من يصنع عشاق “الطوطوية” ومريديها؟؟

01 نوفمبر 2022 21:15

هوية بريس – إبراهيم الطالب

قبل أي كلام عن معنى “الطوطوية” نحب أن نؤكد أن هذا المصطلح لا يهمنا فيه ما وقع خلال مهرجان وزارة الثقافة بالتحديد، ولا يعنينا من هو “طوطو” ولا ما وقع منه. لأن ذلك ما كان ليكون في نشاط تؤطره وزارة الثقافة لو لم يكن له امتداد اجتماعي ووجود وصل درجة من “التمظهر” تجعله جديرا بالحديث والبحث.

ما نريد أن نوليه أهمية  هو مفهوم “الطوطوية”، والذي أصبح يؤطر سلوكا جمعيا لفئة من شباب ما بعد 11 من شتنبر، والتي كانت نقطة انطلاق الحرب على الإرهاب التي حتما لم تقتصر على مواجهة العمل الإرهابي بل توسعت لتشمل كثيرا من الأشياء والقضايا أحدثت ما سماه بوش حينها بالفوضى الخلاقة.

فـ”الطوطوية” أصبحت حالة اجتماعية مرضية أفرزها المجتمع المغربي، نتيجة قرارات سياسية خاطئة، تراكمت خلال أكثر من عشرين سنة، هذه القرارات اتخذت لتدبير الحرب على التطرف والإرهاب، مارست خلالها الدولة توجيها لِلَوْن معين أو ألوان معينة أو تيار أو تيارات بعينها، عملت على تقويتها ودعمها لتقف ضد اتجاه أو تيار آخر، ارتأت السلطة أنه لا يخدم مصالحها، أو استجابت بشأنه لضغوطات خارجية أملتها ظرفية وإملاءات مسيري الحرب العالمية على الإرهاب، هذه الحرب التي تبين بعد عقدين أنها كانت تستهدف المسلمين والإسلام في كل ربوع البسيطة، تجاوزت فيها الدول الغربية كل الحدود، لم يكن غوانتانامو عنوانها الوحيد.

إلا أننا في بلادنا السعيدة عشنا هذه الحرب في وقت عرف فيه المغرب إفلاسا سياسيا حقيقيا، نتج عن  تغول “الرأسمالية” وقدرتها على تدجين اشتراكية أصبحت أكثر دعما  “لليبرالية” من الرأسماليين، لقد كانا (الرأسمالية والاشتراكية) صوريا متناقضين في كل شيء، لكن المضحك أنهما استصنما على الدوام النظرة الغربية نفسها للكون والإنسان والحياة، ويشتركان في العداء للدين وأحكامه، ولا يريان مانعا ولا حرجا في نشر الخرافة الموغلة في اللاعقلانية والقبورية اللاغية للإرادة، المستسلمة لقوى غيبية تسلب الإنسان ملكة التفكير والنقد، فترى بين الليبرالين و”الاشتراكيين المتلبرلين” تواطؤًا مكشوفا على القبول بتمويل الخرافة والقبورية الغارقة في الرجعية والظلامية من المال العام، رغم الادعاءات العريضة للحداثة والتقدمية، فكلاهما مقتنع بشكل نفعي بدور الخرافة والقبورية في نحت القاعدة الجماهيرية للإسلاميين.

وهذا ما سبَّب إفلاسا إيديولوجيا جعل من المشهد السياسي المغربي مسرحا كبيرا تُعرض فيه مسرحيات كوميدية، تمثل نموذج “ضبط الشعوب” وفق نظريات الغرب السياسية والفكرية المتناقضة في الظاهر، المتحدة في الهدف وهو  تعبيد الإنسان المغربي للآلة الرأسمالية، وجعل الأفراد أقنان تستخدمهم في شركاتها سواء الزراعية أو الصناعية، بل صرنا نصدر نساءنا لتشتغلن في حقول الفراولة التي كانت يوما ما تحت سلطان المرابطين والموحدين.

إننا في مغربنا اليوم نحس وكأن جهة ما تتحكمَّ في جسم البلاد، تفتح فمه قسرا ليبتلع كل ما جرى وحدث في القرون التي مرت بها أوربا في رحلتها الاجتماعية والثقافية والسياسية والحقوقية دفعة واحدة، دون أن يكون لدى العقل الجمعي لهذا الجسم الحقُّ في الاعتراض، تماما مثل ماوقع له مع لقاح كرونا.

فطبيعي والحالة كما وصفنا أن يغص حلق هذا الجسم وينقطع نَفَسُه، فهذه الحالة من الاختناق التي نعيشها على كل الأصعدة هي التي تنتج عباد وعشاق “الطوطوية”، وسببها الأول والأخير هو هذا البلع المفروض لكل ما هو غربي، والممانعة الكاملة في الرجوع إلى مقومات الهوية المغربية الحقيقية.

هذه الممانعة التي لا تسمح بالرجوع إلى تلك المقومات إلا إذا كان رجوعا إلى أشياء توفر الدعم للعلمانية، ولا تحيي من الهوية سوى ما  يضبط الشعب، ويجعله ينحني أمام جبروت اللادينية الدولية المتسربلة بمسوح “حقوق الإنسان” المؤدلجة، المفتِّتة لكل هوية ولكل دين خصوصا مع نسختها المنقحة والمزيدة بعد “الثورة القزحية”.

إلا أن عمليات تفتيت الهوية والدين وتجفيف منابع الفكر الإسلامي الصحيح وهدم العمل المؤسسي الحضاري للجمعيات الهوياتية، ستعرف أوجَهَا خلال عقدي الحرب على الإرهاب، فانخراط المغرب في هذه الحرب بمثقفيه وعلمائه وأحزابه ودولته السطحية والعميقة، وحكومته المنتخبة وتلك المتحركة في الظل، سيجعل المغرب ساحة لبناء “النموذج المغربي” في محاربة الإرهاب والتطرف، ولتشكيل “الاستثناء المغربي” الذي استطاع تخطي أهوال أيام الربيع العربي.

وطبيعي كذلك أن تولد في ظل هذا كله ما سميناه بـ “الطوطوية”، وتجد لها مؤيدين وعبادا وعشاقا يَتحدَّوْن كل عرف ويناقضون كل دين وكل قانون وكل ضابط.

“طوطوية” تتخذ من دخان المخدرات وصخب موسيقى “الراب” عقيدة تناضل بها ضد كل شيء ومن أجل لا شيء، كما تتخذ من السخط والتذمر من كل شيء والغضب الموزع في كل الاتجاهات طقوسا تظهر من خلالها “رسالتها” كل هذا يتمظهر في مهرجانات البؤس، التي تقدم ثقافة تعبر بعمق عن أزمة الغربة الهوياتية سِيمَتُها جهل معرفي وتصورات مأزومة مخنوقة.

هكذا هي “ظاهرة الطوطوية”!! استطاعت أن تتفوق على الكتاب وكل الفنون الجميلة، وتملأ مكانهما في نفسيات الشباب المحبطة وحياتهم التائهة بين الشهوة والفراغ.

فهي تبدع في رسم اللوحات بألوان السباب والشتم، وتتخذ من “تخسار الهدرة” منهجا تتفنن به في نحت تماثيل “فنية” تضاهي تماثيل “مايكل أنجلو” العارية والتي تسللت إلى الكنيسة لتحطم العفة والقيم باسم الفن.

يجتمع كل هذا دفعة واحدة معلنا عن واقع بلد وشعب حيل بينهما وبين الرجوع إلى روحهما، بلد وشعب يعيشان منذ أكثر من قرن مسلوبي الهوية خاضعين لكل غريب لا يردان يد مجرم مخادع، ولا يكسران سلاح معتدٍ غاصب.

لكن مرة أخرى نسأل من يصنع عشاق ومريدي وعباد “الطوطوية”؟؟

الجواب:

هو مَن قرر أن يحارب الإرهاب بالتفاهة، والتطرف بالانحلال.

– هو من جعل من الدراما والفن والثقافة قطاعات لصناعة التفاهة، حتى يصرف الناس عن الدين والالتزام الجاد الذي يبني القوة وينشئ الحضارة.

– هو من خطط لتسخير الشأن الديني في أكبر عملية لإجهاض صحوة أوشكت أن تحل عقال الجسم المغربي من أغلال التغريب، لتزيده أغلال الخرافة، تماما كما فعل ليوطي مع العلماء المتنورين الذين حاربوا الإرث الديني القبوري المستسلم لقدر الاحتلال.

– هو من جعل المسجد والخطبة والوعظ أداة لإعادة بناء تدين لا يتناقض مع علمانية متسلطة.

– هو من مكَّن جنودَ العلمنة والفراكفونية من وسائل الإعلام العمومية.

– هو من يمعن في ممارسة الإحراج السياسي والتضييق الممنهج على هيئة العلماء وأشخاصهم، ويحول دون توجيه حقيقي للمجتمع نحو التمسك الجدي بالإسلام.

إن مَن يصنع عشاق ومريدي “الطوطوية” هو كل من  يساهم في إنتاج كل الأسباب التي تدفع الأجيال نحو الانقطاع المبكر عن التعليم من فقر وهشاشة وتخلف.

– هو من يتخذ من إضعاف التأطير في المحيط التعليمي منهجا لصناعة خريجين مفلسين، تمنح لهم شهادات الباكالوريا في حين أغلبهم  لا يستطيع تركيب فقرة واحدة لا باللغة العربية ولا الفرنسية ولا الإنجليزية.

إن من يصنع عباد “الطوطوية” ومريديها كل من يترك الليبرالية المتوحشة تهدم الأسرة، وتغرق الأبوين في الهم المعيشي وتشغلهما بالكفاح اليومي من أجل توفير اللقمة والدواء عن تربيت أبنائهما.

– هو من يفتت الأسرة المغربية الممتدة الحاضنة الأساسية للقيم الإسلامية والهوية المغربية ويشجع الأسرة النووية ويجعلها في خدمة “التصورات العلماني”، ليأتي في نهاية المطاف معلنا سقوط العم من نظام الإرث مطالبا بتعديل يشطب التعصيب، بدعوى حماية النساء من أوليائهن الشرعيين، في حين نفس النساء يتم استغلالهن  يوميا في الشركات الرأسمالية مقابل كسرة خبز ممرغة في الذل والهوان ويشتغلن في المقاهي نادلات يبعن أجسادهن مع القهوة والعصير.

إن مَن يصنع كل هذا هو باختصار  من يمنع العدالة الاجتماعية من التحقق، ويشجع الفساد ويحميه بالرشوة، ويحول دون أن يتقلد الصالحون المصلحون مقاليد الشأن العام مخافة أن ينتشر التدين الواعي، ويصير الرجوع إلى الدين وأحكامه مطلبا شعبيا للرأي العام.

وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M