هل المغاربة تكفيريون.. مناقشة مرتكزات وزير الأوقاف

31 مايو 2017 17:52
الرد على اتهامات التوفيق لمخالفيه بالتطرف والتكفير

هوية بريس – عبد الحق خدير (باحث في فقه المذهب المالكي)

في درس حسني افتتاحي بعنوان “دور علماء المغرب في حماية الهوية الوطنية” طلع علينا وزير الأوقاف أحمد توفيق يرفع سيف القمع والاستئصال، ويشهر سهام الاستبداد والطغيان، ويُعمل كيد المكر بتحريف حقائق الإيمان والدين وتلبيس الحق بصورة الباطل، لكي يكرسَ مزيداً من الإرباك والاضطراب الذي يعرفه  “الحقل الديني” في عهده، بقراراته الجائرة وغير المسؤولة، ويُعمّقَ كذلك هوة الاحتقان الذي يعيشه الشعب المغربي منذ شهور بسبب ما يسمى بـ”حراك الريف”.

وزير توقيف هذا أعلن في الدرس الحسني ذاك أن فئة عريضة من المغاربة تكفيريون !!!؟؟؟

أي أنهم يكفرون المجتمع المغربي أو المسلمين، شأنهم مثل الخوارجِ كلابِ النار الذين كفّروا الأمة قديما واستباحوا دمها المعصوم، وحيث إنهم لا يستطيعون -هؤلاء المغاربة- المجاهرة بعقائد التكفير، عمدوا إلى ماذا؟؟

قبل أن أسترسل في نقل هذيان هذا الرجل وهُجره، وظلمه لهذه الفئة الطيبة البريئة، لنا وقفة مع هذه التهمة التي أرسلها دون أزمّة ولا خطم، ولا استحياء ولا وجل، وهي أن هذه الفئة العريضة من المغاربة تكفيريون.

قال: “فإذا كان المخالفون (هؤلاء المغاربة) لا يستطيعون في البيئة المغربية المجاهرة بعقائد التكفير…”.

قلت: سبحان الله، كيف يُعلم أن هؤلاء المغاربة أصحاب عقائد التكفير وهم -حسب قوله وبعظمة لسانه- لم يجهروا بما رماهم به من بهتان، وهذه شهادة منه على أن هذه الفئة المقصودة بخاطبه ونعته لا ينتمون إلى الفرق التي عُرفت برفع صوتها بتكفير جمهور المسلمين واستباحة قتلهم مثل داعش وما شابهها، والحق كما يقال ما شهدت به الأعداء.

وما رمى به وزير الأوقاف هذه الفئة من المغاربة البريئة مما قال، يخالف أصلا أصيلا قرره علماء السنة قاطبة استناداً إلى نصوص شرعية كثيرة، ومنهم علماء المالكية الكبار الصادقين الورعين، الذين أسسوا قواعد المذهب المالكي وأصوله، أن الحكم على المسلمين يكون على ما أبدوه من ظاهرهم وعلانيتهم، والله علاّمُ الغيوب وما تخفي الصدور هو من يتولى باطنهم وسريرتهم.

وهذا الموقف من الوزير إن دلَّ على شيء إنما يدل على تحامله على هذه الفئة تحاملا غاشما غير مستساغ، ويعطيك كذلك صورة على منهج الرجل في الحكم على كل من يخالفه من الدعاة والعلماء والخطباء في توجهه.

بعد هذه الوقفة مع “أحكام القيمة” الجزاف التي أصدرها وزير الأوقاف في حق المغاربة يستحسن أن نقارب  المرتكزات التي بنى عليها أحكامه بسؤالين مؤطرين لكلامه:

1 ـ ما هي صفات هذه الفئة العريضة من المغاربة التي تضمر عقائد التكفير حسب لسان وزير الأوقاف؟

2 ـ هل يصح أن تكون هذه الصفات معيارا على أن من قامت به يحمل عقائد التكفير؟

قال الوزير: “فإذا كان المخالفون (هؤلاء المغاربة) لا يستطيعون في البيئة المغربية المجاهرة بعقائد التكفير، فإنهم يظهرون المخالفة في جزئيات المذهب…” ثم بدأ يسرد مجموعة من المخالفات الجزئية المذهبية أنقل لكم جلها:

“قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة، وقبض اليدين في الصلاة، ومدّ قول آمين عقب الفاتحة، والخروج من الصلاة بتسليمتين، وإنكار القرآن جماعة، وإنكار الذكر والدعاء جماعة عقب الصلوات، وإسقاط الذكر والقرآن على الجنائز، وتبديع الاحتفال بالعيد المولد النبوي، ومخالفة جمهور المغاربة في تقدير أهل الفضل وزيارة مقابرهم وبناء المشاهد عليهم”.

لنا على كلامه ثلاث ملاحظات:

الأولى: إن جل ما ذكره الوزير الأوقاف من تلك المخالفات الجزئية تعد مذهبا للإمام مالك رحمه، فإنه كان يقول بالقبض في الصلاة كما جاء في موطئه وأقر بذلك محققو المذهب المالكي، وكان ينكر قراءة القرآن جماعة، وكان ينكر الذكر والدعاء جماعة عقب الصلوات، وكان يكره الذكر والقرآن على الجنائز كما يدعو إليه وزير الأوقاف، وكان يكره البناء على القبور وشد الرحل إليها والتبرك بآثارها، ومن مقتضيات أصول مذهبه تبديع الاحتفال بالعيد المولد النبوي، فليت شعري هل الإمام مالك كان يحمل كذلك عقائد التكفير؟؟ وهل كان هو أيضا لا يستطيع الجهر بهذه العقائد، فعمد رحمه الله كما عمد هؤلاء المغاربة إلى إضمارها والتزام المخالفات الجزئية المذهبية؟

والملاحظة الثانية: لا يصح بحال من الأحوال أن تكون هذه الاختيارات الفقهية لهؤلاء المغاربة عنوانا ومعيارا لعقائد التكفير، لأنها لا ترتبط من حيث الموضوع بالتكفير ولا صلة لها به بتاتا، ويعد ما قام به الوزير الأوقاف سابقة خطيرة لم يسبق إليها في الحكم على عقائد الناس بمسائل الفروع والظنون، والتي هي عريقة في إمكان الاختلاف كما قرره الشاطبي، وينبني على ذلك حسب معيار وزير الأوقاف أن معظم الناس تكفيريون أو يحملون عقائد التكفير لأنهم يخالفون المذهب الفقهي الرسمي.

والملاحظة الثالثة: يعد كلام وزير الأوقاف أشبه بالإرهاب الفكري الذي هو أشنع من الإرهاب العملي، لأنه لك أن تتصور أيها القارئ الكريم ماذا سيقع في نفوس هؤلاء الفئة العريضة من المغاربة حينما تتصور أنها حينما تقبض في صلاتها، أو ترفض البناء على القبور، أو تترك قراءة القرآن على الجنائز، أو تذكر بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة، أو تجهر بقول آمين.. أنها في نظر ملك البلاد ومن بيده السلطان فئة تحمل عقائد التكفير، كأنها أحزمة ناسفة تترقب فرصة التفجير، فأي ظلم بعد هذا الظلم، وأي استئصال بعد هذا الاستئصال.

فاللهم إنا نبرأ مما قاله وزير الأوقاف.

 

آخر اﻷخبار
3 تعليقات
  1. إذا وسد الأمر لغير أهله فانتظر الساعة. يصدق في الوزير حديث النبي صلى الله عليه وسلم: تأتي على الناس سنوات خداعات …الحديث

  2. عطاك ربي واحد لمنصب عالي باش تقول للملك شي كلام يشرح الصدور وينشيء في قلبه الحنان نحو شعبه ماشي تمرّضله قلبه بكلام تمجّه الأذن وتتقزّز منه النفس وترفضه وتهرب منه الفطر السليمة كموضوع التكفير.

  3. هذا الوزير كثيرا ما أساء للمغاربة من خلال “الدين”، ومن خلال “الأخلاق”، ومن خلال “القانون”، فلو كنا نعيش حقيقة في دولة المؤسسات لفتحت تحقيقات قانونية وقضائية في التجاوزات العديدة التي كان المسؤول عنها، التجاوزات التي طالت أفرادا ومؤسسات وقيما، وامتدت إلى حتى إلى شرف وكرامة المغاربة المعتزين بانتماءهم وتربتهم وهويتهم وارتباطهم بجذورهم وبثوابت وطنهم بلا مراء أو مزايدة، لكن هذا الكائن الخبيث امتد جشعه وطمعه وغروره إلى ما يمكن قبوله أو التغاظي عنه..!

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M