كرونولوجيا المالية التشاركية بالمغرب

08 مايو 2017 15:47
كرونولوجيا المالية التشاركية بالمغرب

هوية بريس – فيصل اوعلي اوبها

من طال تردده زاد تأخره، تلك حكاية النظام المالي الاسلامي بالمغرب الذي عاش فترات مخاض عسيرة، تكللت بتوفيق من الله وبدعم من بعض الاكاديميين وهيئات المجتمع المدني التي تعنى بمجال الاقتصاد الاسلامي وكذا الفاعلين المؤسساتيين، بإقرار تعديلات في نهاية سنة 2014 على القانون المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، والذي ينظم عمل البنوك التشاركية وفق الاصطلاح المغربي، وكذا القانون المنظم لقطاع التأمين التقليدي بإدماج منتجات التكافل وإعادة التكافل، علاوة على التغييرات المدرجة في قانون التسنيد، من أجل أجرأة اصدار الصكوك في السوق المالي المغربي ، فيما صدر مرسوم ملكي يقضي بإنشاء هيئة شرعية مركزية تعنى بالإفتاء وإبداء الرأي بالمطابقة على قطاع التمويل التشاركي. ويعد المغرب من أخر البلدان الاسلامية ودول المغرب الكبير الذي فتح نظامه المالي للتمويل التشاركي بعد ان كانت مؤصدة لعقود مضت.

عرفان للتاريخ:

لم تكن فكرة إدماج المالية الاسلامية في النظام المالي المغربي وليدة اليوم، إنما هي نتيجة جهود باحثين ومفكرين مؤمنين بالاقتصاد الاسلامي كنظام اقتصادي رباني وشمولي أساسه العدل والانصاف والتوزيع العادل للثروات.

وشهد المغرب محاولات عديدة للاستثمار في هذا القطاع من طرف مجموعات بنكية اسلامية دولية كمجموعة دلة البركة وبنك فيصل ودار المال الاسلاميين .

وبموازاة مع رغبة الاجنبي في الاستثمار بالقطاع، ظهرت مبادرة بنك الوفاء سنة 1989 عبر اطلاقه ثلاث خدمات بنكية تهم المرابحة والاجارة والمشاركة، فأوقفها بنك المغرب وطلب مهلة لمراجعتها دامت17 سنة. وبعد تردد دام لسنوات، أقر بنك المغرب ان لهذه المعاملات سوق واعد، فرخص للبنوك المغربية بتسويق المنتجات البديلة سنة 2007 وهي الاجارة والمشاركة والمرابحة حظيت بارتياح كبير بعد طول انتظار، لكن مرور خمس سنوات من عمر التجربة، كانت كافية لإماطة اللثام عن فشلها، بحيث لم يتجاوز رقم معاملاتها حتى اواخر سنة 2010، 900 مليون درهم مقارنة بـ621 مليار درهم، أي ما يقارب 0.01% من المعاملات المصرفية التقليدية مقارنة بـ4.9% بمصر و4.3% بتركيا و15% بماليزيا، ناهيك عن تجاهل التقارير السنوية لبنك المغرب أي إشارة لهذه المعاملات منذ نشأتها سنة 2007.

أسباب متعددة كانت وراء فشل هذه التجربة، لعل أهمها:

* عدم مطابقة العقود والمنتجات للشريعة الاسلامية نظرا لغياب هيئة الرقابة والتدقيق الشرعي عليها.

* غياب منافسة حقيقية بين العروض البنكية، اضافة الى حالة احتكار لا تسمح للعميل بإيجاد البديل أو مناقشة شروط التمويل.

* غلاء فاحش لهذه المنتجات بسبب الازدواجية الضريبية، وعدم ملائمة النظام الضريبي لخصوصية هذه الخدمات.

* غياب تسويق فعال لهذه المنتجات رافقه جهل أغلب العاملين في البنوك التقليدية بهذه المعاملات، وغياب أي سياسة تكوينية في هذا المجال. هذه التجربة تركت صدا سلبيا لدى الزبون المغربي وغيره عن المالية الاسلامية باعتبارها حسب رأيهم معقدة المساطر وعالية التكلفة مع نظيرتها التقليدية، الشيء الذي أدى إلى تنامي الضغوط بوضع إطار قانوني وشرعي من أجل انطلاقة سليمة وصحيحة لمشروع المالية التشاركية ببلادنا.

عوامل محفزة:

كان للأزمة الاقتصادية العالمية أثر كبير على اقتصاديات الدول، فكان للمغرب نصيب منها، ورغبة منه في إنعاش الاقتصاد الوطني، ووضع حد لمشكل السيولة، وكذا دعم جاذبية القطب المالي للدار البيضاء، ثم الاستجابة في الآن نفسه لرغبة شريحة مهمة من المغاربة في إيجاد مؤسسات مالية تتعامل وفق الشريعة الاسلامية، كان لابد من اجتذاب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية، وخاصة من دول الخليج التي اصبحت محل أنظار دول العالم، فكان المغرب بذلك حريصا على إدماج التمويل الاسلامي ضمن منظومته الاقتصادية للاستفادة القصوى من هذه الرساميل.

الأبناك التشاركية:

صادق البرلمان المغربي خلال نونبر 2014، على القانون 103-12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، والذي يقضي بإدماج الخدمات المصرفية المتوافقة مع الشريعة إلى جانب الخدمات التقليدية.

فيما يخص طلبات الاعتماد، فقد توصل المركزي بسبع طلبات لإنشاء بنوك تشاركية وثلاث طلبات تهم نوافذ خاصة داخل المؤسسات التقليدية، وطلب واحد لشركة تمويل خاصة. وبعد دراسة الملفات وتحليلها، أعلنت لجنة مؤسسات الائتمان والمكونة من ممثلين اثنين من بنك المغرب، وممثلين لوزارة المالية، عن أسماء الطلبات المعتمدة من اجل إحداث بنوك تشاركية ويتعلق الأمر بـ:

* بنك قطر الدولي الاسلامي (40%) بشراكة مع القرض العقاري والسياحي(40%) وصندوق الإيداع والتدبير (20%) تحت اسم “أمنية بنك”.

* البنك المغربي للتجارة الخارجية لإفريقيا (51%) بشراكة مع المجموعة السعودية البحرينية دلة البركة (49%) تحت مسمى “بنك التمويل والانماء”.

* البنك الشعبي المركزي (80%) مع المجموعة السعودية غايدنس المتخصصة في التمويل العقاري (20%) تحت اسم “بنك اليسر”.

* القرض الفلاحي للمغرب (51%) بشراكة المؤسسة الاسلامية لتنمية القطاع الخاص (49%) تحت مسمى “البنك الاخضر التشاركي”.

* التجاري وفا بنك (100%) تحت اسم “بنك الصفاء”.

فيما تم الترخيص لفتح نوافذ تشاركية لكل من:

* البنك المغربي للتجارة والصناعة التابعة للمجموعة الفرنسية BNP PARIBAS تحت مسمى “نجمة للخدمات التشاركية”.

* الشركة العامة المغربية للأبناك، سميت “دار الامان”.

* مصرف المغرب التابع لمجموعة القرض الفلاحي لفرنسا، لم يفصح عن اسم النافذة بعد.

فيما تم رفض طلب بنك الريان القطري وبنك الامارات دبي الوطني الراغبين في العمل بمفردها في السوق المالية الوطنية رغم تمتعهما بشهرة عالمية، ومتانة قوائمهما المالية، وجودة حوكمتهما الشرعية، الشيء الذي خلف استياء لدى العديد من المتتبعين، فيما انسحب بنك ابوظبي الاسلامي قبل نهاية سباق الاعتمادات، اما ملف مؤسسة التمويل RCI FINANCE التابعة للمصنع الفرنسي RENAULT، فلم يذكر أي جديد عنه.

التكافل:

يعد التأمين وإعادة التأمين التكافلي إحدى الركائز الأساسية للقطاع المالي التشاركي، وجزء مكملا للنظام المصرفي الاسلامي المغربي، فتمة علاقة متينة بين الصيرفة والتأمين بشكل عام. ويقوم على مبدأ التعاون وفصل اموال الملاك من جهة (حملة الأسهم)، وأموال المشتركين (حملة الوثائق) من جهة أخرى.

ويعد مشروع التكافل في صيغته الحالية محدود وغير مكتمل، لأنه لا يمس إلا التأمين التكافلي على الحياة (Takaful vie)، في حين أغفل الجانب الأهم في هذه التأمينات والتي تحظى بحصة الاسد، وهي التأمين التكافلي المتنوع (Takaful non vie)، والذي يشمل التأمين على العربات والاوراش ومخاطر العمل وغيرها. كما أن اختيار نموذج وحيد لإدارة عمليات التأمين التكافلي، والمبني على عقد إجارة أو وكالة بأجر معلوم، دون النماذج الأخرى، كنموذج التسيير بالمضاربة، أو النموذج المختلط والذي يجمع بين النظامين الأول والثاني، قد يؤثر على معنوية المستثمرين وحملة الأسهم الراغبين في الاستثمار بالقطاع.

ويبقى تنزيل هذه التعديلات من اختصاص جهات الاختصاص والمتمثلة في وزارة الاقتصاد والمالية ومديرية مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي من أجل إرساء دعائم سليمة ومتينة لصناعة التكافل وإعادة التكافل بالمغرب.

الرقابة والتدقيق الشرعي:

نص القانون المغربي على توحيد المرجعية الشرعية باعتبارها النموذج الأمثل لحوكمة شرعية متميزة، فثم إحداث اللجنة العلمية للمالية التشاركية بموجب الظهير رقم 1.15.02، وهي لجنة علمية متخصصة لدى الهيئة العلمية المكلفة بالإفتاء بالمجلس العلمي الاعلى.

ويعد الهدف من إحداث هذه اللجنة، إبداء الرأي بشأن مطابقة الأنشطة والعمليات التجارية والمالية والاستثمارية التي تقوم بها بعض المؤسسات المالية والهيئات المعتبرة في حكمها، لأحكام الشريعة الاسلامية ومقاصدها.

وتتألف اللجنة الشرعية من منسق اللجنة، وتسعة أعضاء من العلماء الفقهاء المشهود لهم بالمعرفة الراسخة والالمام الواسع بأحكام الشريعة الاسلامية ومقاصدها وبالقدرة على الإفتاء وبيان حكم الشرع في القضايا المعروضة على اللجنة، وتستعين هذه الأخيرة على سبيل الاستشارة بخمسة خبراء دائمين على الأقل يختارون من بين الاشخاص الذاتيين أو الاعتباريين المشهود بكفاءتهم وخبراتهم في مجالات المالية والقانون وقطاع الأبناك والتأمينات وأسواق الرساميل، يعينون بمقرر للأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، وتحدد وضعيتهم بموجب عقود.

أما البنوك والنوافذ التشاركية وكذا مؤسسات التأمين التكافلي، فقد ألزمهم القانون باستحداث وظيفة داخلية للالتزام الشرعي هدفها ضمان تتبع وتطبيق الآراء بالمطابقة الصادرة اللجنة الشرعية، وتحدد شروط سير وظيفة التقيد بآراء الهيئة الشرعية بمنشور يصدره المركزي.

يبقى تفعيل التدقيق الشرعي الخارجي على غرار التدقيق المحاسباتي مطلبا جوهريا الى جانب الرقابة الإشرافية لكل من البنك المركزي واللجنة الشرعية، مع التركيز على استقلالية تامة لوظيفة الالتزام الشرعي الداخلي، رغبة في حوكمة شرعية سليمة وفعالة.

الصكوك والأسواق المالية

تطرقت تصريحات وزير الاقتصاد والمالية المغربي، إلى توجه المغرب نحو طرح صكوك سيادية قبل منتصف سنة 2017، في إطار بحثه عن تنويع مصادر تمويل الاقتصاد الوطني.

يذكر أن المغرب أدرج إصدار الصكوك ضمن قانون تسنيد الديون، ويتم التأكد من مطابقتها للشريعة الاسلامية من خلال اللجنة العلمية للمالية التشاركية. ورغبة في تعزيز دينامية السوق المالي التشاركي المغربي، تعتزم بورصة الدار البيضاء إطلاق مؤشر مالي يضم أسهم الشركات الموافقة للشريعة الاسلامية والذي ينتظر تأشيرة المجلس العلمي الاعلى حسب رأي مسؤول.

ويعد هذا النوع من المؤشرات حيويا لإنعاش السوق المالي بشكل خاص، والنظام المالي التشاركي المغربي بشكل عام، في انتظار قيام سوق بيبنكي تشاركي، يوفر للفاعلين في المجال، الضمان والسيولة والربحية عبر أدوات مالية متوافقة مع الشريعة الإسلامية.

نظام التحكيم والمصالحة:

يعد اعتماد نظام التحكيم والمصالحة لتسوية منازعات المصارف والمؤسسات المالية التشاركية بالمغرب حاجة ملحة، لأن ضرر المماطلة والتأخير في سداد الدين عليها أكبر من المؤسسات التقليدية، فالأنظمة الاساسية والشرعية والقانونية تمنع هذه المؤسسات من تقاضي غرامات التأخير تعويضا للضرر الذي يسببه التأخير في السداد، فهي بذلك تحتاج إلى صدور حكم في وقت وجيز لتحصيل ديونها ومن ثم إعادة استثمارها في أحسن الظروف، أما المؤسسات المالية التقليدية التي تتقاضى غرامات التأخير، فسرعة البت في قضاياها ليست بنفس الأهمية، لأن هذه الغرامات التي تحكم بها المحاكم وتقبضها المؤسسات التقليدية تشكل تعويضا ولو جزئيا لهذه المؤسسات، كما أن وجود نزاعات عالقة أمام المحاكم لفترات طويلة دون البت فيها يؤثر سلبا على كفاءة المؤسسات التشاركية، مما يستدعي فض النزاع في وقت أسرع ومن قبل مختصين في مجال فقه المعاملات المالية الاسلامية.

وتجدر الاشارة الى أن اتفاق الطرفين اللجوء الى التحكيم، لا يعني تنازلهما المطلق عن اللجوء الى القضاء، وإنما منح المحكم سلطة الحكم لحسم النزاع بدلا المحكمة، فإذا لم تتم العملية التحكيمية لسبب معين، إما لرفض احد الاطراف تنفيذ القرار الخاص بالتحكيم أو غيرها من الاسباب، فإن سلطة القضاء هي المختصة بالنظر في النزاع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* بنكي، مراقب ومدقق شرعي معتمد من هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الاسلامية البحرين؛ وعضو جمعية الباحثين في المالية الاسلامية.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M