القمني.. العريفي.. صلاح الوديع وحرية التعبير

16 أكتوبر 2015 20:03
القمني.. العريفي.. صلاح الوديع وحرية التعبير

القمني.. العريفي.. صلاح الوديع وحرية التعبير

أحمد الشقيري الديني

هوية بريس – الجمعة 16 أكتوبر 2015

قامت زوبعة حول الداعية السعودي المشهور الشيخ محمد العريفي بسبب دعوة له من بعض الجهات ليحاضر بالمغرب حول القرآن، من بينها حركة التوحيد والإصلاح، فتنادى العلمانيون أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد.

وصدرت فتاوى علمانية وبيانات شجب واستنكار تجرم هذا الفعل الشنيع: استقدام ظلامي يحتقر المرأة ويدعو للفتنة بين السنة والشيعة وللجهاد في سوريا، وشحذ القوم سكاكينهم، وأصدر بيت الحكمة الذي تترأسه خديجة الرويسي، الحقوقية المغربية المعروفة بمواقفها من الدفاع عن حرية التعبير وعن حقوق الإنسان والشواذ، بيانا ناريا في النازلة، في ما يشبه الإرهاب الفكري، فعدل الشيخ عن القدوم للمغرب لأن أقلية حداثية نافذة لا يروقها أن يلقي الشيخ بثقله الرمزي في حساب حركة دعوية خرج من رحمها حزب العدالة والتنمية، ونحن في سنة انتخابية.

تحت عنوان مغرب الثقافات والتنوع والتواصل، تمّ استقدام نجوم عالمية، بعضها يدعو للشذوذ الجنسي علانية (إلتون دجون)، وبعضها يدعو للتعري والرقص بإيحاءات جنسية أمام الأطفال وأوليائهم، فوق الخشبة وعلى الشاشة الصغيرة (جنيفر لوبيز)، قامت في وجهها الأغلبية المحافظة ببياناتها وإعلامها وجمعياتها وأحزابها.. لكن حضر أولئك على رغم أنف الأغلبية، وعلى رغم أنف الدستور الذي ينص على إسلامية الدولة، وعلى رغم أنف الشعب الفقير الذي يرى في استقدامها هلاك للأخلاق وضياع للمال العام وفقدان للرشد.

في رمضان الفائت استدعى حزب الأصالة والمعاصرة المفكر اليساري العلماني سيد قمني، فألقى محاضرات في عز رمضان، يستهزئ بالملك جبريل، ويستهزئ بالرسول صلى الله عليه وسلم، ويستهزئ بنظام البيعة الذي تقوم عليه شرعية النظام الملكي بالمغرب، ويزور التاريخ الإسلامي.. وقامت زوبعة إعلامية ضده، خصوصا في المنابر الإسلامية، فكان جواب قادة الأصالة والمعاصرة مزيد احتفاء بالرجل، حيث أخذ بعضهم صورا تذكارية معه والطعام أمامهم في نهار رمضان، فاشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بتلك الصور استنكارا واستهجانا، كان من بين مرافقيه في الصورة الشاعر اليساري صلاح الوديع ورئيس المجلس الوطني للحزب حكيم بنشماس الذي عاقبه الناخبون وأسقطوه في دائرة يعقوب المنصور بالرباط في انتخابات 4 شتنبر، قبل أن يظهر من جديد رئيسا لمجلس المستشارين كما أرادت له الدولة العميقة والناخبون الأقزام الذين يصوتون بـ”التليكموند” رغبا ورهبا، ويتقاتلون على حلوى الملك.

الخلاصة أن هناك كيل بمكيالين في مسألة “حرية التعبير”، وأن هذه الحرية مكفولة في أقصى حدودها للتيار الحداثي فقط، وإن جاءت مناقضة لمضامين الدستور أو خدشت الشعور العام أو هددت مرتكزات التعايش المشترك، لأنها في هذه الحالة تسمى كسرا للطابوهات ونقدا للتقليد والجمود وفتحا لباب الاجتهاد والتطور على مصراعيه.

لما قرأت مقال الأستاذ صلاح الوديع تحت عنوان: “حسنا فعلت يا عريفي.. انسحابك لم آمر به ولم يسؤني“، معززا باتهامات ثقيلة في حق الداعية السعودي، والتي أكدها الكاتب بعد أن قضى يوما أمام اليوتيوب يشاهد بعض أشرطة الشيخ كما ذكر، نشرت على إثر ذلك تدوينة على حائطي بالفايسبوك أتساءل: هل من المعقول أن يتم استدعاء شيخ يبث تلك الأفكار الظلامية؟ ذلك أنني لست من مريدي الشيخ ولم يسبق لي أن تابعت برنامجا له أو محاضرة.. فجاءت التعليقات على التدوينة تكذب ما ذهب إليه الأستاذ صلاح الوديع، وأشرطة فيديو تناقض ما ذكره، وهو ما سنقف عند بعضه.

أولا: اتهام الأستاذ صلاح الوديع الشيخ محمد العريفي بأنه يحرض المسلمين على دعم التنظيم الإرهابي “داعش” عار من الصحة، فهذا شريطه تحت عنوان: “فتوى العريفي بتحريم الانتماء إلى داعش..” ينهى فيه الشباب أن يلتحقوا بالتنظيم الإرهابي، ومن أخطأ منهم وذهب فليرجع إلى بلده، وقد سمعته بأذناي.

ثانيا: اتهامه للشيخ بأنه يفتي بهدم الكنائس والصلبان، لم أقف عليه، لكنني أجزم بأن أحدا من علماء المسلمين قديما أو حديثا لم يفت بهدم الكنائس والصلبان، في السلم أو في الحرب، وهذا مجمع عليه لا يخالف فيه عالم واحد، إلا ما كان من هدمها لمصلحة راجحة كتعبيد طريق أو مخافة سقوطها أو بسبب هجرها، وهذا يجري على المساجد أيضا.. وما يقع اليوم من اعتداء على أماكن العبادة في الحروب الدائرة سببه الجهل لا غير.

ثالثا: اتهامه للشيخ بأنه يذكي الفتنة بين الشيعة والسنة، فكلام العريفي هنا له سياق واضح، وهي الحرب التي تقودها اليوم إيران وحزب الله والحوثيين الشيعة ضد عدد من العواصم السنية في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

رابعا: اتهامه للشيخ بأنه يفتي بالنهي عن اختلاء الأب بابنته، لا أساس له، وإنما هي فتوى حادثة عين، دعا فيها أمّا شكت زوجها يتحرش بابنتها بأخذ الحيطة والحذر، وبيّن الشيخ على الهواء أن هذا خاص بتلك الحادثة، وأن له هو تسع بنات يخلو بالواحدة منهن لحاجتها دون حرج، شأنه في ذلك شأن كافة الآباء، لكن من كان عنده شذوذ عن القاعدة وخروج عن الفطرة فلا تنفع معه إلا فتوى الشيخ، فإن تمادى وجب تقديمه للقانون.

ولما نشرت تدوينة بهذا الخصوص الأسبوع الماضي اتصلت بي شابة بالهاتف تطلب مني مزيد تحذير في هذا الموضوع والكتابة حوله لأن عددا من الشابات يعانين في صمت تحرش المحارم بهن داخل البيت.

خامسا: اتهامه للشيخ بأنه يفتي بالتداوي بـ”البول”، فهذا صح فيه الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة العرنيين الذين أمرهم أن يتداووا بشرب بول الإبل وألبانها فصحوا.. وقد أثبت العلم الحديث صحة التداوي ببول بعض البهائم، بل ,ايضا ببول الإنسان، ويكفي الباحث أن يكتب “التداوي بالبول” على موقع غوغل ليقف على عدد البحوث العلمية في العصر الحديث التي استخرجت من البول أدوية نافعة.. بل إن العلم يستخرج أدوية نافعة من سموم العقارب والحيات ودم الآدمي الذي لا يستغنى عنه في العمليات الجراحية بالرغم من نجاسته واحتوائه على جراثيم.

سادسا: اتهامه للشيخ بأنه ينهى عن سياقة النساء للسيارة بمبرر أن حوضهن يهتز عند سياقتهن فيوقظ شبقهن.. وهذه أغرب من سابقاتها لأن المرأة إذا جلست خلف السائق أو إلى جانبه فإن حوضها يهتز أيضا بسبب حركة السيارة، وكلام العقلاء منزه عن العبث.

نعم هناك فتوى شاذة عند علماء السعودية تمنع المرأة من سياقة السيارة، وتبيح لها أن تركب مع السواق، وهو عنها أجنبي، ولله في خلقه شؤون.

وخاتمة: ألم يكن جديرا بالسيد صلاح الوديع ورفاقه الحداثيين أن يتيحوا الفرصة لشيخ له صيت عالمي، ثم يناقشوه بعد محاضرته بدل أن يأخذ صورة سيئة عن المغرب وتنوعه؟

ما الفرق بين الإرهاب “الداعشي” ومصادرته للرأي المخالف وقمعه له، وبين دعاة حرية التعبير إذا كانت حكرا عليهم؟!!

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M