من ينقذ الأستاذ المغربي!؟

09 نوفمبر 2023 00:04
تصعيد جديد من أساتذة التنسيقية وإضراب جديد ل4 أيام

هوية بريس – ذة.لطيفة أسير

قد لا نختلف إن قلنا أن التعليم بالمغرب استأنس بأزماته وطال عهده بها؛ فلا يكاد ينجو من أزمة حتى يصطدم بأخرى؛ وما من حكومة إلا وتلعن أختها، لا تناغم في السياسات المتعاقبة، ولا من مخطط إصلاحي واضح، بل لعل الجميع صارت عنده قناعة تامة أن المخطط الوحيد الذي تتنافس عليه الحكومات المتعاقبة هو مخطط إقبار التعليم العمومي، ورفع شارة الانتصار للتعليم الخصوصي.

شخصيا منذ التحاقي بسلك التدريس وأنا أسمع عن معاناة أهله وأتعايش مع مشاكله إسوة بأساتذتي ؛ وفي كل سنة أمنّي النفس بتغيير يعيد للمهنة إشراقتها التي كنّا نسمع عنها ونلمس بعض ملامحها حين كنا صغارا.. لكن عبثا نتأمل الجديد.. وكل أمانينا لا تعدو أن تكون أحلام يقظة..
اليوم ضاقت رحاب المؤسسات التعليمية المغربية بأهلها،ونفر جموع الأساتذة من فصولهم الدراسية مع صدور النظام الأساسي الجديد..نظام تراجعي بامتياز.. أجهز على ما بقي من كرامة للمدرس المغربي.. وفرط في كثير من حقوقه المادية والمعنوية.. نظام مأساوي كان كفيلا بأن يوحد الجموع الأستاذية المتفرقة منذ عقود.. نظام كان النقطة التي أفاضت كأس الصبر لدى جمهور الأساتذة بالمغرب فأعلنوها ثورة مدوية بنضالات يومية بعيدًا عن النقابات التي خانت العهد كدأبها دوما..نظام تحقيري لا تحفيزي، مفرّقٌ لا موحِّد، نظام أعلن الحرب على الأستاذ المغربي وكأنه سبب فشل المنظومة التعليمية، نظام تستشف من مسطرة عقوباته كمَّ الحقد الذي تكنّه الأنفس التي هيأت لصدوره، نظام فيه كل شيء إلا النظام!!!

تعلمنا منذ التحاقنا بسلك التعليم أن مهمتنا الأساس والتي ما فتئنا ندونها كل سنة في ” الورقة الشخصية ” هي التدريس،لكن طبيعة عملنا كوننا أساتذة تجعلنا نتخطى هذه المهمة ونتجاوزها إلى ممارسة كل ما هو إنساني في سبيل خدمة الفئات المستهدفة، فتجد المعلم المغربي يقوم بأدوار عدة فتارة يكون معالجًا نفسيًّا، وأحيانا مصلحًا اجتماعيًّا، وتارة منشطاتربويا، وطورا موجها تقنيا، بل حتى أعمال التنظيف يمارسها حين يلج الفصل الدراسي ويجده في حالة يرثى لها !!!أمابعض المهام الإدارية فقد تم إلزام الأستاذ بها بالحيلة حتى غدت من صميم ممارساته المهنية..

هي إذن مهام شتى كان الكثير منا يمارسها تطوعا رأفة بالحالات التي نصادفها في صفوف تلامذتنا، الذين نعتبرهم أبناء لنا، كنا نجد مع هذا التطوع لذة العطاء، لأننا نمارسه عن حبّ، حتى في غياب التحفيز من الجهات الوصية.. لكنّاكنا أمناء على ما هو من واجبنا وما نقوم به اختيارا.. بل حتى الفصول الدراسية التي تفتقد لأبسط شروط الممارسة المهنية كنا نحرص على تجهيزها من مالنا الخاص، في ظل سياسة التقشف التي تمارسها الوزارة مع مؤسسات القطاع العمومي..

تضحيات جمّة ما فتئ الأستاذ المغربي يقوم بها سواء في الأوضاع العادية أو حتى في الأوضاع الاستثنائية كما كان الحال في محنة كورونا، فقد كان الأستاذ أحد الجنود المجندين الذين أبلوا البلاء الحسن، إلى جانب أطر الصحة والأمن.. لكن للأسف تمت مكافأة الجميع إلا الأستاذ..!!
ورغم ذلك كنا نعضّ على جمرة الصبر بالنواجذ، ليقيننا أن مهنتنا لها خصوصية تحتم ذلك، مهنتنا تمتاح من رسالة الرسل والأنبياء، وسلاحهم كان الصبر والاحتساب، لهذا كنا نتغافل عن كثير من المذكرات الجائرة، ونكمل النقائص المادية والمعنوية من ذواتنا، على أمل أن تستفيق الوزارة الوصية من سباتهايوما ما، وتعدل عن غيّها، وتكرم أطرها وموظفيها.. ما خِلنا أبدًا، وإنْ في أحلك الظروف، أن ما يتوج مسيرة صبرنا وجَلَدنا هو جَلْدنا بهذا النظام البئيس الذي يظلم المدرس ولا ينصفه، يحقره ولا يكرمه، يذله ولا يعزه..

لقد أثقل النظام الجديد كاهل الأستاذ بأعباء ومهام شتّى، فإلى جانب مهمته الأساس ” التدريس ” صار ملزما ب: (التقييم والدعم التربوي – التعاون والتنسيق ضمن الفريق التربوي – المشاركة في عملية التنمية والتطوير المهني – المشاركة في تنظيم الامتحانات المدرسية والمباريات وامتحانات الكفاءة المهنية- المشاركة في الأنشطة التربوية والأنشطة الموازية)، وطبعا كما نلاحظ المصطلحات المستعملة حمالات أوجه، ولا تتسم بالدقة المهنية. وهي مهام غير مُؤدّى عنها، لأن “العبد” الذي سيمارسها ” شْبَعْ راحة وخَاصُّو يخدم”!!

كما أن النظام الأساسي الجديد لم يحدد الغلاف الزمني الخاص بهيئة التدريس،وترك الباب مفتوحا على مصراعيه، لأن “العبد” المكلف بالعمل “شْبَعْ راحة وخاصّو يخدم”!!

التعويضات التكميلية والتعويضات عن الأعباء تم منحها بسخاء ودون قيد أو شرط لكثير من الفئات، وتم إقصاء الأستاذ منها، لأن سياسة التعامل مع ” العبيد ” منذ الأزل تقتضي أن يكون العمل أكثر من الأجر!!

فأيّ ظلم هذا يسلط على الأستاذ المغربي في واضحة النهار!؟

والله إنّا معشر الأساتذة نشتاق لفصولنا الدراسية.. نشتاق لأداء رسالتنا.. نتألم لهدر الزمن المدرسي للتلميذ، ولكن ما باليد حيلة وقد آلت الأوضاع إلى ما هي عليه الآن..

كم أشعر بالمرارة كلما أبصرت جموع الأساتذة تجوب شوارع المملكة مطالبة بأبسط حقوقها.. كم يحزّ في نفسي امتهان كرامة المعلم والذي يعكس اختلال التوازن بمغربي الحبيب.. كم أتألم وأنا أبصر نجاحهم في مخططهم التخريبي القائم على إذلال رمز المنظومة التعليمية وتخريب التعليم العمومي.. جريمة مكتملة الأركان يشهد فصولها كل المتتبعين منذ سنوات.. لكنهم لا يحركون ساكنا للضرب على يد الجناة..

خبروني بالله عليكم هل هذا الجندي المجهول عدو لذود للدولة؟؟..

هل هذاالجندي المجهول إرهابي يهدد أمن الدولة؟؟

هل هذا الجندي المجهول مجرم تخشى الدولة من بطشه فتحاول تقزيمه والنيل منه؟؟

لماذا القوانين اليوم أطلقت العنان للمجرمين فخففت عنهم عبء العقوبات السجنية وفرضت عقوبات بديلة، تحفز على الإجرام أكثر مما تردعه!؟

في حين كبّلت أيدي الأستاذ الذي يبني الأمة وينشئ الحضارة، وبالغت في عقوبته بين (التوبيخ والإنذار والإقصاء المؤقت من العمل والحرمان من الترقي ومن اجتياز امتحانات الكفاءة المهنية…).

أيهم أولى بالزجر والتأديب والتشديدمن يقتل ويسرق ويختلسوينهب،أممن يعلم ويربي ويبني الأنفس والعقول؟؟.

بأي ميزان توزن الأمور فيك يا مغربي الحبيب؟!

من ينقذ الأستاذ المغربي من هذا الحيف والجور الذي يطاله؟ من يخبر الحكومة أن مسيرة الكرامة يوم 7 نونبر 20230م قد حضرها أكثر من مئة ألف أستاذ، وأن نسبة الإضراب فاقت 95 بالمئة، لغة الأرقام تحكي، والصوت سمعه القاصي والداني، فهل من متعظ قبل أن تؤول الأمور إلى ما لا تحدم عقباه؟؟

قطاع التعليم يا سادة ليس قطاعا استهلاكيا كما تزعمون، بل هو من أكثر القطاعات إنتاجاوأغناها، وهذا ما أدركته الدول التي تحترم ذواتها، فأولت المعلم المكانة المرموقة التي يستحقها، ووفرت له كل الإمكانيات التي تجعله يبدع في عمله ليبدع في خلق الإنسان الذي يحرك قاطرة التنمية في كل المجالات..

على الدولة أن تعي أن القطاعات الأخرى هي التي يجب أن تكون في خدمة التعليم، وأن تسعى لحل مشاكلها وسداد مديوناتها بعيدا عن القطاع وعن جيوب أطره، ليس ذنبنا أننا كُثر، وإن كانت من مصائب مهنتنا كثرتنا كما يقول أحمد أمين : (ومن مصائب المعلمين أنهم كثيرون، وأنهم يجب لصالح الدولة أن يكونوا كثيرين، فلا بد لكل طفل وطفلة أن يكون له معلم، فكان لا بد من معلمين يتناسبون في الكثرة مع المتعلمين)!!!

نحن نحتاج لبناء مؤسسات تعليمية جديدة، نحتاج لآلاف الأطر الجديدة، نحتاج لسياسات تعليمية طويلة الأمد، نحتاج لسياسات تراعي خصوصيتنا كمسلمين وكمغاربة، كفانا تبديدا للأموال في مشاريع لا يفقه حتى أهلها كنهها، حقل التعليم ملّ أن يكون حقل تجارب باستمرار، دعوا أهل الاختصاص يتولون شأنه، واستمعوا لأصواتنا التي تناديكم كل حين، لسنا أطفالا قاصرين حتى تستعملوا معنا سياسة (خَلّيه يغَوّت.. دابا يَعْيا ويسكت).. نحن الأساتذة.. شئتم أم أبيتم نحن الأساتذة.. وفخر الصفة يكفينا وإن أمعنتم في إذلالنا وتأجيج العوام ضدنا..

و لو عقل الناس – كما قال الأديب الكبير أحمد أمين في مقالته الماتعة والصريحة (هل يكون معلما؟) في كتابة ” فيض الخاطر ص34:
(لأغنوا المعلم وأمكنوه من التفرغ لعلمه ولإنتاجه ولحلقه، ولو قاسوا الأشياء بفوائدها لقوموا المعلم أكبر قيمة، ولكن أنَّى هذا وتقويم الأشياء في الدنيا من أول عهدها إلى اليوم تقويم أخرق، بني على نظر أحمق، هذا كل مهارته أن يثير الضحك بمنظره أو بمنطقه أو بحركاته فينهال عليه المال انهيالًا، وهذا يثير الشهوة بألفاظه وخدعه فيتدفق عليه المال بالهيل والهيلمان، وهذا شاب سخيف غرّ كل ميزته أنه ابن غني مات والده فانتقلت إليه ثروته التي لا تحصى ولا خير للمجتمع منه، وهذا وذاك من الأمثلة الوافرة، وبجانب هؤلاء جميعًا نابغة لا يجد قوته ومعلم لا يجد الكفاف، كل ما في الدنيا من أمثلة يدل على فساد التقويم، كتاب مليء حكمة بدرهم، وحبة من لؤلؤ -ليست لها قيمة ذاتية- بآلاف، ومجهود الآلاف من الناس يحرثون ويزرعون لا يساوي خاتمًا من ماس تتزين به المرأة ساعة في العمر، ولاعب تقوَّم لعبته بالمئات، ومكتشف لا يقوم اكتشافه بشيء، وعلى الجملة فقد عجز العقل أن يدرك «أساس التقويم» عند الناس، فلا هو مقدار ما في الشيء من منفعة، ولا ما فيه من عدم منفعة، ولا هو الجمال ولا القبح، ولا الخداع ولا الصراحة ولا الصدق ولا الكذب، ولا الحق ولا الباطل، لا شيء من ذلك كله، ولا شيء غير ذلك كله، صالح لأن يفسر أساس التقويم عند الناس)..

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M