سلسلة منطلقات الخلاف بين أطياف السلفية المعاصرة (ج6)

27 نوفمبر 2015 20:09
هذه حقيقة المداخلة والفكر المدخلي

الجماعة الإسلامية بين ماضي لهيب المواجهات وحاضر معرة المراجعات

إعداد: مراد أمقران

هوية بريس – الجمعة 27 نونبر 2015

بلور القادة التاريخيون للجماعة الإسلامية مراجعاتهم الفكرية في أربع كتب شكلت عمدة نهجهم وتوجههم الجديد وهي:

1- كتاب «مبادرة إنهاء العنف رؤية ونظرة واقعية».

2- كتاب «حرمة الغلو في الدين وتكفير المسلمين».

3- كتاب «تسليط الأضواء على ما وقع في الجهاد من أخطاء».

4- كتاب «النصح والتبيين في تصحيح مفاهيم المحتسبين».

والملاحظ أن عناوين هذه الكتب تدلل بوضوح على التغيير الجوهري الذي طرأ على فكر هؤلاء القادة خاصة إذا ما قورنت بما جاء في دستور الجماعة أو ما يصطلح عليه بـ«ميثاق العمل الإسلامي» الذي وضعه كل من ناجح إبراهيم وعصام دربالة وعصام عبد الماجد عام 1979م.

جدير بالذكر أن المراجعات الشهيرة قد ساهم في صياغتها كل من كرم زهدي وناجح إبراهيم وعصام دربالة وعاصم عبد الماجد وأسامة حافظ وفؤاد الدواليبي وعلي الشريف وحمدي عبد الرحمان، بينما اتسم موقف أمير الجماعة عمر عبد الرحمان الأسير بأمريكا بنوع من الضبابية وعدم الوضوح.

هذا ولم يفت القادة المراجعون على أن يشددوا على كون مراجعاتهم إنما هي من قبيل الواجب الشرعي لوقف اقتتال منعته الشريعة لمفاسده العظيمة، وهي لا تتنافى مع واجب أخر يلزمنا بالجهاد والعمل على تحكيم شرع الله على أرضه، كما أنهم اعترفوا على أن المصادمات السابقة مع قوات الأمن والشرطة والجيش قد أفرزت العديد من القضايا الخطيرة التي تحتاج لضبط شرعي، وعليه فقد حدد القادة في معرض الاعتراف بأخطائهم عدة أسباب ساهمت في تكوين سحابة الغلو الذي خيمت على سماء الجماعة الإسلامية منذ التأسيس وهذه أبرزها:

1- الاشتغال بالمعارك الجانبية عن القضايا الكبرى.

2- الإسراف في التحريم بغير دليل.

3- اتباع المتشابهات وترك المحكمات.

4- عدم التعلم على أيدي العلماء.

5- ضعف البصيرة بالواقع والحياة والتاريخ وسنن الكون.

6- وجود بعض مظاهر الجهل مثل الاتجاه الظاهري في فهم النصوص.

وإليكم تلخيصا مقتضبا لأهم الخطوط العريضة للمراجعات التاريخية للجماعة الإسلامية:

1- بدلا من القول بأن أهم فروض الأعيان وأولى الأولويات في العمل الإسلامي هو إعداد العدة العسكرية لقتال الكفار المرتدين المسيطرين على البلاد الإسلامية، جاءت وثيقة المراجعات بأن القتال ليس هو الوسيلة الوحيدة لتغيير الواقع غير الشرعي بل هناك خيارات أخرى كالدعوة إلى الله والهجرة والعزلة والصفح والعفو والصبر على الأذى والإعراض وكتمان الإيمان.

2- بدلا من القول بأن العجر المعتبر في سقوط واجب الجهاد العيني هو العجر الحسي فقط كالعجز والعمى والمرض فمن لم يكن كذلك فهو مضيع لواجب الجهاد العيني؛ جاءت الوثيقة بأن الجهاد المعنوي معتبر كذلك كانعدام دار الهجرة والنصرة كالمدينة أو دار الأمن كالحبشة أو القاعدة الآمنة كأبي بصير، والنفقة اللازمة للجهاد وتأمين ذراري المسلمين، والتكافؤ في العدد والعدة بين طرفي الصدام، وتمييز الصفوف حتى لا يقتل المعصومون وتنتهك حرمتهم.

– 3 بدلا من إهمال قضية المصلحة والمفسدة والموازنات بين الحسنات والسيئات والمصالح والمفاسد، جاءت الوثيقة بضرورة لزوم اعتبار المصالح والمفاسد ومراعاة أعظم المصلحتين، ودفع أعظم الضررين، وأن ما لا يؤدي إلى المقصود من الجهاد من إظهار الدين وتحكيم الشريعة وحفظ المسلمين ليس بجهاد شرعي ولا يؤمر به، بل ينهى عنه لما فيه من الضرر والفساد وقتل المعصومين.

4- بدلا من التكفير بالعموم لطوائف بأكملها في بلاد المسلمين لمجرد ارتدائها الزي العسكري؛ جاءت الوثيقة بوضع ضوابط في التكفير وضرورة التفرقة بين النوع والعين.

– 5 جاءت الوثيقة بإبراز أن عذر التأويل والجهل المعتبر دون الإسراف فيه من موانع التكفير.

6- جاءت الوثيقة باعتبار السياح القادمين إلى بلاد المسلمين مستأمنين لا يجوز سفك دماءهم ولا أخذ أموالهم.

7- جاءت الوثيقة كذلك لفتح باب الاحتمال بأن في ترك الحكم بما أنزل الله ما يمكن أن يكون كفرا أصغر أو معصية، وعليه فإن الصدام مع السلطات الحاكمة في بلاد المسلمين باسم الجهاد ليس خيارا مناسبا.

8- جاءت الوثيقة بأن من دخل بلاد الكفار بتأشيرة دخول فهو في عهد معهم، وعليه أن يؤمنهم كما أمنوه فلا يحل له سفك دمائهم ولا أخذ أموالهم ولا تدمير منشاتهم.

أعقب صدور مراجعات قادة الجماعة الإسلامية ردود فعل متباينة من جانب الأطراف ذات الصلة، وكان الأمر اللافت هو ترحيب حبيب العادلي وزير الداخلية بالمراجعات، واعتبرها إنجازا غير مسبوق في تاريخ التعامل لتغيير الفكر من الأخطاء، ووصف العادلي المراجعات بأنها نوع من التحول الفكري لدى قيادات الجماعة الإسلامية نتيجة الرؤية الحقيقية لأبعاد النظريات والأفكار‏ التي سبق وأن بنوا عليها نظرياتهم وتنظيماتهم.

وكان تأييد الإخوان المسلمين للمبادرة أمرا متوقعا ومحسوما؛ فالإخوان سبق لهم خوض تجربة مماثلة داخل السجون في نهاية الستينات، وانتهت بإصدار المرشد الثاني حسن الهضيبي لكتاب «دعاة لا قضاة» وفيه تبرأ الإخوان من العنف كأحد سبل التغيير، ومنذ ذلك التاريخ لم يثبت تورط أي من أعضاء الإخوان في أعمال العنف.

هذا في ما يتعلق بموقف الطرف المؤيد للمراجعات، بينما كان موقف الطرف الآخر الرافض للمراجعات أكثر وضوحا وإصرارا في الإنكار على مراجعات الجماعة الإسلامية، وعدم موافقتها ولا الترحيب بها والإشادة بها، وقد شكك بعض الإسلاميين في مدى توافق المبادرة مع الشريعة، وطالبوا بعرض الكتب المعتمدة في المراجعات على لجنة علمية أزهرية منتخبة للبت في مدى موافقتها لصحيح الدين وهو ما أكده حمدي عبد الرحمان أنه تم بالفعل، ولعل تحفظ أعضاء تنظيم الجهاد المتمثل في زعيمه التاريخي عبود الزمر وابن عمه طارق الزمر كان الموقف الأبرز الذي عكس امتناع وامتعاض الخط الرافض للمراجعات.

عبود الزمر رفض الانضمام للموقعين على المراجعات معتبرا إياها مخالفة صريحة للأصول الشرعية، ومنافية لمبدأ الجهاد وهدد بسحب تأييده لمبادرة الهدنة ووقف العنف، وكان يطلق على مراجعات الجماعة الإسلامية «فقه الهزيمة» فعوقب الزمر على موقفه هذا وتم نقله إلى سجن سيء السمعة  «أبو زعبل».

سبتمبر عام 2006م أعلن الرجل الثاني في تنظيم القاعدة وزعيمها فيما بعد أيمن الظواهري أن عددا من قيادات الجماعة قرروا الانضمام لتنظيم القاعدة.

وفي ثورة 25 يناير 2011م شاركت قيادات الجماعة الإسلامية للمرة الأولى منذ أكثر من عشرين عاما في تجمع علني بمحافظة أسيوط (معقلهم السابق بصعيد مصر) بعد إسقاط الرئيس المعزول «حسني مبارك»، ولعل هذا الظهور العلني شكل حينها بذرة الظهور الأولى لعودة الجماعة الإسلامية للمشاركة في صياغة الأحداث على الساحة المصرية بعد غياب دام لعشر سنوات كاملة، وفي العام نفسه «20 يونيو» أعلنت الجماعة عن تأسيس جناح سياسي يمثلها «حزب البناء والتنمية» وأسندت رئاسة الحزب للوجه المعروف «طارق الزمر».

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M