من “مدونة الأحوال الشخصية” إلى “مدونة الأسرة”.. ماذا تحقق؟

18 ديسمبر 2022 18:10

هوية بريس – محمد زاوي

بالمراجعة الأخيرة لقانون الأسرة (صدور مدونة الأسرة عام 2005)، لم يتم تغيير تسمية هذا القانون من “مدونة الأحوال الشخصية” (1957 مع تعديلات لحقتها فيما بعد) إلى “مدونة الأسرة” فحسب، بل شمل هذا التغيير مضمون القانون أيضا. فجاءت مدونة الأسرة بمستجدات، يمكن إجمالها فيما يلي:

– مستجدات خاصة بالأسرة عموما، لعل من أبرزها: تحديد الفئات الخاضعة للمدونة، تعريف الزواج تعريفا جديدا بكونه “ميثاقا غايته الإحصان وإنشاء أسرة مستقرة تحت رعاية الزوجين” (بعدما كان برعاية الزوج وبغرض آخر هو “تكثير سواد الأمة”)، إدخال النيابة العامة كطرف أصلي في جميع القضايا التي تشملها المدونة، الخ.

– مستجدات خاصة بالخطبة، من قبيل تناولها بمزيد من التفصيل، وكذا التنصيص على حق التعويض عن ضرر فسخ الخطبة.

– مستجدات متعلقة بالزواج؛ منها تحديد سن الزواج في سن لا يقل عن 18 سنة (مع استثناء بإذن القضاء) لطرفي العلاقة الزوجية معا، حق الولاية للمرأة الرشيدة، مقتضيات جديدة خاصة بالصداق (القيمة المعنوية، المطالبة لا يلحقها تقادم)، إلخ.

– مستجدات متعلقة بتدبير العلاقة الزوجية؛ منها: الحق في تنظيم الموارد المالية المتحصلة في فترة الزواج من قبل الزوجين (عن طريق اتفاق بينهما)، تقييد تعدد الزوجات (بالقدرة وموافقة الزوجة)، إلخ.

– مستجدات خاصة بفسخ عقد الزواج، أي الطلاق؛ من قبيل حكم المحكمة بالتطليق إذا تعذر الإصلاح بين الزوجين واستمر الشقاق بينهما، طلب الطلاق من المحكمة (تبت فيه في غرفة المشورة، ثم تحاول الإصلاح بين الزوجين قبل الحكم بالطلاق)، تقدير مبلغ الخلع بعد اتفاق الزوجين عليه واختلافهما على قيمته (التقدير من قبل المحكمة)، بت المحكمة في دعاوى التطليق بشروط (الإخلال بشرط في عقد الزواج، الضرر، عدم الإنفاق، اللعيب، الإيلاء والهجر بعد القيام بمحاولة الصلح خلال أجل أقصاه ستة أشهر)، إلخ.

– مستجدات خاصة بتربية الأبناء؛ منها التنصيص على حقوقهم الأساسية (أثناء العلاقة الزوجية وبعد فسخها)، ضرورة توفير عناية خاصة للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة.

– مستجدات خاصة بالحضانة؛ كحق المحكمة في اختيار من تراه صالحا للحضانة، تقييد فترة الحضانة ببلوغ سن الرشد للذكر والأنثى معا، رفع سن اختيار الحاضن لمحضونه من أبويه (15 سنة للذكر والأنثى على حد سواء)، ومستجدات أخرى متعلقة ب”أجرة الحضانة” و”إفراغ المحضون من بيت الزوجية”، الخ.

– مستجدات متعلقة بتدخل المحكمة في قضايا الأسرة؛ من أجل إرجاع أحد الطرفين إلى بيت الزوجية، أو من أجل إعادة النظر في الحضانة لمصلحة المحضون، أو الرقابة على أداء الوالدين لحقوق أبنائهم، إلخ.

– مستجد يخص النسَب، إذ أقرت مدونة الأسرة بشرعية البنوة بالنسبة للأم والأب إلى أن يثبت العكس، وبإثبات النسب بالظن وانتفائه بحكم قضائي فقط، بالإضافة إلى مقتضيات أخرى مرتبطة بإثبات النسب الناتج عن شبهة، الخ.

وبعد هذا العرض المقتضب، لا بد لنا من تساؤل:

ما الذي تحقق بعد التعديل الذي شمل قانون الأسرة سنة 2005؟

ولا بد أن نجيب عن هذا التساؤل بإحصائيات تصف واقعنا بالأرقام، حتى نرى إلى أي حد أتت المدونة الجديدة أكلها، وإلى أي حد قدّمت حلولا قانونية ناجعة لمشاكل الأسرة المغربية.

 بخصوص الزواج:

أفاد تقرير أنجزه المرصد الوطني للتنمية البشرية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، العام الماضي (2021)، أنه “على الرغم من اهتمام الشباب المغاربة بفكرة تكوين أسرة، إلا أن نسبة عزوفهم عن الزواج ارتفعت من 42٪ عام 2011 إلى 70٪ عام .”2019

وأضاف ذات التقرير، الصادر عام 2021، تحت عنوان “أن تكون شابا في المغرب خلال الوقت الحالي”، أن “فئة الشباب هي إحدى الفئات الاجتماعية في المغرب التي تواجه تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية حقيقية”.

فيما أفادت المندوبية السامية للتخطيط، عام 2015، أن “النتائج الرسمية لإحصاء عدد السكان في المغرب الخاص بعام 2014، سجلت “ارتفاع ما يعرف بنسبة العزوبة النهائية، أي الأشخاص الذين لم يتزوجوا رغم وصولهم إلى سن 55”.

و”وصلت هذه النسبة إلى 5,9 في المئة من النسبة الإجمالية لعدد العزاب، بينما لم تكن تتجاوز عام 2004 ما يقارب 3 في المئة”، يؤكد ذات المصدر.

-وبخصوص الطلاق:

فقد أفادت وزارة العدل، هذا العام، جوابا على سؤال برلماني، بـ”ارتفاع جديد في حالات الطلاق خلال سنة 2021 بتسجيلها أكبر عدد في الحالات منذ دخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ سنة 2004″.

وأضافت ذات الوزارة أن “حالات الطلاق عرفت انخفاضا طفيفا منذ دخول مدونة الأسرة حيز التطبيق إلى غاية 2021″، إذ انتقل عدد حالات الطلاق من 26914 حالة سنة 2004 إلى 20372 حالة سنة 2020، ليعاود الارتفاع سنة 2021، إذ بلغ ما مجموعه 26957 حالة طلاق”.

وأبرز المصدر ذاته أن “الطلاق الاتفاقي أصبح يشكل النسبة الأكبر من حالات الطلاق بمرور السنوات، إذ انتقل من 1860 حالة سنة 2004 إلى 20655 حالة سنة2021”.

أما بخصوص العنوسة:

فأفاد تقرير رسمي صادر عن المندوبية السامية للتخطيط، عام 2019، أن “حوالي 35 في المائة من المغربيات، أي أكثر من الثلث، عازبات”.

وأضاف ذات التقرير أن “العزوبة عند الإناث بلغت سنة 2014 مستويات عالية في الأعمار الحاسمة، إذ حوالي الربع (24 في المائة) من النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 30 و34 سنة لم يسبق لهن الزواج”.

ما المحصلة، بعد حوالي 18 سنة من صدور مدونة الأسرة؟

ارتفاع نسبة العزوف عن الزواج، ارتفاع نسبة الطلاق، ارتفاع نسبة العنوسة؛ وغيرها من الإحصائيات التي تفرض مراجعة هذه المدونة، بمنطق المسؤولية والحرص على سلامة وتماسك المجتمع المغربي واستقرار دولته، لا بمنطق اتباع الأهواء والأوهام الشخصية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

مدونة الأحوال الشخصية.(1957)

مدونة الأسرة .(2005)

مقال “التطور التاريخي لمدونة الأسرة المغربية”، رشيد زيزاوي، سنة النشر .2016

تقرير “أن تكون شابا في المغرب خلال الوقت الحالي”، إعداد المرصد الوطني للتنمية البشرية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي 2021.

وزارة العدل، الجواب على سؤال برلماني للمجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، 2022.

المندوبية السامية للتخطيط، النتائج الرسمية لإحصاء عدد السكان في المغرب لسنة 2014-2015.

المندوبية السامية للتخطيط، تقرير السكان والتنمية، عام 2019

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M