القناة الثانية وصناعة التطرف

01 يوليو 2013 10:43

ذ. يونس الناصري

هوية بريس – الإثنين 01 يوليوز 2013

نظمت “دوزيم” ليلة 16 ماي حلقة خاصة في برنامج “مباشرة معكم”، بمناسبة ذكرى مرور عشر سنوات على العمليات الإرهابية التي عرفتها مدينة الدار البيضاء، واستضافت لذلك كما هي عادتها أصحابَ توجه ورؤى معينة، وغيبت صنفا آخر، وهي بذلك تذكي تطرف المتحمسين الجاهلين، وتستفز مشاعر شريحة كبيرة من الملتزمين بالشرع الحنيف.

فقد جمع البرنامج بسوء نية بين ممثل العدالة والتنمية (بلال التليدي)، وممثلي الرأي العام (عبد العالي مستور وعبد الحميد أجماهري)، وممثل الشأن الديني حسب منظورهم (مصطفى بوهندي)، وغاب صوت من يقصدهم البرنامج بالمتطرفين المتشددين. وهي معادلة مغرضة ماكرة، تدل على خبث نوايا مسيري “دوزيم” ومقدم البرنامج، وعلى رغبتهم في إشعال فتنة وإيقاظها من جديد، بعد أن علم المجتمع ووعى بأن الإسلام بريء من القتل والتدمير وشتى أشكال التطرف، بما في ذلك التطرف الخلقي والفكري الذي يوجه الإعلامَ المغربي في عمومه.

إن القناة الثانية قد افتضحت أمام الكل بتوجهها المريض، وفكرها المعوج، الذي يسعى إلى فرض نمط عيش خاص، منفلت من ضوابط الشريعة الإسلامية على الشعب المغربي، ونظرة سريعة في مواقع التواصل الاجتماعي تؤكد ما قلناه؛ فآلاف الشباب من غير المتدينين سخطوا على إفرازات دوزيم واستحمارها لعقول المشاهدين، وانعدام حيائها حين لا تراعي مشاعر الأسر التي مازالت مدمنة على مشاهدتها، واستغباء المثقف وغيره لما تطبع العلاقة مع اليهود، في ضرب سافر لقيم المجتمع المغربي المتعاطف قلبا وقالبا مع الفلسطينيين وحقهم في استرداد القدس والسيادة الوطنية الكاملة.

إنها تبث رسائل إجرامية متطرفة وهي تزعم محاربة التطرف، وقد بدا ذلك جليا في برنامج “مباشرة معكم” لما أسمعت المغاربةَ كلَّ صوت سوى صوت السلفيين، الذين تقصد دوما تغييبهم وتشويه صورتهم ووسمهم بالتشدد والغلو والإرهاب، ولو كان فيها  ذرةُ إنصاف لاستضافت عالما سلفيا خالصا -وهم كثر- ليعبر عن حقيقة الإسلام ونظرته إلى التطرف والعنف، ويرد على الشبه المغلوطة التي يوصف بها أهل السنة.

بيد أنها تعلم علم اليقين أن استضافتها لعالم سلفي سيرد كثيرا من الملبَّس عليهم إعلاميا إلى صوابهم، بعد أن يسمعوا ويفهموا منهج السلفيين في التعامل بالشرع الحنيف مع الحياة بكل تفاصيلها، فكلام العلماء المخلصين للدين وللوطن يصل إلى القلوب، ويمس شغافها، ويجعل السامعَ موقناً بأن كلَّ ما يُروَّج عن أهل الدين من إشاعات، ما هو إلا افتئات عليهم واتهام لهم بالباطل.

فكيف يصح -ودوزيم تمثل كذبا الديموقراطية الزائفة- أن يُغيَّب من هو أقدر على كشف بطلان تلك المغالطات التي يطرحها المستضافون بقصد وبغير قصد؟؟ فكلهم -سوى التليدي- يسبحون في تيارهم ويعبرون عن قناعاتهم وأفكارهم، وإن كانوا يلتقون في نقطة واحدة هي الحرية المطلقة التي لا قيدَ لها، حتى وإن كان شرعيا معتبرا.

لا ينكر أن بلالا التليدي ذا المرجعية الإسلامية كان أكثر صراحة في طروحاته، وأقرب إلى إيصال حقيقة موضوع التطرف إلى المشاهد، رادا ردا جميلا لاذغا على (بوهندي)، الذي لا يعرفه إلا أقرباؤه ومن يشاطره في توجهه المتطرف المنحل في فهم الإسلام[1].

ولا أدري لماذا يستحضر مصطفى بوهندي، ولا يؤتى بالعلامة المشهود له بالعلم والفضل عالميا، عالم المقاصد المعتبر أحمد الريسوني؟ ليرد على الأقل على مدير جريدة الاتحاد الاشتراكي في تطاوله على شخصه، أو يستضاف العلامة مصطفى بن حمزة من علماء المجلس العلمي الأعلى ليوضح حكم الشرع في كل ما قيل، ويدفع عن السلفيين -وهو عارف بهم- ما ينسب إليهم الإعلامُ الكذوب من تخرص وبهتان؟

وقد انتقد التليدي عدم استضافة صوت سلفي في البرنامج، فرد عليه المقدم كلحسن بأن ذلك من اختصاص معدي البرنامج، وليس لبلال أن يتدخل في هذا الشأن، وهو شكل من أشكال التحكم وعدم قَبول أي طرح ينافي توجه القناة صانعة التطرف.  

لقد ذكر التليدي بأن السلفيين تنوروا في السنين الأخيرة، وتغيرت آراؤهم ونظراتهم للشرع الحنيف، في إشارة إلى أنهم كانوا يحملون بصمات التطرف والتشدد قبل 16 ماي 2003م، وهو خطأ معرفي ما كان ينبغي له أن يسقط فيه؛ لأن السلفيين المتبعين للكتاب والسنة بفهم السلف الصالح لم يكونوا يوما من الدهر انتحاريين ولا داعين إلى ذلك، وأمن الدولة من أعرف الناس بهم؛ ولذلك لم يعتقل في تلك الأحداث أي سلفي خالص، سيرته حسنة في أسرته وبين جيرانه، وفي عمله ومع زملائه، في الكليات والمعاهد، وسائر مرافق الدولة.

السلفيون هم من يعمل -حسب المستطاع- بتعاليم الشرع الحكيم، بلا إفراط ولا تفريط، اهتداء بقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} البقرة/142، ولم يثبت أن عالما منهم أو متعلما فاهما دعا إلى قتل أو تدمير أو سرقة أو أي فساد في الأرض.. ومن ثبت عنه بعض ذلك فلا يعتبر سلفيا، بما تحمله الكلمة من معنى شرعي  صحيح.

ففكر الخوارج الذي هو منبع التكفير والتطرف قديم بقدم الإسلام، وقد حاربهم الخليفة الرابع السلفي علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وناظرهم عبد الله بن عباس حتى رجع ثلثان منهم وبقي الثلث الآخر يكفر المسلمين ويقطع طرقاتهم ويفسد في الأرض بزعم خدمة الإسلام، وذُكرَت في وصف الخوارج أحاديثُ صحيحة، كقوله عليه الصلاة والسلام: “الخوارج كلاب النار”، فلا يتزيد جاهل بالتاريخ أو متجاهله على السلفيين، ويقولهم ما لم يقولوا، أو يفهم من عموم كلامهم ما ينافي منهجهم وأسسهم العلمية الرصينة.

إن استطلاعا للرأي العام للمسلمين سيظهر أنهم سلفيون في عمومهم من غير أن يسموا كذلك، ذلك أنهم يعظمون الشرع والصحابة والعلماء ويقدرون كل ذلك حق قدره، ولو سئلوا عن القوانين الكونية التي تقنن الزنا وتنشر الإلحاد وتشجع عليه، وتجعل منتقصَ النبي عليه الصلاة والسلام وواسم رسائله بالإرهاب معبرا عن رأي، لو سئلوا عن تلك القوانين لوجدتهم ساخطين منكرين لها، صابين عليها وابلا من الشتائم.

بقي أن نشير إلى أن مشاهدي القناة الثانية في تناقص مهول -وهي تعلم ذلك- لأنهم استيقنوا خطورتها، وفطنوا إلى خططها الهدامة، وسعيها إلى استنساخ جيل لا همَّ له إلا الشهوة والتطاولُ على مبادئ الإسلام السمح، وعلى علمائه بدعوى حرية الفكر والرأي.

 ولقد تعالت صيحات من جوانب المغرب ومن خارجه تدعو إلى إصلاح الإعلام المغربي، الذي أصبح لا يمثل المغاربة الأحرار ولا يشرفهم؛ إذ من يشاهد برامج دوزيم من خارج الوطن، يحسب أن لحم المغربيات مشاع لكل لقيط وشاذ، وأن المغاربة قد انسلخوا عن أخلاقهم الفاضلة النابعة من جمال الإسلام وجلاله.

إن القناة الثانية لا تهمش السلفيين وحدهم، بل تهمش وتقصي سائر شرائح المجتمع، ولا تلمع إلا صورة الطبقة البورجوازية ذات التوجه العلماني المتطرف، من الذين نشؤوا على عيشة الترف واتباع الشهوات، وازدراء الفضيلة، كما تظهر وتشجع من المحسوبين على الشريعة كلَّ من يسايرها في نظرتها العلمانية للحياة، وتطويعها للشرع الحنيف ليصير شرعا لا حرام فيه.


1- بوهندي صاحب كتاب “أكثر أبو هريرة” المليء بالطعن في الصحابة وعدالتهم وشدة ضبطهم، زيادة على تقواهم، وقد فضحه الزبير أبو سلمان في كتابه “السهام الكاسرة لشبهات بوهندي الخاسرة”، وهو صاحب الخرجة الأخيرة التي زعم فيها أن الأنبياء غير معصومين حسب هسبريس.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M