نبذة مختصرة من تاريخ المسجد الأقصى المبارك ..

18 مايو 2021 22:54

هوية بريس – عبد السلام أجرير

1- بداية بناء المسجد الأقصى:

لا يُعرف بشكل دقيق متى بُني المسجد الأقصى لأول مرة، ولكن ورد في أحاديث صحيحة أن بناءه كان بعد بناء الكعبة بأربعين عامًا، فعن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: ((قلت: يا رسول الله! أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام. قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى. قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة)). رواه الإمام مسلم في صحيحه.

وقد اختلف المؤرخون في الباني الأول للمسجد الأقصى، والراجح أن آدم عليه هو من بنى المسجد الأقصى البناء الأول، لرواية مروية عن ابن عباس، ولترجيح أن يكون آدم هو الباني الأول للكعبة، كما رجّحه الإمام ابن حجر العسقلاني وغيره.

وأول بيت وُضع للناس هو المسجد الحرام بمكة كما صرح بذلك القرآن الكريم في سورة آل عمران.

2- المسجد الأقصى في عهد اليبوسيين:

أما بعد عهد آدم، فقد انقطعت أخبار المسجد الأقصى لانعدام التأريخ في تلك الفترة، إلى أن سُجلت معلومات تاريخية عن أول مجموعة من البشر قدمت إلى مدينة القدس وسكنتها، وهم اليبوسيون (ما بين 3000 و 1550 ق.م)، وهم الذين بنوا مدينة القدس وأسموها “يبوس”، حتى أن بقايا الآثار اليبوسية ما تزال باقية في سور المسجد الأقصى بحسب رأي بعض الباحثين.
وفي تلك الفترة، هاجر النبي إبراهيم عليه السلام إلى مدينة القدس، وعمّر المسجد وصلّى فيه، وكذلك ابنه إسحق وحفيده يعقوب من بعده وأبناؤهم من بعدهم ومن تبعهم ممن دخل في دين الله.

وبعد ذلك آل أمر مدينة القدس ومعها المسجد الأقصى إلى الحكم الفرعوني (ما بين 1550 و 1000 ق.م). ثم استولى عليها لاحقًا “العمالقة”، وهم القوم الجبارين المذكورون في القرآن الكريم، استولوا عليها حتى عهد موسى عليه السلام.

3- المسجد الأقصى في عهد موسى وبني إسرائيل:

ثم فتح المدينة قومُ موسى عليه السلام بقيادة فتاه يوشع بن نون عليه السلام، ثم فتحها مرة أخرى النبي داود ومعه بنو إسرائيل عام 995 ق.م، فوسع المدينة وعمّر المسجد الأقصى. ثم استلم الحكم بعده ابنه سليمان عليه السلام، فعمّر المسجد وجدّده مرة أخرى، فكان على أجمل صورة حيث وظّف فيها ما منّ الله عليه من كنوز وهندسة، تعاون عليها الجن والإنس كما هو معلوم من ملك سليمان في القرآن الكريم.

وقد روي ذلك عن النبي محمد عليه السلام، قال: ((لـمَّا فرغ سُليمانُ بنُ داودَ عليهما السَّلامُ من بناءِ بيتِ المقدسِ سأل اللهَ عزَّ وجلَّ ثلاثًا أن يُؤتيَه حُكمًا يُصادِفُ حُكمَه ومُلكًا لا ينبغي لأحدٍ من بعدِه وأنَّه لا يأتي هذا المسجدَ أحدٌ لا يُريدُ إلَّا الصَّلاةَ فيه إلَّا خرج من ذنوبِه كيومِ ولدَتْه أمُّه. فقال النبي: أما اثنتيْن فقد أُعْطِيهما وأرجو أن يكونَ قد أُعْطِي الثَّالثة)). صححه الإمام المنذري.

4- المسجد الأقصى بعد النبي سليمان عليه السلام:

بعد وفاة سليمان عليه السلام، ما لبث أن هاجم البابليون القدس بقيادة نبوخذ نصر، وأحرقوا المسجد الأقصى، وسبوا سكانه إلى بابل فيما عُرف بالسبي البابلي الأول. بعد ذلك هزم الفرسُ البابليين، وسمح الملك الفارسي قورش الكبير عام 538 ق.م لمن أراد من أسرى اليهود في بابل بالعودة إلى القدس وإعادة بناء المسجد المهدم، فعاد عدد منهم إلى القدس وشرعوا في بناء بيت الله.

5- المسجد الأقصى في عهد الرومان والبيزنطيين:

خضعت القدس لحكم الإمبراطورية الرومانية سنوات قبل الميلاد، وفي تلك الفترة تذكر المصادر الإسلامية بعثة النبي عيسى بن مريم وزكريا وابنه يحيى عليهم السلام إلى بني إسرائيل في القدس ونواحيها، وكانوا يتخذون من بيت الله تعال المقدس الأقصى مكانا لنشر الرسالة والوعظ والإرشاد. ويدل على ذلك أحاديث صحيحة في كتبنا، منها هذه الخطبة التي خطبها سيدنا يحيى بن زكريا بمحضر عيسى بن مريم في فناء المسجد المبارك، والتي رواها الإمام أحمد في مسنده وغيره أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:

((إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلَامُ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، أَنْ يَعْمَلَ بِهِنَّ، وَأَنْ يَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهِنَّ، وَكَادَ أَنْ يُبْطِئَ، فَقَالَ لَهُ عِيسَى: إِنَّكَ قَدْ أُمِرْتَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ تَعْمَلَ بِهِنَّ، وَتَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهِنَّ، فَإِمَّا أَنْ تُبَلِّغَهُنَّ، وَإِمَّا أَنْ أُبَلِّغَهُنَّ. فَقَالَ: يَا أَخِي، إِنِّي أَخْشَى إِنْ سَبَقْتَنِي أَنْ أُعَذَّبَ أَوْ يُخْسَفَ بِي”. قَالَ: “فَجَمَعَ يَحْيَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، حَتَّى امْتَلَأَ الْمَسْجِدُ، فَقُعِدَ عَلَى الشُّرَفِ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَنِي بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ أَعْمَلَ بِهِنَّ، وَآمُرَكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِنَّ. أَوَّلُهُنَّ: أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا…)). إلى آخر الخطبة الطويلة.

كما يذكر الإنجيل الذي بين أيدي النصارى اليوم أن عيسى بن مريم أنكر على بني إسرائيل انحرافهم عن عبادة الله تعالى داخل المسجد الأقصى، وتحويلهم إياه إلى مكان للبيع والشراء.

وبعد النبي عيسى بن مريم بحوالي 300 م عام، بقيت الإمبراطورية البيزنطية هي المـُسيطرة على القدس، فأصبحت القدس مدينة نصرانية، وبنوا فيها كنيسة القيامة. أما المسجد الأقصى فبقي متروكًا كما هو دون بناء. وفي عام 614 م احتل الفرس مدينة القدس بمعاونة اليهود، وذلك بعد حرب طويلة ضد البيزنطيين الروم، وقد وقع ذلك في الفترة التي بُعث فيها النبي محمد عليه السلام في مكة، إذ يذكر القرآن قصة هذه الحرب في سورة الروم ويؤرخ هزيمة الروم. وما لبث أن عاد البيزنطيون الروم إلى حكم الأقصى عام 624م.

6- المسجد الأقصى في عهد النبي محمد عليه السلام:

ارتبط المسجد الأقصى منذ بداية الرسالة المحمدية بنبيها عليه السلام. فحائط البراق، حيث ربط النبي محمد دابّته البراق في رحلة الإسراء والمعراج. وقد صلّى محمد عليه السلام بجميع الأنبياء إمامًا ليلة الإسراء، ثم عُرج به من الصخرة المشرّفة إلى فوق سبع سماوات، كما هو مفصل في الحديث الصحيح.

وقد كانت هناك أهميّة خاصة للمسجد الأقصى في بداية الإسلام، إذ كان القبلة الأولى للمسلمين بعد هجرة النبي عليه السلام إلى المدينة.

ودائما يُربط المسجد الأقصى بالمسجد الحرام والمسجد النبوي في شد الرحال إليه وكثرة أجر الصلاة فيه، بل قيل إنه نزل في القدس قرآن كريم ليلة الإسراء والمعراج كما نزل في مكة والمدينة، وهو قوله تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ}.

7- المسجد الأقصى لحظة الفتح الإسلامي:

فتح عمر بين الخطاب القدس عام 15 هـ الموافق 636م صلحا، وأعطى أهلها الأمان، وكتب لهم العهدة العمرية. ثم أمر الخليفة عمر بن الخطاب ببناء المصلّى الرئيسي الذي سيصبح مكان الصلاة الرئيسي في المسجد الأقصى، وهو موقع “الجامع القبلي” اليوم، ويقع في الجنوب في جهة القبلة.

8- المسجد الأقصى في العهد الأموي:

قام الصحابي معاوية بن أبي سفيان رحمه الله بتجديد بناء المسجد القبلي داخل المسجد الأقصى الذي بناه عمر بن الخطاب، ووسّعه.

وقد ذكر بعض المؤرخين المسلمين أن أوسع حركة تعمير للمسجد تمت في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان منذ عام 65 هـ جنبا إلى جنب مع قبة الصخرة، وتواصلت في عهد ابنه الوليد بن عبد الملك حتى عام 96 هـ.

وقد ضرب الزلزال المسجد الأقصى مرات كثيرة، في أواخر دولة الأمويين وفي فترة العباسيين والفاطميين وغيرها من الفترات، وبعد كل زلزال كان يُعاد بناؤه على قواعده السابقة مع اختلافات في بعض الأشكال الهندسية والمساحة الجغرافية.

9- المسجد الأقصى أسير الصّليبيّين وتحريره من قبل صلاح الدين:

في عام 1099م سيطر الصليبيون على القدس، أثناء الحملة الصليبية الأولى. وبدلا من تدمير المسجد أطلقوا عليه اسم معبد سليمان أو هيكل سليمان، وقد إستخدمه الصليبيون أولا كقصر ملكي وإسطبل للخيول. وفي عام 1119م، تم تحويله إلى مقر لفرسان الهيكل مع تحويل جزء منه إلى كنيسة.

وفي سنة 1187 استطاع صلاح الدين الأيوبي استعادة القدس من يد الصليبيين، وأجريت العديد من الإصلاحات والتجديدات في المسجد الأقصى، من أجل إعداد المسجد لأداء صلاة الجمعة.

10- المسجد الأقصى في العصر الحديث:

طيلة فترة الخلافة العثمانية لم يطرأ أي جديد يُذكر على المسجد الأقصى إلا إصلاحات وإضافات بسيطة. وأهم حدث تعرض له المسجد الشريف في الزمن المعاصر أنه في عام 1969م تعرص لحريق على يد اليهود. وردا على الحادث، تم عقد قمة للدول الإسلامية في الرباط في العام نفسه، ويعتبر حريق الأقصى أحد العوامل المحفزة لتشكيل منظمة المؤتمر الإسلامي.

وفي عام1972 ، تم ترميم المسجد الأقصى والمنبر معه.

وتوالت اعتداءات اليهود على المسجد الأقصى ولا تزال، وهدفهم تدميره بالكلية وبناء هيكلهم المزعوم الذي لم يكن في الأصل إلا المسجد الأقصى. فهو المسجد الأقصى وليس الهيكل، قال تعالى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الإسراء/1)

وجميع النصوص القرآنية والحديثية التي تتحدث عن الأقصى تسميه مسجدا، وقد مر معنا بعضها. ولا وجود لشيء منها فيه اسم “الهيكل”، فهو مسجد الله تعالى منذ أن بني وسيبقى إلى يوم الدين إن شاء الله.

والله الموفق للصواب.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M