قواعد النظام العام في المجتمع المغربي المسلم ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان

14 أبريل 2014 23:52
قواعد النظام العام في المجتمع المغربي المسلم ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان

قواعد النظام العام في المجتمع المغربي المسلم ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان

عبد الرحمان سعيدي

هوية بريس – الإثنين 14 أبريل 2014

هذا المقال هو رد على من ادعى أن قواعد النظام العام تتغير بتغير الزمان والمكان في المقال الذي نشر في الجريدة الإلكترونية “هسبريس” بتاريخ: الأربعاء 11 يوليوز 2012، تحت عنوان:

«لا… يا… وزير العدل… النظام العام تغير بفعل الدستور الجديد»! (1)

استهل صاحب هذا المقال كلامه بما يلي:

“في الوقت الذي ينادي فيه دعاة الحريات الفردية إلى الإقرار بتوسيعها والاعتراف بأحقيتهم في ممارستها وتعزيز حمايتها بما فيه الحرية الجنسية ولو خارج اطارها الشرعي الزواج، بشرط وجود الرضا والقبول المتبادل بين طرفيها الرجل والمرأة، ومناداتهم بالتبعية بإلغاء كل القيود القانونية، التي تنال وتقنن الحق الطبيعي بما فيه المادة 490 من القانون الجنائي المغربي، وتقديم كل من عارضهم جهرا في حق التعبير عن الحق قربانا للقضاء، اعتمادا على مرجعية حقوق الإنسان الكونية. فإن فريقا آخر من ممارسي السياسة باسم الدين يعارضونهم في الحق وفي التعبير عنه، وقد يصدرون فتاوى توصفهم بالديوث وتبيح هدر دمهم بذريعة حماية الإسلام، لأن من خالف تعاليمه جزاؤه الحد والتعزير شرعا ومتابعته وعقابه بجريمة زعزعة عقيدة مسلم في القانون الوضعي…

بدءا لا بد من الإشارة أن النظام العام بطبيعته فكرة سياسية واجتماعية ، لأن قواعده مستوحاة من حياة الأفراد الجماعية، التي تتغير في الزمان والمكان، فما هو من النظام العام في المغرب الآن تجريم العلاقة الجنسية خارج إطار الزواج ليس هو كذلك في اسبانيا…”(1).

فأقول وبالله التوفيق:

النظام العام في التعريف القانوني المعاصر:

يكاد يجمع شراح القانون الوضعي على أن فكرة النظام العام هي مرنة غير محددة، بمعنى أنها فكرة نسبية تتغير وفقا للمكان والزمان فهي تختلف من مجتمع إلى آخر، بل داخل المجتمع الواحد تختلف من زمان لآخر.

لذلك وجدوا صعوبة في تعريفه تعريفا دقيقا، فاكتفوا بتقريب معناه إلى الأذهان بقولهم:

إن النظام العام هو الأساس السياسي والاجتماعي والاقتصادي والخلقي الذي يسود المجتمع في وقت من الأوقات، بحيث لا يتصور بقاء مجتمع سليما من دون استقرار هذا الأساس وبحيث ينهار المجتمع بمخالفة المقومات التي تدخل ضمن هذا الأساس.

وقرروا تبعا لذلك ان القواعد القانونية المتعلقة بالنظام العام آمرة لا تجوز مخالفتها، لأنها تمس كيان الدولة السياسي والاجتماعي والاقتصادي والخلقي(2).

الآداب العامة جزء من النظام العام:

ورأوا أن التعبير الخلقي عن فكرة النظام العام هي الآداب العامة، التي هي مجموعة من القواعد الخلقية الأساسية والضرورية لقيام وبقاء المجتمع سليما من الانحلال، أوهي كذلك قدر من المبادئ التي تنبع من التقاليد والمعتقدات الدينية والأخلاق والتي يتكون منها الحد الأدنى للقيم والأخلاقيات التي يعد الخروج عليها انحرافا وتحللا يدينه المجتمع.

لذلك قرروا أيضا أن الآداب العامة لما كانت كذلك، فإن القواعد القانونية التي تتصل بها آمرة يمتنع على الأفراد مخالفتها، لأن في مخالفتها انهيار للكيان الأخلاقي للمجتمع. والآداب العامة بهذا المفهوم تكون جزءا من النظام العام.

وانتهوا إلى أن الآداب العامة هي مجموعة من القواعد وجد الناس أنفسهم ملزمين بإتباعها طبقا لقانون يسود علاقاتهم الاجتماعية(2).

النظام العام في المجتمع الإسلامي:

وإذا كان هذا مقررا عند فقهاء وشراح القانون الوضعي على اختلاف مشاربهم ومعتقداتهم، خاصة في المجتمعات الحديثة التي انفصمت عن أي عقيدة روحية، يمكن أن تشكل مرجعا ترتكز عليه قيمها وأخلاقها، فإن مقتضيات النظام العام والآداب العامة أوكد وأعرق في المجتمعات التي تنبثق قوانينها العامة من عقيدة راسخة في نفوس أفرادها، تلك العقيدة التي تضمن امتثال الناس لتلك القواعد وتوثق الصلة بين مختلف القواعد العامة وحيثياتها بما يجعلها وسيلة لتحقيق مقاصد سامية تؤطر لنظام عام متين وسليم، أساسه عقيدة روحية تضمن حفظه ورعايته، وغايته تحقيق المصلحة العامة للمجتمع.

وقد تشكل لدى هذه المجتمعات تراث قانوني وفقهي عريق نسجت خيوطه تلك العقيدة التي ربطت بين أفرادها برباط الأخوة والمساواة والتكافل، حتى أصبحوا بمثابة الجسد الواحد الذي يخضع لنظام واحد ينضبط بتلك القوانين والاجتهادات الفقهية والأعراف التي تغذيه وتقيم صلبه.

وكان هذا شأن المجتمع المغربي على غرار كثير من المجتمعات الإسلامية العريقة، فمنذ اختيار المغاربة الإسلام دينا ومنهجا لحياتهم كان النظام العام الذي ساد في المغرب عبر قرون مضت مستمدا من تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وكانت غايته تحقيق مصلحة الأفراد والجماعات، في توازن وانسجام، دون تغليب هذه المصلحة على تلك.

وقد أسس هذا النظام لأول مرة في التاريخ الإنساني لقيام نظام سياسي واقتصادي واجتماعي، كل ذلك في إطار شرعي مستمد من الوحي الذي ربط مختلف قواعد هذا النظام بالعقيدة، التي تلزم الأفراد والجماعات بمنظومة من القيم الأخلاقية الثابتة، التي تضمن رعاية وصيانة النظام العام في المجتمع، والتي لا تتغير بتغير البيئات والأزمان.

قواعد النظام العام في الفقه الإسلامي:

فالقواعد التي تنظم النظام العام في المجتمع المسلم منها ما هو ثابت لا يقبل التغيير والتبديل، مهما امتدت العصور وتغيرت البيئات، ومنها ما هو متغير يقبل الاجتهاد والتأويل، وذلك تبعا للثابت والمتغير في حياة الإنسان.

فالثابت منه، كالعقيدة والعبادات والآداب وأصول الحلال والحرام في المعاملات وأصول أحكام الأحوال الشخصية، قد اورد فيها الشرع الحكيم أحكاما تفصيلية قطعية لا مجال فيها للاجتهاد، كل ذلك محاط بسياج من القواعد الاخلاقية الثابتة والتي لا تغيير بتغير الأزمان والبيئات.

بينما أرشد الشارع إلى الاجتهاد لاستنباط أحكام مناسبة، تحقق مصالح الناس حسب البيئات والأزمان، في المتغير من فروع المعاملات وإجراءات تطبيقها.

الثابت في الجانب السياسي:

إمارة المؤمنين القائمة على البيعة الشرعية والشورى، لجمع الشمل ورأب الصدع ودفع الفتنة وإقامة الفرائض والحدود، وصيانة الدماء والأعراض وحفظ الأموال واستتباب الأمن، وفروع كل ذلك…

الثابت في الجانب الاقتصادي:

– الإلتزام بالقيم الإيمانية والأخلاقية، كالأمانة والصدق، والسماحة والعفة والتورع عن الشبهات وغير ذلك من القيم، عند ممارسة النشاط الاقتصادي.

– مجال المعاملات الاقتصادية هو الطيبات والكسب الحلال، من غير المحرمات المعلومة من الدين بالضرورة كالخمر والخنزير والميسر، وكل ما يؤدي إليها من كل ما يشتبه من الوسائل والطرق التي توقع في المحرمات، وتكون ذريعة إليها.

– تقديس الملكية الفردية، المقيدة بعدم الاعتداء على حقوق الآخرين وأدائها لحقوق المجتمع، وبناء التعامل على الرضى، وتحريم الربا بكافة صوره والقمار والاحتكار والغش والغرر والرشوة، وكل معاملة تؤدي إلي أكل مال الغير ظلما وعدوانا واستحلاله بدون وجه حق، كأن يكون أخذه عن طريق الحرابة والغيلة (ما أخذ بعد قتل صاحبه) والغصب والسرقة والاختلاس والخديعة والتعد والجحد.

– إشعار الإنسان بالاستخلاف في المال، وترغيبه في الإنفاق، وجعل المال في خذمة المجتمع، عونا للفئات المعوزة وطاعة لله تعالى.

– استثمار الأموال وفق قواعد الشريعة.

الثابت في الجانب الاجتماعي:

– بناء العلاقات الاجتماعية على أساس الإخاء والمساواة واحترام الكرامة الإنسانية، واحترام حرية الأفراد التي تكفلها الشريعة، وتحريم الطعن في الأعراض كتحريم الدماء والأموال ، ونبذ العنصرية والعصبية بجميع أشكالها كالقومية والقبلية، أو التمييز بسبب العرق أو اللغة أو اللون، وجعل التقوى والاستقامة في السلوك والأخلاق معيارا للتفاضل بين الناس، واعتبار التكافل الاجتماعي واجبا وتكليفا شرعيا.

– جعل الأسس السابقة، من إخاء وحرية ومساواة وكرامة ونبذ الفوارق المختلفة، من مرتكزات الحكم والقضاء.

– الحث على كل ما يقوي الصلات بين الناس من إفشاء السلام وبر الوالدين والإحسان إلى الأقارب والجيران وكل الناس، والتحذير من كل ما يسبب العداوة والبغضاء وقطع الصلات، من كراهية وحقد وحسد وغيبة ونميمة وتحسس وتجسس، أو إفشاء أسرار الغير وتتبع عثراتهم وعوراتهم وغيرها.

– تحريم الزنا وعمل قوم لوط والسحاق، وإشاعة مظاهر الفاحشة في المجتمع بمختلف الوسائل.

– تحريم المجاهرة بالمحرمات المعلومة من الدين بالضرورة وانتهاك حدود الله التي أمر برعايتها، كالمجاهرة بالزنا أو بشرب الخمر أو بالقمار وغير ذلك من كل ما نهى عنه الشرع وحذر منه. 

– تنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة بآداب وأخلاق سامية لصيانة المجتمع من الرذيلة والانحلال. واعتبار الزواج بين رجل وامرأة ميثاقا شرعيا وحيدا لتكوين الأسرة، وفق الشروط والأركان الشرعية المرعية، ووفق الفطرة الإنسانية السليمة.

الآداب العامة في المجتمع الإسلامي من الحدود التي لا يجب انتهاكها:

وإذا قلنا بأن التعبير الخلقي عن فكرة النظام العام هي الآداب العامة التي هي مجموعة من القواعد الخلقية والضرورية لقيام وبقاء المجتمع سليما من الانحلال… نجد أن مراعاة جميع القواعد والثوابت السابقة لا يعني إلا وجوب تمثل الآداب الشرعية العامة في المجتمع الإسلامي، تلك الآداب التي تعتبر من الحدود التي لا يجب على أحد انتهاكها، صيانة لقواعد النظام العام، والتي تدخل في فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو فرض كفاية، والتي أوجب الشرع على كل أحد رأى من ينتهك من ذلك شيئا أن يرفعه إلى القاضي والشهادة عنده، صيانة للنظام العام.

الخضوع للنظام العام الإسلامي خضوع طاعة وعبادة:

فخضوع الأفراد في المجتمع الإسلامي لهذا النظام هو خضوع طاعة وعبادة لله عز وجل، ومخالفتهم هو عصيان وخروج عن طاعته، فهذا النظام يوجب على كل من لزمه أن تكون إرادته خاضعة لقواعده، فلا يتصور في المجتمع المسلم ان تخالف إرادة أي فرد من أفراده تلك القواعد العامة ولا أن توجد فيه إرادات متعارضة ومتضاربة، فكل تعبير عن أي إرادة ترغب في مخالفة هذه القواعد هو شذوذ عن النظام العام وعن الضمير الجماعي للأمة.

 فقد قال الحق سبحانه صاحب هذا النظام: “وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا” (سورة الأحزاب:37).

وبناء على ذلك فكل تصرف للأفراد يجب أن يخضع لكل تلك القواعد والمبادئ، تحقيقا للعبودية لله تعالى واستجابة لأمره وإظهارا لطاعته عز وجل، واتباعا لسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.

كما أن أي إرادة لأي فرد من أفراد المجتمع لابد أن تكون مقيدة بتلك الضوابط الشرعية في جميع شعبها وفروعها، بحيث يكون القصد من وراء كل قول او فعل خالصا لله عز وجل خاليا من تعمد الإثم والعصيان.

وتعتبر مخالفة أي إرادة لتلك الآداب، في أدنى تفاصيلها، مخالفة لله ورسوله يحاسب الحق سبحانه وتعالى عليها صاحب القصد الآثم، ما لم يعدل عن ذلك القصد ويتوب عنه ويستغفر الله.

ضرورة مراعاة قواعد النظام العام الإسلامي في التشريع:

وإذا كان هذا شأن الأفراد فهو بالأحرى شأن المجتمع كله، والمتمثل في مؤسسات الدولة من سلطة تنفيذية وقضائية وتشريعية، التي يتحتم عليها أن تراعي جميع تلك القواعد والآداب في كل يصدر عنها من مراسيم أو تتخذه من قرارات أو تصدره من تشريعات. كما يتحتم ذلك على مؤسسات المجتمع المدني في كل الأنشطة التي تقوم بها.

فلا يجوز الادعاء بوجود إرادات لدى الأفراد في المجتمع يجب اعتبارها والتشريع لها، إذا كانت هذه الإرادات آثمة تخالف الشرع وتجافيه، لأنها إرادات غير معتبرة شرعا، فهي ملغاة وشاذة لا يلتفت إليها. وما ترتيب الثواب والعقاب على المقاصد والإرادات إلا دليل قوي على إقرار الشرع منذ الأزل بوجود إرادتين، إحداهما بارة طائعة أثنى عليها وحث على تبنيها، وأخرى شقية آثمة توعدها بالعقاب وحذر منها ومن الاقتداء بها.

ووفقا لذلك لا يجوز أن نقول بأن قواعد النظام العام في المجتمع المسلم تغيرت بتغير إرادات الأفراد، إذا وجد في المجتمع من يعبر عن رغبته في الإثم والمعصية والخروج عن طاعة الله ورسوله ومخالفة أوامرهما وتعاليمهما في بعض تلك القواعد أو كلها، مهما كثر عدد المخالفين من هؤلاء العصاة، لأن إبداء الرغبة في المعصية لا يضفي عليها صفة المشروعية، بل على العكس فإن الشرع قد منع الإفصاح عن المعصية وأرشد من ابتلي بشيء من ذلك إلى التستر والتوبة من قريب، وتوعد بالمقابل المجاهرين والمشيعين للفاحشة في المجتمع بالعذاب الأليم، في كل زمان ومكان.

وبهذا يرد قول القائل :”فالنظام العام نسبي في الزمان والمكان، ومن تم فإن المطالبة بإلغاء تجريم ممارسة الجنس خارج الزواج، هو تعبير عن إرادة قائمة الوجود وتتنازع مع إرادة أخرى ترفض المطالبة به، وهو في حد ذاته تعبير عن تحول في الفكرة التي تشكل النظام العام، الواجب التدخل بقاعدة لحماية الوضع وتحديد مضمونه الجديد، فهل تدخل النظام العام الحالي لحماية هذه الإرادات؟”(1).

النظام العام في ظل الدستور المغربي الحالي:

قال القائل: “إن الدستور هو الذي يحدد مضمون النظام العام ومنه تستمد القواعد القانونية مشروعيتها، والدستور المغربي الحالي المصادق علية في الفاتح من يوليوز 2011 يحوي ويضمن حماية الإرادتين، فمن جهة يتبوأ الدين الإسلامي مكانة الصدارة ومن جهة أخرى يتضمن تعهد المغرب بالتزام ما تقتضيه المواثيق الدولية، من مبادئ وحقوق وواجبات، ويؤكد تشبته بحقوق الإنسان وفق ما هي متعارف عليها عالميا، ويتضمن التزام المغرب بحماية منظومة حقوق الإنسان والقانون الدولي الانساني مع مراعاة طابعهما الكوني وعدم قابليتها للتجزئ”(1).

وتغير الدستور وفق ما جاء في هذا الكلام، لا يعني إلغاءه لقواعد النظام العام الإسلامي الذي قام عليه المجتمع المغربي وبنيت عليه العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية طيلة قرون عدة، خصوصا وان الدستور الجديد يؤكد أن الدين الإسلامي من أهم الثوابت الجامعة للأمة في حياتها العامة، فيكرس بذلك النظام العام الإسلامي ويحميه، ويكون ذلك تنصيصا منه على استمداد مشروعيته منه.

فقد نص هذا الدستور، المغربي لسنة 2011، في الفقرة الثالثة من الفصل الأول منه على ما يلي:

«تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي».

فلا مجال للإدعاد بأن الدستور المغربي يحمي “الإرادتين”، أي إرادة تنتهك قواعد النظام العام القائم والذي يحميه الدستور نصا وروحا، وتطالب بالحق في المجاهرة بفاحشتها والاعتراف بها وحمايتها، وإرادة أخرى محافظة على تلك الثوابت والقواعد، لأن هذا الادعاء يرده نص الدستور نفسه بما نص عليه من تبنيه للإسلام دينا ومنهجا، حيث اعتبر أن الدين الإسلامي هو من أهم الثوابت الجامعة التي تستند إليها الأمة في حياتها العامة.

وتضمن الدستور: “لتعهد المغرب بالتزام ما تقتضيه المواثيق الدولية، من مبادئ وحقوق وواجبات، وتأكيده تشبته بحقوق الإنسان وفق ما هي متعارف عليها عالميا، وتضمنه كذلك التزام المغرب بحماية منظومة حقوق الإنسان والقانون الدولي الانساني مع مراعاة طابعهما الكوني وعدم قابليتها للتجزئ”:

كل ذلك لا يتنافى مع ذلك التنصيص، الذي هو تبني هذا الدستور للإسلام والتزامه بقواعده، لأن تلك المواثيق الدولية تنص صراحة بضرورة احترام القانون السائد والنظام العام القائم والمصلحة العامة لكل بلد، وذلك عند ممارسة الافراد لحقوقهم وحرياتهم وفق ما جاء في الفقرة الثانية من المادة التاسعة والعشرون للميثاق العالمي لحقوق الإنسان.

فلا تنافي إذا بين الأصل القائم في هذا المجتمع والذي هو هذا النظام العام الإسلامي وبين ذلك الالتزام، فالالتزام بالمواثيق الدولية ليس بدعة في الإسلام، فهو أحد الأسس التي قام عليها، بل إن الوفاء يعتبر من أوجب الواجبات والفرائض في هذا الدين، مادام لا يخل بالأصول ولا بالمبادئ الأساسية والقواعد العامة وروح التشريع، ولا يخالف شيئا من المعلوم من الدين بالضرورة.

كما أن تغير التشريع في بعض الفروع الفقهية، وفق ما جاء في مضمون كلام القائل، لا يمس بالقواعد العامة والأحكام الكلية للنظام العام، لان ذلك إنما يدخل في إطار ما يقبل التغيير وما لا يقبله، بتغير الزمان والمكان، أو ما هو قطعي أو ظني، أو ما يقبل الاجتهاد وما لا يقبله، كما سبقت الإشارة آنفا.

ولا اعتبار للاستدلال باختلاف النظم العامة باختلاف البلدان على نسبية النظام العام باعتبار الزمان والمكان، لما قدمنا من اختلاف المرجعيات والمبادئ بين النظام العام الإسلامي وغيره، حيث يقوم النظام العام الإسلامي على الثوابت القطعية التي لا تقبل التغيير، على خلاف غيره من النظم الوضعية التي تتغير بتغير الأفكار والإيديولوجيات والفلسفات الاجتماعية.

خاتمة:

فمثل هذا الإدعاء هو تمويه للحقائق وتلبيس للحق بالباطل، إذ لا مجال لأن يقاس النظام العام في البلد المسلم بغيره من الأنظمة غير الإسلامية، فقواعده كما سبق الذكر مستمدة من عقيدة راسخة في وجدان الافراد وعليها أسسوا علاقاتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتي تمثلت في الأعراف والعادات السائدة في كل المجالات في المجتمع وترسخت جذورها في التاريخ.

فالنظام العام في البلد المسلم إذا ليس فكرة تتحول وتتغير في الأذهان بتغير الأهواء والرغبات، أو تتغير حسب تغير الظروف أو بتغير الزمان والمكان أو تتقلب بتقلب الأحوال، أو تميل مع الشهوات والنزوات.

نعم إنه من “الواجب التدخل بقاعدة لحماية الوضع” القائم منذ قرون عدة “وتحديد مضمونه الجديد” بما يتوافق مع تلك القواعد الثابتة والآداب السامية والاخلاق الفاضلة، وفق الثابت والمتغير، كما سبق. خاصة وأن الدستور يحمي هذا النظام العام المتوارث ويجعله من الثوابت الجامعة، بل من أسمى المقدسات التي لا يجوز المساس بها او التهاون في حقها أو انتهاك حرمتها.

فإن النظام العام في المجتمع المغربي المسلم من الحرمات، له قواعد مبنية على أصول قطعية ثابتة ملزمة، لا تتغير بتغير الزمان والمكان، تحقق إنسانية الإنسان وتحفظ كرامته وتصون المجتمع من الرذيلة والانحلال.

 

“فهل من متدخل لحماية النظام العام الحالي من هذه الإرادات الفاسدة والهدامة؟”

والله المستعان وهو ولي التوفيق.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

الهامش:

(1) المقال : نشر في جريدة هيسربريس يوم: الأربعاء 12يوليوز 2012، أنظر الرابط التالي:

http://www.hespress.com/writers/58052.html

(2) هذه الفقرة مقتبسة.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M