الانتخابات الجهوية وتزوير إرادة الناخب

16 سبتمبر 2015 21:02
الانتخابات الجهوية وتزوير إرادة الناخب

الانتخابات الجهوية وتزوير إرادة الناخب

ذ. نبيل غزال

هوية بريس – الأربعاء 16 شتنبر 2015

مباشرة بعد الاعلان عن نتائج انتخابات الغرف المهنية التي شهدها المغرب في 07 غشت 2015 والتي احتل صدارتها “البام” متبوعا بحزب الاستقلال والتجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية ثم العدالة والتنمية الذي حلَّ خامسا؛ تكاثرت المقالات والتحليلات التي نحت صوب معاقبة الناخبين لحزب المصباح نتيجة سياسته الحكومية ومسه بالقدرة الشرائية للمواطنين.

وجاءت تصريحات الأمناء العامين لأحزاب المعارضة والمنابر الإعلامية التي تخدم طرحها وأبرزها هسبريس وهبة بريس والصباح والأحداث والاتحاد الاشتراكي والعلم.. تصب في هذا الاتجاه؛ وتؤكد أن حزب المصباح لن يعود كما كان، وسيحتل بكل تأكيد مراتب متأخرة في استحقاقات 04 شتنبر 2015.

ووصل الغرور -مثلا- بالأمين العام لحزب الاستقلال حميد شباط -هداه الله-؛ إلا أنْ وعَدَ المغاربة على قناة عمومية بتقديم استقالته إن لم يحتل حزبه المرتبة الأولى في الانتخابات المشار إليها.

وعلى الطرف الآخر ظل حزب العدالة والتنمية في مواقعه، وكان المنضوون تحت لواء حزبه يعملون كخلية نحل لا يلتفتون إلى الخطابات التيئيسية، وكانت تصريحات قياداته الحزبية منضبطة، وخراجات أمينه العام عبد الإله بنكيران مدروسة، تؤكد أنه لا يضع نصب عينيه استحقاقات 04 شتنبر فحسب، بل الاستحقاقات التشريعية 2016 أيضا.

جاءت النتائج التي حققها حزب العدالة والتنمية على غير ما توقعته المعارضة؛ ووصفت بـ”التاريخية” لتمكن حزب المصباح من مضاعفته للمقاعد المحصل عليها بأكثر من ثلاث مرات مقارنة بانتخابات 2009، ما دفع عددا من الأكاديميين والمحللين السياسيين للمبادرة بتقديم قراءات سياسية لدلالة هاته النتائج، التي سلمت لحزب العدالة والتنمية مفاتيح عدد من المدن الكبرى في مقدمتها الرباط والدار البيضاء وسلا وفاس ومكناس وأكادير ومراكش وطنجة..

كما أشادت عدد من المنابر الإعلامية الدولية بانتخابات 4 شتنبر؛ وكتبت يومية madrilène الإسبانية أنه كان هناك تخوف لدى بعض المغاربة عند صعود الإسلاميين للحكم، لكن سرعان ما تبدد هذا الخوف حينما جدد المغاربة ثقتهم في حكومة العدالة والتنمية وهذا دليل على الشعبية التي يحظى بها الحزب.

وعنونت صحيفة Vanguardia الكتالونية عددها بـ: “اكتساح الإسلاميين حزب العدالة والتنمية للمدن المغربية الكبرى”، مضيفة أن الإسلاميين ضاعفوا حظوظهم ثلاثة أضعاف، وأن هذه النتائج أظهرت قوة العدالة والتنمية”.

هذه القوة لم تقف أمامها “العفاريت والتماسيح” عاجزة؛ أو دون رد فعل يحقق لها المكتسبات ويضمن لها البقاء والتحكم في المجال السياسي، وقد بدا ذلك واضحا في انتخابات رؤساء الجهات، حيث ظهرت الخيانات والأحزاب المصلحية الحربائية التي يمكن لها أن تشكل الأغلبية وتصوت للمعارضة في آن واحد؛ دون أن يمنعها ذلك -طبعا- من الخروج للإعلام والإدلاء بالتصريحات التي تبرر موقفها المخزي.

كما كشفت انتخابات الجهات مدى مصداقية بعض الوعود التي يقدمها الأمناء العامون ونائبوهم؛ من مثل إلياس العمري الذي وعد خلال منتدى نظمته وكالة المغرب العربي للأنباء قبل شهرين فقط أنه لن يترشح للانتخابات المقبلة، مبررا نفوره من الترشح بوصية والده، حيث قال: “والدي أوصاني ألا أربي الكبدة على ثلاث: المال والسلطة والجمال“. وأضاف: (كان والدي يقول لي: “البلاصة التي ستصعد إليها راك غادي تنزل منها“، وقال العمري: كنت أرد: “البلاصة التي سيكون ممكنا النزول منها لن أصعد إليها“).

المهم بعيدا عن الشعبوية والخطابات السياسية الكرتونية؛ ها هو إلياس العمري اليوم يهرول إلى ولاية طنجة تطوان الحسيمة دون أن يلتفت خلفه؛ لأنه يعلم مسبقا أن المقعد محجوز له قبل انطلاق سباق الانتخابات؛ ودعك من دعاوى “أصبحت خماسا عند الشعب” والتأثر وإظهار الزهد في المناصب والولايات، لأن من يزهد فيها حقيقة لا يلج مستنقع السياسة العفن، ولا يتبوأ منصب الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة؛ عفوا نائب الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة.

لقد تساءل كثير من المغاربة بعد الإعلان عن نتائج انتخابات الجهات، كيف تمكن البام من حصد خمس جهات كبرى، وبالمقابل لم يتمكن المصباح -الذي صوت له أكثر من مليون ونصف مغربي- أن ينير سوى جهتين فقط؟!

بكل تأكيد؛ لقد سرق السياسيون الفاسدون إرادة الناخبين المغاربة؛ وأعادوا الجرار الذي نفي إلى العالم القروي إلى قلب العالم الحضري، وتواطؤوا جميعا ليمكنوه من التحكم في جهات عجز مسبقا أن يقنع الناخبين كي يبوئوه تسيير جماعاتها، وها هو اليوم سيحظى بالميزانيات والنفوذ وسلطة القانون؛ كي يستمر في تنزيل مشروعه العلماني الذي رفضه الناخبون المغاربة. 

إنه وبكل اختصار “الوجه القبيح للديمقراطية المغربية“؛ كما عبر عن ذلك ميلود بلقاضي، أستاذ العلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط، قد يستطيع حزب العدالة والتنمية أن يقنع أكثر من مليون ونصف مغربي بمشروعه السياسي ويتفوق على كل الغرماء السياسيين؛ لكنه بالمقابل لن يتمكن إلا من تسيير جهتين من أصل اثني عشر؛ وبالمقابل يستطيع البام الذي لم يجد له موطأ قدم إلا في البوادي؛ حيث يعشش الجهل والفقر والتهميش؛ من تسيير خمس جهات كبرى.

أكيد أن نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة تعطي مؤشرات قوية حول التركيبة الجديدة للخارطة السياسية في المغرب، وتؤكد أن إرادة الناخبين لا توصل وحدها ممثلي الأحزاب إلى مراكز القرار، وأن الفساد لا زال معششا في المجال السياسي، وأن معظم الأحزاب لم تتجاوز عتبة الوفاء بعهودها وضبط تحالفاتها.

لكن رغم هذه الصورة السوداء القاتمة إلا أن هناك جانبا مشرقا لا يجب التغافل عنه، وهو أننا أصبحنا نتحدث اليوم وبكل وضوح عن تدافع كبير بين مشروعين سياسيين متناقضين، وأن دعاة الإصلاح بات صوتهم مسموعا ومشروعهم مقنعا لعموم المغاربة خاصة في العالم الحضري الذي يضمُّ نخبة المجتمع؛ كما أن حزب العدالة والتنمية استطاع أن يحقق في عز الخريف العربي إنجازا سياسيا تاريخيا، غير أنه يجب عليه في قابل الأيام إحراز أغلبية تجنبه التحالف مع الأحزاب الوظيفية التي لا تشاركه المرجعية ولا توافقه المشروع السياسي الإصلاحي.

[email protected]

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M