يسيطر على أرواح وقلوب الملايين من المغاربة بشكل لم يسبق له مثيل” (ص136).

المغرب يتحول لمستعمرة

نشير إلى أن من بين المراسيم الأولى التي وقع عليه بن عرفة، تنازله عن سلطته الإدارية والتشريعية لصالح الإقامة العامة، وإلغاء احتفالات عيد العرش، وبذلك تحول المغرب من محمية لمستعمرة في بضعة أسابيع.

ذ. إدريس كرم يكتب: الانقلابات الثلاثة الفاشلة المتسببة ثورة الملك والشعب

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M