المقاربة الدينية لقضية الصحراء المغربية

14 يناير 2014 03:42
المقاربة الدينية لقضية الصحراء المغربية

المقاربة الدينية لقضية الصحراء المغربية

بدر الدين الخمالي

الثلاثاء 14 يناير 2014م

هذا المقال ليس في حقيقة الأمر سوى مقتطفات من حوار صاخب دار بيني وبين أحد المدافعين عن الطرح الانفصالي، وقد ارتأيت أن أجمع بعض ردودي على الشبهات التي تم إثارتها خلال هذا الحوار بشكل يسهل عملية الفهم على كثير ممن تم التلبيس عليهم وتضليلهم بالدعاية الانفصالية الكاذبة التي ما فتئ عن ترويجها قادة البوليساريو ومن يساندونهم حول طبيعة النزاع في الصحراء المغربية، وطبيعة الأهداف الإجرامية التي يراد تحقيقها بفصلها عن المغرب وتفتيت المنطقة ككل ومسخ هويتها الإسلامية وضرب مقومات الاستقرار والأمن بها.

لماذا المقاربة الدينية

لقد أهمل كثير من الباحثين المؤثر العقدي في فهم طبيعة النزاع في الصحراء المغربية ولم يلتفت إليه سوى القليل من المهتمين، بالرغم من أن الأصل في كل ما يتعلق بملف الصحراء المغربية يعود إلى هذا العمق العقدي الإسلامي الذي يراد ضربه ونسفه من قبل الانفصاليين والمساندين للطرح الانفصالي وفق مخطط استعماري استراتيجي يروم إجهاض الوحدة المغاربية على أساس إسلامي.

لذلك فقد اعتمدنا المقاربة الإسلامية التي تقوم على وحدة أرض الإسلام في الرد على الشبهات لأن المحاور (موريتاني ذو مرجعية إسلامية)، انطلق من فهم مغلوط لطبيعة الحوار وانطلق من حجج مستهلكة للدفاع عن أطروحة جبهة البوليساريو الانفصالية بدون إدراك لطبيعتها الإيديولوجية، وتحالفاتها الدولية والإقليمية، وممارستها المناقضة لصحيح العقيدة الإسلامية التي تدعو إلى القضاء على الوحدة بين المسلمين وتفريق صفوفهم وبث الفرقة والنزاع والكراهية بينهم خدمة لمصالح الغرب الاستعماري.

الصحراء مغربية وليست غربية

من المعلوم لكل دارسي التاريخ أن الصحراء أرض مغربية كانت ولازالت منذ قديم التاريخ ولم تنفصل عنه سياسيا أبدا وظلت مرتبطة بالنظام السياسي والقضائي والتشريعي المغربي طيلة مراحل التاريخ يشهد على ذلك عقود البيعة وظهائر ملوك المغرب لقضاة وشيوخ القبائل بل حتى في مرحلة الاستعمار الإسباني الغاشم الذي تسلط على المنطقة وعمل جاهدا على خلق هذا الوضع الهجين.

كان أهل الصحراء مرتبطين بالمغرب وبملوك المغرب وتشهد على هذا جميع الوثائق التاريخية.. هذا فضلا عن أن أغلب قبائل الصحراء أصلها من شمال المغرب خصوصا الرقيبات وهي أكبر القبائل (القبائل المقاتلة)، فجدهم هو سيدي أحمد الرقيبي الإدريسي الذي ينحدر من نسل مولاي عبد السلام بن مشيش دفين جبل العلم والشيخ ماء العينين شريف إدريسي، وكذلك الأمر بالنسبة لبني بوسبع والشرفاء العروسيين.. فكيف بربك يكونون شعبا ويريدون الانفصال وهم من نفس أصولنا ونفس عرقنا ونفس الجد والآباء يجمعوننا..

لذلك أتعجب لمنطق الانفصال الذي يعتمد على المغايرة باعتبار الصحراويين شعب مختلف عن الشعب المغربي في أصوله العرقية والاثنية.. فإذا كانت موريتانيا في حد ذاتها وطيلة عهود التاريخ ظلت موحدة مع المغرب ولم تنفصل عنه إلا بفعل المخطط الإجرامي الاستعماري فكيف بالصحراء المغربية.

ويكفي أن الشيخ ماء العينين بن مامين وهو من أكبر قادة المقاومة بشنقيط وقبله الشيخ العلامة طوير الجنة وهو من المتقدمين كانوا مبايعين لملوك المغرب.. لذلك أتأسف أن يصدر عن شخص ملتزم بأحكام الدين مثل هذا الموقف الذي يدعو إلى تفريق بلاد المسلمين وخدمة أهداف الاستعمار والنصارى وضرب وحدة الأرض والدم والدين في بلاد المغرب الأقصى، التي حملت منارة العلم والدين في سائر الغرب الإسلامي.. ويكفي أن نضرب مثلا بسيرة الداعية عبد الله بن ياسين وأبو بكر اللمتوني لنعلم كيف بلغ الإسلام بفضل الله تعالى أقاصي إفريقيا على يد المغاربة.

ثم بعد ذلك إذا كانت الصحراء غربية كما يدعي الانفصاليون فاعلموا بأن هذا المسمى يحمل نقيضه في ذاته لأنه يعني أن هناك صحراء شرقية.. وهنا لبّ الحكاية التي تجعل جيراننا الشرقيين يصرون على دعم البوليساريو لأن الصحراء الشرقية المغربية التي اغتصبها المستعمر الفرنسي وضمها قسرا وغدرا إلى أراضي الجزائر هي التي تجعل موقف النظام الجزائري متعنتا في إيجاد أي حل لقضية الصحراء.. لذلك أليس من المعقول ما دمنا نتحدث عن الصحراء كمحدد سياسي أن تكون الدولة الصحراوية المزعومة شاملة لكافة المنطقة الصحراوية الممتدة من الساحل الأطلسي إلى الصحراء المصرية قاطعة الجزائر وموريتانيا وليبيا وشمال مالي والتشاد لأنها مجال واحد.. أم أن الأجندة الاستعمارية التي تحرك من وراء ستار الانفصاليين والأنظمة الديكتاتورية في المنطقة لا ترى المجال الصحراوي إلا في جنوب المغرب.

المزاعم حول انتهاكات حقوق الإنسان بالصحراء التي يروجها البوليساريو

تعتبر الورقة الحقوقية في الصحراء المغربية من أكثر الملفات التي حاول الانفصاليون استغلالها واللعب بها من أجل جلب التدخل الدولي بالمنطقة، وقد حاولوا في السنوات الأخيرة مع التقدم الملموس الذي يحققه المغرب في المجال الحقوقي والسياسي إلى استغلال جرائم الحق العام وتصويرها على أنها انتهاكات حقوقية يمارسها المغرب ضد النشطاء بالإضافة إلى استغلال الملفات الاجتماعية وإعطائها بعدا سياسيا والترويج من خلالها للطرح الانفصالي كما حدث إبان اعتصام “كديم ايزيك” بالعيون، ومن أخطر الاتهامات التي يحاول الانفصاليون ترويجها هي وجود حالات اغتصاب للنساء بالصحراء المغربية من قبل موظفين بالسلطات العمومية.

لذلك نقول إنه لو كانت هناك حالة اغتصاب واحدة في الصحراء لأقيمت الدنيا ولم تقعد خاصة وأن جبهة البوليساريو التي يساندها نظام جنرالات الدم الجزائريين والحزب الشعبي الاسباني واليسار الراديكالي ومنظمات التنصير الأمريكية، تضخ الأموال الطائلة في صناديق منظمات حقوق الإنسان الارتزاقية التي لا تدع صغيرة ولا كبيرة في الصحراء إلا وتتابعها عن كثب، وتقوم بتنظيم زيارات دورية للأقاليم الجنوبية تحت يافطة الدفاع عن حقوق الإنسان؛ هذا عدا الزيارات التي تقوم بها المنظمات الدولية المعتبرة إلى المنطقة، وتستقصي وتصدر تقاريرها بشكل منتظم بناءا على ملاحظاتها الدقيقة..

لذلك علينا أن نعلم بأن أكاذيب البوليساريو ما عادت تؤتي أكلها لأن الجميع أصبح يدرك بأنها دجل في دجل لا علاقة له بالحقيقة والواقع بتاتا… فالمنطق الانفصالي اليوم يتحامى في الحمية القبلية (الجاهلية) ويتحامى في الاستعمار الإسباني ومؤسسات التبشير الأمريكية (النصارى) ونظام الجنرالات الدمويين في الجزائر، ويحاول جاهدا أن يكسب الوقت لإطالة أمد النزاع الذي يدر الأرباح المادية على القيادة الشائخة للبوليساريو المتاجرة بالمساعدات الغذائية والطبية الموجهة لإخواننا المحتجزين.. للتغطية في المقابل على جرائمه المرتكبة في حق النساء الصحراويات بمخيمات الاحتجاز وفي حق الفتيات المهجرات قسرا إلى كوبا والفتيات اللاتي يتم بيعهن كرقيق في مخيمات تندوف.

العقيدة الاسلامية ووعي الشعب المغربي

لقد تربى الشعب المغربي على حب الله ورسوله والدفاع عن دينه والدفاع عن الحق وعلى الوسطية والسماحة والاعتدال ونحن أبناء الفاتحين والعلماء والشرفاء.. وهذا يكفينا والدفاع عن وحدة بلاد المسلمين هي ما يجيش في صدورنا مهما كانت الاكراهات.. والوقوف صفا ضد الفرقة والتشتت مهما كانت المغريات لا نفرق في هذا بين مغربي أو غير مغربي.. وانظروا كيف أل الحال بالسوادن الشقيق بعدما نجحت ألاعيب ومخططات الغرب وحلفائه في تقسيمه وانظروا إلى الدمار والتقتيل الواقع بين أبنائه.. فالحمد لله الذي جعلنا هنا مدافعين عن وحدة بلادنا ووطننا.

لو كنا شعبا مغيبا لما وجدتمونا ندافع عن قضايا الأمة الإسلامية أينما كانت نألم لألمها ونفرح لفرحها ونتفاعل معها ونقف مع الحق والعدل والإنصاف، وكل مرة تجد الشعب المغربي في الشوارع للتظاهر من أجل مساندة قضايا الأمة وتنظيم الحملات، وإصدار النداءات وتقديم يد العون والمساعدة كلما دعت الضرورة إلى ذلك.

 وقد شرحنا لكم بالدليل كيف يتم استغلال إخواننا المحتجزين بالمخيمات.. واعلموا أنه لم يتم تهجيرهم أبدا من الصحراء بل قام البوليساريو صنيعة الجزائر باختطافهم فرادى وجماعات وخاصة الأطفال والشباب وبث الكراهية والحقد في نفوسهم وإرسالهم إلى كوبا الشيوعية والمعسكر الشرقي السابق لإفساد صفاء نفوسهم وزرع الكراهية والحقد والإلحاد فيها ثم بعد سقوط الشيوعية ارتموا في أحضان منظمات التنصير ورموا أحباءنا وأهلنا المحتجزين وخيرة شباب الصحراء في أيدي الكنائس الإسبانية والأمريكية.. وعندنا الأدلة الدامغة بذلك ويكفيننا أن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أصدرت بيانا تندد بهذا المنكر الواضح وهذا الخروج عن الدين الفاضح الذي ترتكبه البوليساريو في حق عقيدتنا.

فما أعرف هو أن أغلب المغاربة على العقيدة والدين الصحيح ولا يغرنكم ما يظهره التلفزيون.. فأغلب المغاربة والحمد لله متمسكين بوحدة الوطن والدين.. ولم نفاخر أبدا بنسب أو دم أو عرق؛ فالحمد لله نحن من أتباع الرسول الأمين وعلى سنته ولا يرضينا والله وإخواننا وأبناء عمومتنا الرقيبات أن يجمعنا الدين ونسب الرسول الأمين وتفرقنا ألاعيب السياسة ومصالحها وأهواء المتسلقين وممارسات هنا وهناك يتحمل السياسي أو المسؤول أمرها وحده..

نحن على العهد في مواجهة أعداء الوطن والدين حتى ينصر الله دينه ويعزنا بعزه ماضون في هذا الأمر مهما كره الكارهون ورغم كيد الليل والنهار ومكر الفجار الذي يريدون من ورائه أن نقتتل وتسيل دماؤنا ونتفرق إربا كي يهنئوا بالنظام الدولي الذي تقوده أمريكا ومن يلف لفها.

قضية الصحراء المغربية قضية وطنية ربانية

لا علاقة للأمر بالوطنية الضيقة كما تفهمون بل وطنيتنا ربانية لله أولا ولرسوله ثانيا ونصرة لدينه ثالثا.. ولن نرضى ونحن ندعو لوحدة المسلمين أن ينفصل غدا جزء من بلادنا فكيف بربكم يستقيم الأمرين.. وقد علمتم أن المقاومة التي قادها أجدادنا في كل ربوع المغرب من أقصاه إلى أقصاه ضد الاستعمار الأجنبي إنما كانت دفاعا عن الإسلام والعقيدة والوطن، يتوحد في هذا الشيخ ماء العينين بالصحراء وشنقيط بالشيخ بلعربي الدرقاوي والشيخ سيدي بوعمامة بالمغرب الشرقي والمقاومين وجيش التحرير في شمال المغرب وما سعوا قط لشق الصفوف.. فكيف بهؤلاء الانفصاليين يسعون لشق صفوف المسلمين وتشتيت الوطن..؟ فكيف بربكم ترضون هذا لنا…نتطلع لوحدة بلاد المغارب وأنتم تريدون تمزيق بلادنا كيف تحكمون؟

لذلك فإن قضية الوحدة الترابية المغربية قضية إسلامية عقدية تتوضح يوما بعد يوم ملامحها بعد أن دخلت على الخط بشكل سافر منظمات التبشير والتنصير والقوى الدولية المساندة لها.

المغرب أيها الإخوة بلاد الدعوة والدعاة والصالحين والأولياء منذ حل الإسلام بقلوب أبنائه وملك عليهم أفئدتهم وأرواحهم وسيبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. والله لا تصل أي بلاد معشار المغرب ولا نصيفه في الدعاة والعاملين في سبيل الله.. فالأولى أن نكون كأهل عقيدة إسلامية اقرب إلى الله وادعى إلى الوحدة من التفريق باسم اختلافات السياسة.

تاريخ الدولة المغربية الإسلامية

لا يوجد شيء اسمه دولة الغرب الإسلامي في التاريخ كما يروج المزورون بل ما يوجد هو الدولة المغربية الإسلامية التي تعاقب عليها (الأدارسة والمرابطون الموحدون المرينيون الوطاسيون السعديون العلويون) والتي كانت تخضع لها كل أصقاع الغرب الإسلامي والسودان الغربي والأندلس، وكان يحكمها سلطان يجلس بمراكش أو فاس، ورحم الله طارق بن زياد النفزي، ورحم الله أمير المؤمنين المولى إدريس بن عبد الله، وإدريس بن إدريس، وعبد الله بن ياسين، وأبو بكر اللمتوني، وأمير المسلمين يوسف بن تاشفين، والمهدي بن تومرت ويعقوب المنصور الموحدي باني “الخيرالدة” بالأندلس، والسلطان أبي عنان المريني ومحمد الوطاسي وفارس الفرسان عبد المالك السعدي وأخيه أحمد المنصور الذهبي فاتح بلاد غانا، والسلطان إسماعيل باني مكناس.. 

أما غيرهم فمجرد إشاعات وكراكيز تعاقب عليهم في فترة ضعف الدولة المغربية العبيديون الشيعة والرستميون واستعبدهم البايات والآغات العثمانيون ثم الاستعماريون، وعندما حاولوا كتابة التاريخ لم يجدوا شيئا سوى معاداة المغرب.. فيوسف بن تاشفين هو يوسف بن تاشفين هنا وهناك، وليس كما يفعل المزورون خدام العسكر حين ينكرون التاريخ ويستخدمون صبيتهم من البوليساريو لتشويه الحقائق.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M