عندما يَفْسُدُ مِلْحُ البلد…؟

24 فبراير 2014 23:44
عندما يَفْسُدُ مِلْحُ البلد...؟

عندما يَفْسُدُ مِلْحُ البلد...؟

إبراهيم الصغير

هوية بريس – الإثنين 24 فبراير 2014م

يَا عُلَمَاءَ الدِّينِ يَا مِلْحَ الْبَلَد — مَا يُصْلِحُ الْمِلْحَ إِذَا الْمِلْحُ فَسَد؟

لقد حاز العلماء مكانة سامية، وتبوؤوا مقاما سنيا عند جميع الأمم، وظلوا زمنا طويلا سادتها وكبراءها، ومع مجيء الإسلام دين المعرفة والعلم، ازدادت مكانتهم وارتفع شأنهم من رفعة دينهم، ليصبحوا أخشى العباد، ورثة الأنبياء، وسادة الأتقياء، الصالحين المصلحين، الموقعين عن رب العالمين.

وكلها أوصاف استحقوها لعلاقتهم بربهم، وما حوته صدورهم من نور العلم، والتقوى والحلم، وتبصيرهم الخلق بإحقاق الحق والدعوة إليه، وإبطال الباطل والتنفير منه، والدعوة إلى الله وتبليغ دينه بالحسنى، وهي التي تفرض علينا احترامهم وتوقيرهم، وإنزالهم المنزلة اللائقة بهم.

لقد ظل سياج العلماء محميا في ظل هذه العلاقة المتبادلة، المبنية على الاحترام والتقدير وبيان الحق والصدع به، وعدم كتمان العلم والتستر عليه، بعيدا عن الأهواء النفسية والنعرات السياسية، التي تسيء للعلم والعلماء على حد سواء.

والتي ساهمت في نقض عرى هذه العلاقة، بعدما تهدمت بعض أسوار ذاك السياج بدخول غيره فيه، وادعاء من ليس من أهله حمل لوائه، والتحدث باسمه،

من الذين لبسوا لَبُوسَ الصالحين، وتبوؤوا مقاعد المتقين فَصَيَّرُوا أنفسهم ملحا للبلد.

لنسمع العجائب والغرائب التي تنبئ عن فسادٍ في بعض أجزاء هذا ملح الذي يحفظ غيره من الفساد، فكيف إذا تطرق هذا الأخير إلى بعض مكونات ذاك الملح؟.

إن تسرب الفساد إلى بعض مكونات ملح البلد الذي هو علماؤها، لَيُنْبِئ عن شَرٍّ عظيم ومصاب جلل، تفسد معه أحوال البشر، ويَلْتَبِسُ معه الحق بالباطل، فيبدأ التناحر في الدين باسم الدين، ويفشو التنازع نتيجة فتاوى سائبة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار.

فتاوى تَصَدَّرَ لها غيرُ أهلها ممن لم يتزود بخير الزاد، فجاءت شامتة بأصحابها، مفرقة للعباد، مُذَكِّيَة نار الفتنة، ومُزَكِّية قطب الفساد، الذي انقلب على الشرعية وأغرق البلاد.

حتى صار علماء مصر الحبيبة بعد الانقلاب الذي قسَّم الشَّعْبَ إلى شَعْبَيْن، صنفان متعارضان أيضا، الأول ضد الانقلاب والثاني معه، والكل يبرر مواقفه باسم الدين.

ومن تبريرات الفريق الثاني التي تبلورت في شكل فتاوى دينية، ما يُنْبِئ عن فساد ملح هذا البلد، ممن رغب عن الحق واتبع الباطل، إرضاء لفئة من الناس على حساب رضا رب الناس.

فعندما يفسد ملح البلد تأتي العجائب والغرائب من قبيل الآتي:

1- السيد علي جمعة مفتي مصر السابق يفتي بقتل المتظاهرين السلميين باعتبارهم من الخوارج.

كانت هذه أُولى إشارات فساد ملح أرض الكنانة، تولى كبرها هذا الرجل الأزهري، الذي يَسْتَتِرُ بِزَيِّ الحُكَمَاء، ويَتَمَظْهَرُ بسمت العلماء، برَّر فيها للجيش والشرطة قتل المسلمين المتظاهرين طلبا لحقوقهم المنتزعة قهرا.

متسيدا بذلك أبواق المبطلين الذين قصموا ظهر النصوص بِليِّيها، انتصارا للانقلاب على حِساب ما، لزوال الدنيا بأسرها أهون عند الله من الإقدام عليه، مستحقا بذلك لقب شيخ شيوخ السلطة.

2- أفتى مظهر شاهين، إمام مسجد عمر مكرم، بتطليق الزوجة المنتمية لجماعة “الإخوان المسلمين”، متذرعا بأن “مصلحة الوطن والدين أهم من المصالح الشخصية”.

لما أوغلت سلطات الانقلاب في القتل والتنكيل بالشعب المصري المسلم، أرادت لذلك غطاء شرعيا، إيهاما وتضليلا للرأي العام، فلم تجد إلا ظهر هؤلاء الشيوخ السهل الامتطاء كمنصة لتمرير خطابات التكفير والتقتيل.

هؤلاء الذين لم يُكَلِّفُوها عَناء البحث عنهم، فقد أتوها تَطَّوُعًا وطَوَاعِيَّة، مُتَزَلِّفِينَ لوجه الله لا يريدون جزاء ولا شكورا.

فلم يتستسغ المصريون فتوى علي جمعة التي قتَّلت الأبناء في الشارع، حتى صُدموا بفتوى تطليق الزوجة الإخوانية، التي أرادت تخريب البيت من الداخل.

3- وثالثة الأثافي فتوى سعد الدين الهلالي -أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر- التي قال فيها بأن عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب الدموي، ومحمد إبراهيم وزير داخليته رسولان أرسلهما الله لإنقاذ مصر.

نعوذ بالله من الخذلان، ممن لَبَّسَ عليه إبليس، وختم الله على قلبه، فصار عبدا لهواه.

فهذا هذيان وأضغاث أحلام ووحي شيطان، قذفه في روع هذا الرجل لمجادلة أهل الحق بالباطل، والحمد لله على نعمة العقل التي تنقص هذا الرويبضة.

هذه بعض الخرافات التي أراد منها أصحابها تقربا وتَزَلُّفا للسلطة الحاكمة، وتشويها لإخوانهم من المسلمين، إلا أن السحر انقلب على الساحر، فشوهتهم هم أنفسهم، وأظهرت زيف دعاويهم، وضعف تمثيلهم لعلماء بلدانهم.

أوردناها للتحذير منها، وبيان شناعتها، وجِنَايَتِها على مقام الفتوى، وتَجَنِّيهَا على مكانة العلماء ملح البلد، الذي لم ولن يتأثر بتطرق الفساد إلى بعض أجزائه، التي هي بمثابة أورام بسيطة سهلة الإزالة والاقتلاع، وبالتالي المحافظة على سلامة جميع مكونات هذا الملح من الفساد.

ولهؤلاء أقول مذكرا: (وَاتّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمّ تُوَفّىَ كُلّ نَفْسٍ مّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) (سورة البقرة:281).

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M