احسان الفقيه: حلف الفُضول.. شوكة في حلقوم الروس والفرس
هوية بريس – إحسان الفقيه
الأحد، 25 أكتوبر 2015
في زمن ساد فيه الظلم، وغلب فيه منطق القوة وشريعة الغاب، كانت هناك نقطة مضيئة في دار “ابن جدعان” بمكة المكرمة، إذ التقى بعض الشرفاء على قيم العدل ونصرة الضعيف والمظلوم.
أحد الذين شهدوا تكوين هذا الحلف، كان حدثٌ يافعٌ، امتلأ قلبه تقديرا وإعجابا بهذا الخطوة غير المعهودة، هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل أن يُبعث بالرسالة، ليظل أبد حياته مُقدّرا لهذا الحلف، ما حدا به إلى أن يقول: (شهدتّ غلاما مع عمومتي حلف المُطيبين فما يسرني أن لي حمر النعم وأني أنكثه).
* وكعادتي في النظر إلى نصف الكوب المُمتلئ، والبحث عن جذوة للأمل من غير إسراف في الأحلام الوردية، رأيتُ في التحالف السعودي القطري التركي بريق الأمل الذي أنشدُه لأمتي..
قل ما تشاء.. وانتقد كما تشاء الأنظمة الحاكمة والسياسة الداخلية والخارجية لهذه الدول، غير أنك لن تُنكر ولو من خلف أسوار قلبك، أنهم بقية شرفاء زمن عزّ فيه الشرف.
* في الوقت الذي أصبحت فيه سوريا مسرحا لحرب إقليمية مُتعددة الأطراف، بحث الروس عن موطئ قدم فيها، للوصول إلى المياه الدفيئة في المنطقة، لإنقاذ الحليف السوري (الأسد) بعد أن أخفقت إيران وطابورها وأنصارها والمعجبون أو المخدوعون فيها، في وقف انتصارات كتائب الثوّار.
فانطلقت الطائرات الروسية بمباركة الكنيسة، تبحث عن المجد السوفييتي القديم في سوريا، بذريعة محاربة تنظيم داعش، إلا أنه بات واضحا أن الهجمات إنما يقصد بها المعارضة التي تزحف نحو الأسد، فيما يبدو أنه تنسيق وتبادل للأدوار بين الروس والأمريكان في المنطقة.
* تسعى موسكو لتكون الفاعل الأول والمؤثر الأقوى في سير الأزمة السورية، وتتبنّى – إضافة إلى العمليات العسكرية –رعاية المفاوضات مع الأطراف المعارضة لبقاء الأسد.
إزاء التخلي الأمريكي الواضح عن قضايا المنطقة، وفي ظل الصمت العربي المُطبق، وفي الوقت الذي انحازت دول عربية إلى الحلف الروسي الإيراني، تقف (السعودية الأم) وقطر وتركيا حجر عثرة أمام الهيمنة الروسية والإيرانية في المنطقة.
* حدّثني عن العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية بين تلك الدول وبين روسيا وإيران، حتى يوم يُبعثون.. هي ليست مبررا للتخوين والتبخيس، فهذه الدول لا تملك عصا سحرية لتغيير الأوضاع وقلب الموازين (بكبسة زر)، ولم تصل أُمّتنا بعد إلى الوحدة والقوة لكي تقطع علاقاتها بالكامل مع أعدائها وتُضيّق على نفسها الخناق..
فشيء من الواقعية يا قوم.
* حدّثني أكثر عن حسابات المصالح الخاصة لتلك الدول في ذلك التحالف السُنّي..
ذلك لا ولن يمنع أن تحرص كل دولة منها على الموازنة بين المصالح الخاصة والعامة، فهل هذا مبرر للتخوين والتشكيك؟
استقيموا يرحمكم الله.. وابتسموا أدام الله سروركم ..
* الثلاثي الشريف يتحرك على الأرض وحده دون دعم ورعاية خارجية لأول مرة، وبفاعلية وقوة وتأثير على مسرح الأحداث.
السعودية وقطر وتركيا قد اتحدت كلمتها (فعليّا) في التعاطي مع الملفات والأزمات القائمة في المنطقة وعلى رأسها الأزمة السورية، التي بات موقف هذه الدول منها واضحا، فهي ترى الحل السياسي (نعم لإنقاذ ما تبقى من سوريا التي نُحبها وأهلها)، لكنها لا تستجيب لخداعات “دي ميستورا” في إدراج الأسد بأي حل سياسي اتفاقا مع الرغبة الروسية الإيرانية، بل وتُصر على استبعاده، ليقينها أن أزمة سوريا لا يمكن حلها في ظل بقاء ذلك السفاح، وهو ما أكدت عليه العديد من دول أوروبا.
* أما وزير الخارجية السعودية عادل الجبير فلا زال يوجه الضربات للتحالف الروسي الإيراني الأسدي، يصفعُ الروس بعد لقاء فيينا الرباعي ويؤكد أن الخلاف معها حول رحيل الأسد قائما.
وينتقد الروس في ضرورة المشاركة الإيرانية في أي مفاوضات حول سوريا، ويؤكد أن إيران هي جزء من المشكلة، ما حدا بالمتحدثة باسم الخارجية الإيرانية “مرضية أفخم” إلى أن تخرج عن شعورها وتصف تصريحات الجبير بـ “السخيفة”..
شكرا مرضية أفخم.. لقد أهديتِني (شخصيا) غبطة نادرة .. بل وأهديتي ملايين المسلمين بهجة مُنتصر يُراقب مهزوما مخدوعا بهُتافٍ يظُنّه له ..
* وبعد التدخل الروسي السافر في سوريا، صرّح خالد العطية، رجل الدولة القطرية بشراسة واثق لمحطة سي إن إن، ودون مواربة (أن بلاده تدعم المعارضة في سوريا ضد الأسد وحلفائه).
بل ذهب وزير الخارجية القطري إلى أبعد من ذلك، حيث قالها مدوية في تصريحه: “إذا كان التدخل العسكري سيحمي الشعب السوري من وحشية النظام فسنقوم به”.
نعم.. تحدّث عن إمكانية التدخل العسكري لحل الأزمة السورية، في ظل تقاعس المجتمع الدولي، وبعد فترة طويلة من المطالبات القطرية بحل الأزمة سياسيا.
حديث العطية ليس ارتجاليا، فهو يتحدث عن الحوار من منطق القوة، ويستند إلى توافق سعودي قطري تركي يقف من وراء هذا التحول الإيجابي والجريء في السياسة الخارجية القطرية.
وهذا ما يجب أن يحيا عليه ويموت الرجال الرجال..
* أما تركيا التي تواجه عقبات التعثّر السياسي وضربات الإرهاب في الداخل، وتواجه على الصعيد الخارجي عرقلة مساعيها لإقامة منطقة عازلة في الشمال السوري بعد تدخل موسكو، فلا زالت تُصرّ وبقوة على استبعاد الأسد.
وبالتوازي مع ذلك، تواجه تركيا هذا التحالف الروسي الإيراني، بتعزيز التعاون والتنسيق والتحالف مع السعودية وقطر، لمواجهة المشروعين الروسي والإيراني في المنطقة.
* الزيارات المتتابعة للرموز السعودية والقطرية إلى تركيا في ظل الأزمات الراهنة، تُبشّر بتنامي قوة هذا التحالف المبارك.
إحدى هذه البشارات كان التدريبات العسكرية التي أجرتها القوات المسلحة القطرية مع نظيرتها التركية منذ أيام تحت اسم “نصر 2015”.
* والحديث الآن انتقل إلى طور مباحثات للتدخل العسكري القطري السعودي التركي في سوريا، والذي يترتب عليه وقف المشروعين الإيراني والروسي في المنطقة.
الصراع باتت واضحة معالمه، والعرب يتجهون رويدا إلى الانحياز إلى أحد الفُسطاطين، إما إلى التحالف القطري السعودي التركي، أو إلى التحالف الروسي الإيراني الأسدي، ولن يكون هناك مجال للوقوف على الحياد لأي دولة من الدول العربية..
فإما مع الشرفاء وأنصار الحقّ وحُماة الدين والديار.. وإما مع الجحيم..