فضح المستور وستر المفضوح

14 نوفمبر 2016 22:36
الليبرالية إحياء للجاهلية وإيغال في الرجعية

هوية بريس – أحمد اللويزة

ستر المسلم قيمة أخلاقية راقية حث عليها الإسلام وأمر بها مرتبا عليها أجرا وثوابا، قال عليه السلام: (…ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة) صحيح مسلم. إذ الغاية من ذلك صون كرامة الإنسان وعدم تعريضه للإهانة والتنقيص وكل ما يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه… وكذا عدم إشاعة الفاحشة بين المسلمين والحفاظ على حرمة المجتمع من أن تشيع فيه المنكرات ويستسيغها الناس، ويحدث معها تطبيع واستمراء، ولا تتحرك في نفوس الناس بعد ذلك غيرة ولا إنكارا فيوشك الله أن يعمهم بعقاب من عنده.

وهذا الأمر لأهميته أخذ حيزا من اهتمام علماء الإسلام فقد بوب البخاري رحمه الله في كتاب “الأدب” من صحيحه: (باب ستر المؤمن على نفسه)، ثم ذكر الأحاديث الدالة على ذلك، وفي كتابه “الأدب المفرد”: (باب من ستر مسلماً).

وبوب الإمام النووي رحمه الله في كتابه “شرح صحيح مسلم”: (باب النهي عن هتك الإنسان ستر نفسه) ثم ساق الأحاديث، وبوب ابن ماجة في سننه في كتاب الحدود: (باب الستر على المؤمن ودفع الحدود بالشبهات)، وبوب البغوي رحمه الله في كتاب السنة: (باب النهي عن تتبع عورات المسلمين، وباب الستر)…

والستر فضيلة كما هي مطلوبة من الإنسان اتجاه إنسان آخر، فهي مطلوبة من الإنسان نفسه اتجاه نفسه، فعليه الاجتهاد في ستر ما يفعله من قبيح الأعمال، إذا فعله في حالة ضعف لا أن يكون ذلك ديدنا يمارسه عن سبق إصرار وترصد دون مبالاة ولا شعور بأدنى حرج مع نفسه وفيما بينه وبين ربه؛ إذ الإسلام وجه هؤلاء إلى السلوك الأمثل والذي يعينه على ترك القبائح قبل أن تصير فضائح. قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْه) صحيح البخاري.

والله تعالى لا يحب أن يجاهر الإنسان بكلام السوء ولا بإشاعة السوء، قال تعالى: “لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا” (سورة النساء:148).

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من ابتلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله جل وعلا) رواه البيهقي والحاكم وحسنه الألباني.

والنصوص الشرعية في هذا الباب كثيرة لا يستوعبها مقال فلتراجع ممن أراد.

لكن المشكلة المرتبطة بهذا الموضوع هو ما نراه من حرص الصحافة اليوم أشد ما يكون الحرص على جعل الفضائح المادة الدسمة التي لا تفارق صفحات أخبارها، أولا لأنها تخاطب نفوسا مرضت بحب تتبعها وما أكثرها، وطمعا في مزيد ربح مادي ولو على حساب القيم. وثانيا جعلها وسيلة لتحطيم الخصوم تصفية لحسابات شخصية أو فكرية أو إيديولوجية أو سياسية أو مادية… ومهما كانت المبررات فهو سلوك منحط إلى أبعد الحدود.

ومن العجائب الغرائب أن يتم التشهير بمن ستر نفسه ما استطاع، أو وقع في زلة على حين غفلة، أو شبهة أو خطأ، فيتم قرع الطبول وشحذ السكاكين وطلب المزيد من المداد وتطويل الألسن خاصة إذا كان المعني رمزا من الرموز، ولاسيما إذا كان يتبنى دعوة إصلاحية تزاحم عصابة الفساد والإفساد والتي هي من يملك زمام المبادرة في كثير من المنابر الإعلامية.

وفي المقابل يتم التغاضي عن فضائح معلنة لم يبال أصحابها بإظهارها أمام الملأ أو فئة من الناس قلوا أو كثروا، إذ الذي يرضى أن يمارس فحشا ولو أمام شخص واحد فقد كشف ستر الله عليه فلا يلومن إلا نفسه.

وهنا مفارقة عجيبة وفضيحة إعلامية لإعلام الفضائح الخاضع لسلطة بني علمان، كيف تعاملوا مع أخطاء لبعض الفضلاء. وجعلوا منها معركة لكسر العظام وعنونوها بفضيحة القرن؛ بينما هم غارقون في فضائح تخر لها الجبال هدا. فإن كانت الفضيحة منهم تنادوا ألا فاستروا صاحبكم متحدثين عن مناقب الستر وفضائله، وأن كل الناس خطاؤون ووو وهلم جرا. لكن يأبى الله أن يفضح من هتك الستر الذي بينه وبينه، إذا لم يتق ربه ويعجل بتوبة صادقة تصلح بينه وبين ربه الذي من صفاته الستير، يستر خلقه في الدنيا والآخرة، ولولا ستره علينا للعن بعضنا بعضا وفسدت الحياة بين الناس أكثر مما هي عليه.

فله الحمد أولا وأخيرا. وليتق الله بنو علمان، فإنهم أول من سن سنة نشر الفضائح، وكل خبر ينشر يبوؤون بإثمه وإثم من نشره.

فاللهم استرنا بسترك الجميل.

آخر اﻷخبار
1 comments

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M