نكاح المتعة: إقامة الدليل على بطلان شبهات «محمد ابن الأزرق» (ح1)

05 مايو 2016 21:33
الدروس المؤصلة لمن خالف العلماء وفقد البوصلة

منير مرود*

هوية بريس – الخميس 05 ماي 2016

ضمن سلسلة “الردود العلمية على خريج دار الحديث الحسنية “محمد ابن الأزرق الأنجري” الجزء السابع/الحلقة الأولى.

بسم الله الرحمان الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

وبعد:

فكلما طال الأمد، وتباعد الزمان، وقل العلماء المنافحون عن الإسلام قرآنا وسنة، إلا ظهرت البدع، وأحيى الناس المذاهب الميتة حبا في الظهور والشهرة أحيانا، وجهلا بأصول الاستنباط عند أهل السنة والجماعة أحيانا أخرى.

وفي هذا الإطار، أطل علينا الباحث المغربي “محمد ابن الأزرق الأنجري” منذ سنة تقريبا بعدة مقالات يبيح فيها “نكاح المتعة”، مخالفا في ذلك إجماع أهل السنة والجماعة على تحريمه، وموافقا جمهور القائلين به من الشيعة الروافض قديما وحديثا.

ولئن كنا قد أعرضنا على الرد عليه طيلة هذه المدة، فلأننا أعملنا القاعدة القائلة بأن إهمال الأقوال الشاذة أولى من إظهارها وإعطائها أكثر من قيمتها، وكنا نعتقد أن الأمر سيقف عند هذه المقالات التي سرعان ما ستنسى، رغم أنه أشار في مقالاته تلك إلى أنه في صدد الإعداد لنشر الكتاب الأصل الذي لخص منه تلك البحوث.

فلما طبع الكتاب، وعمل “ابن الأزرق” على الترويج له في المواقع والمنتديات، بل والمناظرات، صار الرد حتما واجبا، عملا بمبدأ المدافعة التي نص عليها القرآن الكريم.

وانطلاقا من إبداء الأنجري الاستعداد للرجوع عن رأيه إذا ما قوبلت شبهاته بالحجج والبراهان القوية التي تنسف كل ما استند عليه في إحياء هذا القول الميت بين أهل السنة والجماعة، قررت أن أكتب هذه المقالات التي تبين له بطلان ما اتكأ عليه صاحبنا في ما ذهب إليه من رأي شاذ.

1 ـ منهجي في هذه الردود

وعلى خلاف المساجلات الفكرية التي كانت بيني وبين “ابن الأزرق” فيما مضى، سيكون الخطاب مختلفا في هذه المقالات، وسألتزم اللين والرفق، وأخاطب فيه جانبه المسلم السني المغربي والإنساني، لعل الله أن يقذف في قلبي وقلبه الإخلاص، ويرينا الحق حقا حتى نسلك طريق المتقين الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ولئن كان الحق حليفه لاتبعناه، وتركنا ما توارثناه من اعتقاد تحريم المتعة تحريما قطعيا.

كما سأعمل في هذه المقالات على بيان أخطاء أخينا “ابن الأزرق” من خلال تتبع مقالاته جملة جملة كما هي عادتي في الردود عليه، وستكون العمدة في ذلك هي بحوثه المشار إليها آنفا والتي ضمنها تلخيصا لما احتوى عليه كتابه حول الموضوع.

2 ـ سبب تبنيه لهذا المذهب

لقد أفصح الأستاذ “ابن الأزرق” عن سبب تبنيه لهذا الرأي الشاذ، حيث ذكر أنه بحث في الموضوع بكل حيادية وتجرد من أجل مناظرة الشيعة، فإذا به يقع في حبالهم، وتستهويه شبههم، ويوافقهم في رأيهم الذي يعتبره واقعيا يناسب الفطرة!

وأنا أعتقد أن أخي “ابن الأزرق” كان ضحية مكرهم وخداعهم، حيث صدق نقولهم عن أهل السنة والجماعة، دون تحقق وتبين، أقول ذلك على سبيل حسن الظن به، لأنه كثيرا ما كان ينقل كلاما عن إمام معين يستدل به على رأيه، لكن سرعان ما تجد نقيض ما نقله عنه بعد سطر أو سطرين، أو صفحة أو صفحتين من المصدر الذي أشار “ابن الأزرق” إلى النقل منه، لكنه ينتشي بنقله ذلك ظنا منه أنه إبداع لا نظير له، وهناك أمثلة واضحة على هذا الأمر، منها على سبيل المثال ما نسبه للإمام مالك رحمه الله من عدم القول بتحريم المتعة، مع أنه ينص على التحريم في نفس الجزء والصفحة التي أشار إليها صاحبنا كما سنرى.

وهذا الأمر إذا وقع من الباحث، فإنه يدل على أحد أمرين ثالثهما الجهل المركب، أما الأمر الأول: فهو قصد التلبيس والتدليس، وهذا لا يفعله إلا شيعي خبيث يظهر ما لا يبطن، وأما الثاني: فهو النقل عن الغير دون الرجوع إلى المصادر للتأكد من صحة المنقول كما تقتضيه أصول البحث العلمي الرصين.

وحسن ظننا بأخينا “ابن الأزرق”، يجعلنا نعتقد أنه وقع في الأمر الثاني، وذلك بعد أن قرأ في كتب الشيعة، وجال في مواقعهم التي تلقي الشبهات، فصدق ذلك واعتقده وآمن به، لذلك سيسهل عليه الرجوع إلى الحق حينما سيتبين له بطلان ما اعتقده بالأدلة الدامغة الدالة على فساد مذهبه الجديد.

هذا مع العلم أنني كنت قد كتبت مقالا في الجزء الرابع من هذه السلسلة، تساءلت فيه عن حقيقة انتساب “ابن الأزرق” للمذهب السني، نظرا لموافقته لطرائق الشيعة في التأليف، من خلال إلقاء الشبهات، وانتقاء مذاهب العلماء وفق ما يستهويه ويشتهيه، والانتقاص من أئمة السنة سلفا وخلفا، ولمز بعض الصحابة والانتقاص منهم كابي هريرة ومعاوية رضي الله عنهما، وانتقاد الصحيحين وصاحبيهما دون بينة، مع القول بإباحة نكاح المتعة وهو رمز من رموز التشيع قديما وحديثا.

لكننا هنا سنتجاوز كل هذه القرائن الواضح بعضها، وسنتعامل مع “الأنجري” على أساس استصحاب البراءة الأصلية، فالأصل في كل مغربي أنه سني حتى يتبن عكس ذلك، لأن هذا البلد الحبيب قد ضل مستعصيا على التشيع وأهله لقرون مضت، لذلك استطاع الحفاظ على استقراره السياسي والاجتماعي، ولو تسلل هذا الفكر الشاذ إلى مجتمعنا، لتسارع إلينا الهلاك، ونخرت الفرقة صفوف المؤمنين في هذا البلد السني الأمين.

3 ـ تحليل المقال الأول والذي عنونه ب: “نكاح المتعة رحمة أم حرام عند السلف؟ “

المحور الأول: هل صح القول بالإباحة عن علي وابن عباس رضي الله عن الجميع؟

السقطة الأولى: تناقض صارخ

قال أخي العزيز “محمد ابن الأزرق الأنجري”: (وبالنسبة للصحابة، فلم يصح القول بتحريمها بعد بحث طويل، إلا عن اثنين من صغار الصحابة سنا، هم أم المؤمنين عائشة الصديقة، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما …) اهـ.

ثم قال بعد ذلك: (ثم إني كنت أقرأ في موضوع متعة النساء لأكون على بينة عند مناظرة الشيعة، فرأيت سيدنا عبد الله بن عباس يقول: “لولا نهي عمر عن المتعة ما زنا إلا شقي”.

استوقفتني هذه الجملة وحيرتني …) اهـ.

قلت: لقد بنى “ابن الأزرق” رأيه على عدة أسس، منها قول ابن عباس رضي الله عنه في المتعة، رغم أنه رضي الله عنه من صغار الصحابة أيضا، فقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم وعمره حوالي عشر أو ثلاثة عشر أو خمسة عشر سنة في أكثر الأقوال، وهو الوصف نفسه (أي صغر السن) الذي رد به الاستدلال بقول عائشة وابن عمر رضي الله عنهم، فكيف يستقيم إذن هذا الأصل، وهو يحمل في طياته تناقضا صارخا في الاستدلال، ولولا أن صديقنا يدعي أنه سني أصول وفروعا، لكان لصنيعه هذا تفسير منطقي، وهو الاعتماد على آراء أهل البيت دون غيرهم من الصحابة صغارا كانوا أم كبارا. وهذا منهج شيعي بامتياز.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن ابن عباس رضي الله عنهما أصغر بكثير من عائشة رضي الله عنها. حيث يروى أنه ولد في الشعب، أي قبل ثلاث سنوات من الهجرة، والنبي صلى الله عليه وسلم قد تزوج عائشة قبل الهجرة بثلاث سنوات، أو سنتين، أو سنة ونصف على أقل أقوال، وبصرف النظر عن سن زواجها آنذاك، فقد كانت رضي الله عنها ناضجة في ذلك الوقت الذي كان فيه ابن عباس رضي الله عنهما صبيا أو رضيعا.

وأما عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما فقد كان عمره يوم بدر ثلاثة عشر سنة، ويوم أحد أربعة عشر سنة، وقيل إنه هاجر وعمره عشر سنين، فيكون النبي صلى الله عليه وسلم قد التحق بالرفيق الأعلى وعمر عبد الله حوالي عشرين سنة، أو أكثر بقليل.

فكيف يصح أن نرد قول عائشة وابن عمر رضي الله عنهم، لصغر سنهما في نظر صاحبنا، وهما أكبر بكثير من ابن عباس رضي الله عنهما الذي يستند عليه في إباحة المتعة؟

السقطة الثانية:

ذكر أخونا “ابن الأزرق” عن ابن عباس أنه: (قال رضي الله عنه: (رحم الله عمر! ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فلولا أنه نهى عنها ما احتاج إلى الزنا إلا شقي).

رواه عبد الرزاق في المصنف بإسناد صحيح، ومن طريقه الطحاوي في شرح الآثار وابن شاهين في الناسخ والمنسوخ، ورواه ابن شبة في تاريخ المدينة من طريق آخر حسن لغيره.) اهـ.

قلت: قد وقع صاحبنا هنا في خطأين اثنين:

الخطأ الأول:

قوله: (رواه عبد الرزاق في المصنف بإسناد صحيح).

قلت: رواه عن ابن جريج عن عطاء قال سمعت ابن عباس «…»، وابن جريج ثقة، إلا أنه اشتهر بالتدليس، وقد عنعن، فلا يصح وصف هذا السند بالصحة، وإن كان الأثر صحيحا عن ابن عباس رضي الله عنهما.

الخطأ الثاني:

قوله: (ومن طريقه الطحاوي في شرح الآثار)

قلت: أما الطحاوي فلم يروه من طريق عبد الرزاق، وهذا هو سند الطحاوي 3/26: «حدثنا ربيع الجيزي قال: ثنا سعيد بن كثير بن عفير قال: ثنا يحيى بن أيوب، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال: …».

والصواب أن ابن شاهين هو من رواه من طريق عبد الرزاق في الناسخ والمنسوخ ص: 364، 366.

وقد أصاب أخونا “ابن الأزرق” بقوله: (ورواه ابن شبة في تاريخ المدينة من طريق آخر حسن لغيره). لأن رجال ابن شبة ثقات حفاظ إلا محمد بن سليم بن هلال الراسبي: “صدوق فيه لين”، قال الذهبي: صالح الحديث. وقد وثقه أبو داود، فيصلح في الشواهد في أقل الأحوال.

السقطة الثالثة:

قال: (وابن عباس مسبوق إلى نفس المقولة من قبل مولانا علي بن أبي طالب:

قال الإمام ابن جريج: أخبرني من أصدق أن عليا قال بالكوفة: لولا ما سبق من رأي عمر بن الخطاب، أو قال: من رأي ابن الخطاب، لأمرت بالمتعة، ثم ما زنا إلا شقي.

رواه عبد الرزاق في مصنفه بإسناد صحيح إلى ابن جريج، ولولا إبهام الواسطة بينه وبين سيدنا علي لكان هذا الأثر صحيحا بلا خلاف، وهو كذلك على مذهب بعض المحدثين، لأن ابن جريج وثق شيخه) اهـ.

قلت: ابن جريج ثقة فاضل اشتهر بالتدليس، وقد أبهم شيخه فكيف يكون صحيحا، فالصواب ما قلتَه أولا من أنه ليس بصحيح.

لكنك خالفت الصواب في استدراكك الثاني، لأنه لا يصح توثيق من عرف بالتدليس لشيخه حتى على مذهب من ذكرتَ.

السقطة الرابعة:

قال “الأنجري”: (ثم هو حسن بهذا الطريق: روى الطبري في تفسير آية المتعة عن شعبة أنه سأل الإمام التابعي الحكم بن عتيبة عن هذه الآية:{والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} إلى هذا الموضع: {فما استمتعتم به منهن} أمنسوخة هي؟ قال: لا. قال الحكم: قال علي رضي الله عنه: لولا أن عمر رضي الله عنه نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي. (…).

ورجال الطبري ثقات رجال الصحيحين، لكن الإمام الحكم بن عتيبة الكوفي لم يلق عليا رضي الله عنه، وقد أدرك بعض الصحابة وكبار أصحاب سيدنا علي وروى عنهم.) اهـ.

قلت: هذا القول المروي عن علي رضي الله عنه معارض بما صح عنه من القول بالتحريم، ومن ذلك ما رواه عبد الرزاق في المصنف 7/500 قال: عن معمر، عن الزهري، أن حسنا، وعبد الله ابني محمد، أخبراه، عن أبيهما محمد بن علي، أنه سمع أباه علي بن أبي طالب، يقول لابن عباس: وبلغه أنه يرخص في المتعة، فقال له علي: إنك امرؤ تائه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نهى عنها يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الإنسية».

وهذا السند أصح وأقوى، لأنه مسلسل بأهل البيت إلى الزهري، ورواه عن الزهري معمر بن راشد، فهو صحيح لا يمكن رده أو معارضته بما يروى مرسلا عن علي رضي الله عنه مما قد يفهم منه القول بالإباحة.

السقطة السادسة:

ثم قال: (وبطريقي ابن جريج والحكم بن عتيبة يصير أثر الإمام علي حسنا لغيره، ويزداد قوة بأثر ابن عباس الصحيح).

قلت: ابن جريج معروف بالتدليس كما تقدم، والحكم بن عتيبة ثقة فقيه ثبت إلا أنه ربما دلس، والسقط وقع في نفس المكان من السند، أي قبل سيدنا علي رضي الله عنه، فكيف يعضد بعضهما البعض.

أما قولك يا أستاذ: إنه يزداد قوة بأثر ابن عباس، فهذا تأباه قواعد المحدثين، لأن مصدرهما مختلف، وقد تبين أن هذا الأثر يصح عن ابن عباس بلفظه تقريبا، فيكون هذا الواسطة المبهم قد أخذ لفظ ابن عباس ونسبه لعلي قصدا أو وهما، والله أعلم.

الخلاصة:

أن القول بالإباحة صح عن ابن عباس رضي الله عنهما، ولم يصح عن علي رضي الله عنه، بل صح عنه إنكاره هذا القول من ابن عباس.

المحور الثاني: هل المتعة حرام عند الإمام مالك رحمه الله؟

ذهب أخونا “ابن الأزرق” إلى أن الإمام مالك لا يرى تحريم نكاح المتعة، وسود في ذلك عدة ورقات اعتقد أنه حقق من خلالها إبداعا لم يسبق إليه، والحال أن الإمام مالك قد نص على تحريم نكاح المتعة بالنص الصريح كما سنرى بعد قليل، من خلال التعليق على سقطاته التالية:

السقطة الأولى:

 ادعى “الأنجري” أن القول بتحريم نكاح المتعة قول دخيل على المذهب المالكي، لأن صنيع الإمام في الموطأ يدل على الكراهة فقط حسب ما فهمه صاحبنا، الشيء الذي جعله يستنتج استنتاجات هي أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع، ثم ذكر قرائنه الصارمة كما زعم، والتي تؤيد هذا الفهم الذي فهمه، حيث قال:

(القرينة الأولى: لم يقل الإمام: (باب تحريم نكاح المتعة) بل قال: (باب نكاح المتعة)، واختيار ألفاظ الترجمة تساعد على فهم قصد الإمام كما هو معلوم.

حيث نجد في الموطأ: (باب تحريم أكل كل ذي ناب من السباع)، و(باب تحريم الخمر).

فلماذا صرح في هذين الموضعين بالتحريم؟ ولم يصرح في باب نكاح المتعة رغم أن المتعة أعظم شأنا من الخمر والسباع؟) اهـ.

قلت: هذا الفهم باطل لثلاثة أسباب:

السبب الأول: تصريح الإمام مالك رضي الله عنه بالتحريم كما سأبين بعد قليل.

السبب الثاني: جاء في رواية أبي مصعب الزهري للموطأ 1/549 (باب النهي عن المتعة)، والنهي يفيد التحريم عند الإمام مالك رحمه الله.

السبب الثالث: هذا الفهم يشكل عليه ما نجده في الموطأ من تبويبات لا تحمل لفظ التحريم أوالنهي، ومع ذلك فهي من المعلوم بالضرورة من مذهب الإمام مالك رحمه الله أنها محرمة، ومن ذلك: (باب نكاح المحلل وما أشبهه)، وفي كتاب البيوع (باب ما جاء في المزابنة والمحاقلة)، و(باب العينة وما يشبهها)، و(باب بيع الحيوان باللحم)، و(باب ما جاء في ثمن الكلب)، و(باب بيع الغرر)، و(باب الملامسة والمنابذة)، و(باب ما جاء في الربا في الدين)، و(باب ما جاء في لبس الثياب المصبغة والذهب)، و(باب ما جاء في الصور والتماثيل)، و(باب ما جاء في الغيبة)، (باب ما جاء في الصدق والكذب)، (باب ما جاء في المهَاجَرَة)…

فهل يصح بعد ذلك هذا الاستدلال الذي ذهبت إليه أخي الكريم؟ وهل تملك الجرأة الكافية للاعتراف بضعف هذه القرينة؟

السقطة ـ الفاحشة ـ الثانية:

قال أخونا العزيز: (القرينة الثانية:

جاء في المدونة (2/130) لمولانا سحنون بن سعيد: (النكاح إلى أجل: قلت: أرأيت إذا تزوج امرأة بإذن ولي بصداق قد سماه، تزوجها إلى أشهر أو سنة، أو سنتين، أيصلح هذا النكاح؟ قال: قال مالك: هذا النكاح باطل، إذا تزوجها إلى أجل من الآجال فهذا النكاح باطل. قال: وقال مالك: وإن تزوجها بصداق قد سماه فشرطوا على الزوج إن أتى بصداقها إلى أجل كذا وكذا من الآجال، وإلا فلا نكاح بينهما. قال مالك: هذا النكاح باطل. قلت: دخل بها أو لم يدخل؟ قال: قال مالك: هو مفسوخ على كل حال، دخل بها أو لم يدخل بها. قال مالك: وإنما رأيت فسخه لأني رأيته نكاحا لا يتوارثون عليه أهله).

قلت: أجوبة الإمام رحمه الله خالية من ألفاظ التحريم والزنا، ومن الوعيد بالحد والرجم على الاستمتاع، فأين كلامه من المتنطعين المغالين؟…) اهـ.

قال -منير المرود- كاتب هذه السطور: لقد أشار أخي العزيز إلى الصفحة 230 من الجزء الثاني من المدونة، وادعى أن أجوبة الإمام مالك خالية من لفظ التحريم…

وهذا غريب عجيب، لأن الإمام مالك ينص بعد المقطع الذي ذكره بقليل على تحريم نكاح المتعة، باللفظ الصريح الذي لا يحتمل التأويل، والأكثر غرابة أن عبارة الإمام مالك الدالة على التحريم موجودة في نفس الجزء والصفحة، مع العلم أن في قوله بالبطلان المنصوص عليه فيما نقله عنه “الأنجري” أعلاه غنية، لأن البطلان يقصد به هنا التحريم كما سنرى بعد قليل.

وفيما يلي تتمة ما جاء في المدونة 2/230، والذي يدل على أن “المتعة” حرام عند إمامنا مالك: «قلت: أرأيت إن قال أتزوجك شهرا يبطل النكاح أم يجعل النكاح صحيحا ويبطل الشرط؟ قال: قال مالك: النكاح باطل يفسخ وهذه المتعة وقد ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تحريمها قلت: أرأيت إن قال لها إن مضى هذا الشهر فأنا أتزوجك ورضي بذلك وليها ورضيت؟ قال: هذا النكاح باطل ولا يقام عليه».

ورغم أن في هذا النص كفاية، فقد ارتأيت أن أنقل باقي النصوص التي تبين حكم هذا النكاح عند الإمام مالك رحمه الله ورضي عنه:

1 ـ ففي الجامع لمسائل المدونة لأبي بكر الصقي (ت451هـ) 9/127: «قال مالك: ولا يجوز النكاح إلى أجل قَرُب أو بَعُد وإن سمى صداقًا ورضي بذلك الولي فالنكاح باطل ويفسخ، دخل بها أو لم يدخل، وهذه المتعة، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام تحريمها».

2 ـ وفي التهذيب في اختصار المدونة للبراذعي 2/165: «قال مالك: ولا يجوز النكاح إلى أجل قرب أو بعد وإن سمى صداقاً، وهذه المتعة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تحريمها».

3 ـ وفي المدونة 4/477: «والذي يتزوج المرأة في عدتها عامدا يعاقب ولا يحد، وكذلك الذي يتزوج المرأة على خالتها أو على عمتها، وكذلك نكاح المتعة عامدا لا يحدون في ذلك ويعاقبون؟

قال: نعم.

قلت: أرأيت كل وطء درأت فيه الحد عن الرجل وإن كان ذلك الوطء لا يحل، أليس من قذفه يضرب له الحد؟ قال: نعم ذلك في رأيي».

ووجه الاستدلال هنا: أنه عطف نكاح المتعة على الأنكحة المتفق على تحريمها، ثم ذكر بعد ذلك ما يفيد أن هذه الأنكحة المذكورة سابقا لا تحل.

لقد أسقطت هذه النصوص المصرحة بتحريم الإمام مالك لنكاح المتعة، كل ما جاء به “ابن الأزرق” من قرائن قبلها أو بعدها، لكنني مضطر إلى إيراد باقي شبهه مع نقدها، ليتبين لكل قارئ لبيب أن أخونا “الأنجري” يقع في أخطاء علمية كبيرة، تكلفه وغيره الكثير من الوقت والجهد في بعض المسائل الواضح حكمها.

وما أوردته هنا دليل صارخ على ما قررته في المقدمة من أن صاحبنا يأخذ عن غيره دون تحر، وأقول هذا لأنني أريد أن أحسن به الظن، وأدفع عنه شبهة التدليس والتلبيس والتشيع.

السقطة الثالثة:

قوله: (فبطلان العقد لا يستلزم تحريم المعقود عليه كما يعرف المشتغلون بالفقه واصطلاحاته، فالعقد يبطل باتفاق الزوجين على إسقاط الصداق، أو عدم الولي أو عدم الإشهاد، دون أن يعد الفعل حراما يستوجب العقاب) اهـ.

قلت: الصواب أن الصحة والبطلان حكمان وضعيان وليسا تكليفيان، وعلى القول بأنهما حكمان تكليفيان، فإن البطلان يقتضي الحرمة بلا شك، قال الشيخ وهبة الزحيلي في “الفقه الإسلامي وأدلته” 9/6609: « وللزواج الفاسد أو الباطل أحكام هي ما يأتي:

1 – التحريم ووجوب فسخه في الحال: رفعاً للمعصية…» اهـ.

وقال الشيخ ابن عثيمين في “الأصول من علم الأصول” ص:14: «وكل فاسد من العبادات والعقود والشروط فإنه محرّم … والفاسد والباطل بمعنى واحد إلا في موضعين:…» اهـ.

وفي نهاية السول للأسنوي ص:20: « فإن المعنى بالصحة إباحة الانتفاع، والمعنى بالبطلان حرمته»

 وفي الموافقات 1/453: «والخروج في الأعمال عن خطاب الشارع يقضي بأنها غير مشروعة، وغير المشروع باطل».

السقطة الرابعة:

قوله: (والإمام رحمه الله سمى المتعة نكاحا رغم وصفه بالبطلان فقال: (فهذا النكاح باطل)، ولو كان عنده حراما أو سفاحا ما سماه (نكاحا)) اهـ.

قلت: والشغار أيضا يسمى نكاحا وهو محرم شرعا، ونكاح المحلل يسمى نكاحا، ونكاح المعتدة يسمى نكاحا، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم من زوجت نفسها بغير إذن وليها بأنها “أنكحت نفسها ” وحكم على نكاحها بالبطلان،…، فتسمية العقد بكونه نكاحا لا يعطيه مزية، ولا يلزم منه الحكم عليه بالحل أو الحرمة.

السقطة الخامسة:

قال تحت عنوان: القرينة الثالثة:

(هناك روايات خارج الموطأ صريحة في أن إمامنا مالكا لم يكن يحرم المتعة، وهي موضحة لتصرفه في الموطأ وشاهدة على صحة قراءتنا: ففي الشرح الكبير للعلامة الدردير2/238: قال ابن العربي: وقد كان ابن عباس يقول بجوازها ثم ثبت رجوعه عنها، فانعقد الإجماع على تحريمها، فإذا فعلها أحد رجم في مشهور المذهب، وفي رواية أخرى عن مالك لا يرجم لأن نكاح المتعة ليس بحرام، ولكن لأصل آخر لعلمائنا غريب انفردوا به دون سائر العلماء، وهو أن ما حرم بالسنة هل هو مثل ما حرم بالقرآن أم لا؟ فمن رواية بعض المدنيين عن مالك أنهما ليسا بسواء وهذا ضعيف. هـ) اهـ. إلى آخر كلام ابن الأزرق هناك إلى حدود قوله: «رحم الله ابن العربي وسائر علماء الأمة».

الرد: لقد وقع الأخ الكريم “ابن الأزرق” هنا في عدة أخطاء سأذكرها فيما يلي:

الخطأ الأول:

أخطأ حينما عزى هذا القول لابن العربي بواسطة، والحال أن كتب ابن العربي الأصول موجودة والتي قال فيها هذا القول، وكان على صاحبنا أن يرجع إلى النص من مصادره الأصلية المتوفرة، وقد يقول قائل: إن هذا من فضول الكلام، ولا يهمنا نحن في هذا الصدد إلا معنى كلام ابن العربي.

قلت: بل سيتبين أثر هذا الخطأ فيما يلي، لأنه ترتب عليه سوء فهم مراده منه رحمه الله.

الخطأ الثاني:

أخطأ في العزو إلى الدردير في شرحه الكبير 2/232، لأن هذا النص لا يوجد هناك، كما لا يوجد في الشرح الكبير بأكمله، وقد نقله عنه القرطبي في التفسير 5/132ـ133، وهو موجود في الكتب المنشورة لابن العربي ك:”لقبس في شرح موطأ مالك بن أنس” ص:714، ونحوه في كتاب “المسالك في شرح موطأ مالك” 5/510 وهو لابن العربي أيضا.

ومثل هذه الأخطاء أصبحت عادية مع أخينا “ابن الأزرق”، فهو كثيرا ما يقع فيها، لذا لن نؤاخذه عليها بعد أن عرفنا جذورها وأسبابها.

الخطأ الثالث:

أخطأ في فهم كلام ابن العربي المذكور أعلاه، وفيما يلي ذكر لمحل الشاهد من كلامه، مع توجيهه وبيان مراده منه:

« …وفي رواية أخرى عن مالك لا يرجم لأن نكاح المتعة ليس بحرام، ولكن لأصل آخر لعلمائنا غريب انفردوا به دون سائر العلماء …».

ومعنى كلامه هذا واضح، خاصة وأن “”ابن الأزرق” اعتمد في نقله على مصدر تنبه محققه لمقصود ابن العربي فأزال الفاصلة (،) بين « لا يرجم »، و«لأن نكاح المتعة ليس بحارم »، ليتبين أنها جملة واحدة غير منفصلة، ثم استدرك عليها بقوله: « ولكن لأصل آخر لعلمائنا …».

وكل هذه القراءات والتأويلات تتلاشى مع نص كلام ابن العربي رحمه الله الوارد في كتاب “”المسالك في شرح موطأ مالك” 5/510 والذي يبين معنى كلامه في “القبس” حيث قال رحمه الله: « … وفي رواية أخرى لا يرجم، ليس لأن نكاح المتعة ليس بحرام…». فإضافة “ليس”، بينت مراد ابن العربي من كلامه، وفيما يلي نص كلام ابن العربي كاملا في “المسالك” ليتبين للقارئ المقصود منه: « … وفي رواية أخرى عن مالك أنه لا يرجم؛ ليس لأن نكاح المتعة ليس بحرام، ولكن لأصل آخر لعلمائنا غريب انفردوا به دون سائر علمائنا، وهو أن ما حرم بالسنة هل هو مثل ما حرم بالقرآن أم لا؟ ».

فتبين إذن أن كلام ابن العربي واضح في أن مذهب الإمام مالك هو تحريم “نكاح المتعة” تحريما مطلقا لا شك ولا ريب فيه. وكيف يعقل أن ينسب للإمام مالك القول بعدم التحريم وهو يحكي وقوع الإجماع بعد النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الحكم، حيث قال في “المسالك” 5/509: « فصار لا يجوز نكاح المتعة باتفاق منا ومنهم؛ لأن الإجماع انعقد بعد النبي – صلى الله عليه وسلم – من الصحابة على ذلك

لكن يحكى أنه مذهب ابن عباس وحده…».

وقال أيضا 5/510: «وأما نكاح المتعة، فهو أكبر من ذلك كله وأقوى منه، وإن تحريمه ثبت بإجماع الأمة، والإجماع أكثر من الخبر».

الخطأ الرابع:

قوله: (صرح هذا النقل أن المتعة ليست حراما عند الإمام مالك، وأن المنهي عنه بالسنة غير المنهي عنه في القرآن، وهو عين قولنا في مقال: “النهي النبوي لا يقتضي التحريم”) اهـ.

قلت: ليس هذا هو مراد ابن العربي رحمه الله، لأن لفظه يأبى تأويلك، فقد قال: «وهو أن ما حرم بالسنة هل هو مثل ما حرم بالقرآن أم لا؟»، فسمى كلا من المنهي عنه سواء في القرآن أو السنة حراما، إلا أن الأول أقوى من الثاني حسب هذا الرأي. وفرق كبير بين هذا المذهب، وقولك الذي أشرت إليه من أن النهي النبوي لا يقتضي التحريم.

الخطأ الخامس:

قوله عقب كلامه السابق: (وتضعيف الدردير للأصل المذكور، رغم إقراره بأنه من أصول المذهب، مثال على انتقاء الفقهاء ما يشتهون من كلام الأئمة المجتهدين) اهـ.

قلت: قد تبين فيما سبق أن التضعيف من ابن العربي وليس من الدردير رحمهما الله. فتنبه!

 الخطأ السادس:

قوله: (وما قاله العلامة ابن العربي لا عبرة به، فالرجل ليس مرجعا كبيرا في الفقه المالكي لما عرف عنه من التأثر بشيوخه المشارقة الشوافع) اهـ.

قلت: بل قول ” ابن الأزرق” هذا هو الذي لا عبرة به، ويجب أن يضرب به عرض الحائط، لأن ابن العربي أحد علماء المالكية الذين قل نظيرهم في المذاهب كلها، حتى قيل إنه بلغ مرتبة الاجتهاد[1]، وقد أورده ابن فرحون في كتابه المرجع في علماء المذهب المالكي والموسوم ب: ” الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب”، ولا تجد كتابا من كتب المذهب بعده، إلا ويعتمد فيه على ابن العربي المعافري رحمه الله في الفقه والتفسير والأصول والحديث وغيرها من الفنون، فكيف يصح أن يأتي باحث في زمن الانحطاط الفقهي والفكري للمذهب، ثم يتلفظ بهذه الفرية التي لو خلطت بماء البحر لكدرته.

الخطأ السابع:

قال في معرض إنكاره على ابن العربي!!: (وادعى الإجماع على تحريمها، وهو يعلم أن أئمة آل البيت ومجتهدي الشيعة لم يتراجعوا عنها، فلا إجماع) اهـ.

قلت: حينما يذكر العلماء الإجماع في مسألة معينة، فإنهم لا يضعون اعتبارا للفرق الضالة والآراء البدعية، نظرا لافتراقهم عن أهل السنة والجماعة أصولا وفروعا، لذلك نجد أن بعض أهل العلم حينما يذكر هذا الإجماع يستثني الشيعة الروافض أو بعضهم.

السقطة السادسة:

ثم قال مستدلا على أن الإمام مالك رحمه الله لا يقول بالتحريم:

(وفي كتاب “المبسوط” للسرخسي 5/152: (باب نكاح المتعة) وتفسير المتعة أن يقول لامرأته: أتمتع بك كذا من المدة بكذا من البدل. وهذا باطل عندنا جائز عند مالك بن أنس، وهو الظاهر من قول ابن عباس رضي الله عنه. هـ

فثبت مما في المدونة والمبسوط أن الإمام مالكا لم يكن يحرم المتعة، فبينوا لنا رحمكم الله) اهـ.

قلت: أما ما يتعلق بالمدونة، فقد سبقت الإشارة إلى قول الإمام بالتحريم هناك.

وأما ما نقلته من المبسوط، فقد وقعت فيه في أخطاء منهجية عديدة، منها:

أولا: لا يستدل على قول الإمام مالك رحمه الله من خارج المذهب، وصنيعك هذا يدل على أنك لم تجد من داخل المذهب من يسعفك فيما ذهبت إليه، فالتجأت إلى قول شاذ يأباه أرباب المذهب الحنفي أنفسهم كما سيأتي.

ثانيا: رغم المكانة الكبيرة للإمام السرخسي رحمه الله إلا أنه شذ في هذا النقل عن الإمام مالك رحمه الله، وقد رده عليه محققوا المذهب الحنفي قبل غيرهم، منهم البدر العيني الحنفي أثناء شرحه لقول صاحب “الهداية”: « وقال مالك: هو جائز»، حيث قال في “البناية شرح الهداية” 5/63: « وقال الكاكي: هذا سهو، فإن المذكور في كتب مالك حرمة نكاح المتعة. وقال في ” المدونة “: ولا يجوز النكاح إلى أجل قريب أو بعيد وإن سمى صداقا، وهذا المتعة.

وقال الأكمل معتذرا عن المصنف يجوز أن يكون شمس الأئمة الذي أخذ منه المصنف اطلع على قول له على خلاف ما في ” المدونة “. انتهى.

قلت: لم يذكر في كتاب من كتب المالكية رواية تجوز المتعة، وبالاحتمال نقل قول عن إمام من الأئمة غير موجه مع أن مالكا روى في موطئه حديث الزهري من حديث علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه-: «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن متعة النساء يوم خيبر»، على ما يأتي بيانه عن قريب إن شاء الله.

وقال الأكمل هنا أيضا معتذرا ليس من يروي حديثا يكون واجب العمل؛ لجواز أن يكون عنده ما يعارضه أو يترجح عليه، انتهى.

قلت: عادة مالك أن لا يروي حديثا في موطئه إلا وهو يذهب ويعمل به، ولو ذكر عنه ما ذكره الأكمل لذكره أصحابه ولم ينقل عنه شيء من ذلك» اهـ.

قلت -منير المرودـ: فلنتعلم من البدر العيني أصول البحث العلمي، فقد رد قول إمام من أئمة مذهبه، لمخالفته ما هو موجود في كتب المالكية، فكيف يجوز لمالكي أن يطير بهذا النقل فرحا وينسب إلى إمام مذهبه ما لم يقله؟!

وفيما يلي نص من إمام حنفي آخر يرد به قول السرخسي الذي اعتمده “ابن الأزرق”، حيث قال الشِّلْبِيُّ في حاشيته على “تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق” لفخر الدين الزيلعي الحنفي (ت743هـ) 2/115: «قال ابن فرشتا في الباب الأول من شرح المشارق وما حكاه بعض الحنفية عن مالك من جوازها فخطأ، وقال ابن الهمام: نسبته إليه غلط اهـ وقال السروجي: ونكاح المتعة لا يجوز عند مالك ذكره في الذخيرة المالكية قال: وهو قول الأئمة، ونقل صاحب الكشاف عنه سهو» اهـ.

وعلى العموم، فإن كل هذه القرائن التي ذكرها “ابن الأزرق” مردودة بنص الإمام مالك في المدونة، والذي سبقت الإشارة إليه، فلا داعي لأن نشغل أنفسنا بما تضمنته القرينتان الرابعة والخامسة من خرافات، بعد أن ظهر قول مالك رحمه الله بصريح العبارة، بالإضافة إلى صنيعه في الموطأ، وشهرة القول بالتحريم بين أئمة المذهب قديما وحديثا.

المحور الثالث: مختصر سقطات وأخطاء “محمد ابن الأزرق الأنجري” في هذه الحلقة:

1ـ تناقضه بين إنكاره على أهل السنة اعتمادهم على قول صحابيين صغيرين هما عائشة وابن عمر، وبين الاعتماد على مذهب ابن عباس رضي الله عنهما وهو أصغر من عبد الله بن عمر وعائشة سنا.

2ـ تصحيحه لسند عبد الرزاق وفيه ابن جريج، وهو ثقة عرف بالتدليس وقد عنعن.

3ـ ادعاؤه أن الطحاوي روى أثر ابن عباس من طريق عبد الرزاق وهذا خطأ.

4ـ اعتماده على رواية ضعيفة عن علي رضي الله عنه تشير إلى أنه يبيح نكاح المتعة، مع أنها معارضة بما صح عنه من القول بالتحريم.

5ـ حسن أثر علي بأثر ابن عباس، وهذا أمر غريب لا يعرفه المحدثون.

6ـ ادعاؤه أن الإمام مالك رحمه الله لا يقول بتحريم المتعة، والصواب: أنه نص على التحريم في المدونة.

7ـ زعمه بأن البطلان لا يعني التحريم.

8ـ عزا كلاما لابن العربي إلى الشرح الكبير للدردير وهو غير موجود هناك.

9ـ خطؤه الفاحش في فهم كلام ابن العربي.

10ـ ادعاؤه أن ابن العربي ليس مرجعا كبيرا في المذهب المالكي، وهو قول باطل لقيط لا أصل له.

11ـ اعتماده على السرخسي الحنفي في دعوى عدم تحريم الإمام لنكاح المتعة، مع أن هذه الدعوى قد ردها محققو المذهب الحنفي.

الخاتمة

وفي ختام هذا الجزء أرجو من الأخ الكريم أن يراجع نفسه، وينظر مرة أخرى في أدلته قبل أن أنسفها الواحدة تلو الأخرى، فإن تراجع عن غيه وضلاله وعرف الحق بدليله، وأعلن التوبة، وسارع إلى الأوبة، أمسكنا عن نشر باقي الردود حول الموضوع، وإن أبى وكابر وعاند، فإنه سيجد في ردودنا العلمية القادمة ما يسوءه.

والله نسأل أن يمدنا بالإخلاص والصدق في طلب الحق، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه. إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وإلى الحلقة القادمة من هذه السلسلة، ها هو كاتب هذه السطور يحييكم بتحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* خريج دار الحديث الحسنية.

[email protected]

 

 

[1] ـ سير أعلام النبلاء 15/43.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M