الاستفتاء ليس شرطا لـ«تقرير المصير» يا محمد عبد العزيز ولا «الانفصال» أيضا

05 مايو 2014 17:30
الاستفتاء ليس شرطا لـ«تقرير المصير» يا محمد عبد العزيز ولا الانفصال أيضا

الاستفتاء ليس شرطا لـ«تقرير المصير» يا محمد عبد العزيز ولا الانفصال أيضا

هوية بريس – ذ. محمد غربي

الإثنين 05 ماي 2014

كثيرا ما نسمع على أفواه بعض المراهقين “الصحراويين” ذلك الشعار “الرنان” الذي يدغدغ آذان قيادة البوليساريو، شعار “لا بديل، لا بديل عن تقرير المصير”، والذي يصدعون به رؤوسنا عند كل زيارة لوفد أجنبي لإقليم الصحراء، وكأن هذا الشعار هو تلك التعويذة السحرية التي ستخيف المارد المغربي وتعود به إلى القمقم.

ففي أعقاب القرار رقم 2152 الصادر نهاية شهر أبريل الفارط عن مجلس الأمن، والقاضي بتمديد مهمة بعثة المينورسو إلى الصحراء سنة إضافية دون إحداث أي تغيير في طبيعة مهمتها، خرج علينا أيضا زعيم جبهة البوليساريو محمد عبد العزيز بتصريحات “ثورية” و”دونكيشوطية” يطالب فيها الأمم المتحدة بتنظيم الإستفتاء من أجل تمكين “الشعب الصحراوي” من حقه في تقرير المصير “انسجاما مع ما أسماه القوانين الدولية التي تكفل هذا الحق للشعوب والمناطق المستعمرة”، ومرددا نفس الشعار “لا بديل، لا بديل عن تقرير المصير”.

حسنا!!! فلننظر للأمر من زاوية محايدة ودعونا نتجاوز عن هذا القرار الأخير الصادر عن مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء وعن كل تلك القرارات التي سبقته، ولنضع عاطفتنا الوطنية جانبا ونتناول الموضوع من زاوية محايدة، ونركز فقط على كيفية تطبيق مبدأ “تقرير المصير” ولنتناول هذا الموضوع من وجهة نظر قانونية صرفة اعتمادا على نفس المواثيق الدولية – التي يطلب محمد عبد العزيز ومعه “البوليساريو” أو ما تبقى منها – من الأمم المتحدة تطبيقها، ولنرى إذا كان “الاستفتاء الشعبي” يعتبر فعلا الآلية القانونية الوحيدة لتقرير المصير؟ وهل فعلا يعتبر خيار “الاستقلال” هو الحل الوحيد لإنهاء مشكل الصحراء “الغربية”؟

بالرجوع إلى مواثيق الأمم المتحدة نجد أنها تعتبر حق “تقرير المصير” من الحقوق الأساسية التي كرستها بنود القانون الدولي بموجب قرارات الأمم المتحدة خصوصا القرارين رقم 1514 و1541 الصادرين عن الجمعية العامة سنة 1960، ثم القرار رقم 2625 لسنة 1970 وقد جاءت جميع نصوص القرارات الأممية بصيغة واضحة تمنع كل التباس وتشدد على “اهتمام الأمم المتحدة بتحرير شعوب العالم من الاستعمار، وحقها في إقامة كياناتها الوطنية المستقلة، ومساندتها حركات التحرير في أي أراض محتلة، من منطلق تصميمها على إنهاء الاستعمار بجميع أشكاله”، وبالعودة أيضا إلى القرار المرجعي للأمم المتحدة رقم 1514 نجد أنه يحمل عنوانًا جد دقيق ألا وهو: “تصريح حول منح الاستقلال للأقطار والشعوب المستعمرَة”، إذن فالمغزى واضح ولا لبس فيه، فمبدأ “تقرير المصير” يهدف إلى مساعدة الشعوب “المستعمرة” على تقرير مصيرها، ولنضع خطين أحمرين على كلمة “مستعمرة”.

سيقول قائلهم إن قضية الصحراء هي قضية “تصفية استعمار” بدليل إدراج ملفها في إطار المهام الموكولة اللجنة الرابعة للأمم المتحدة الخاصة بتصفية الاستعمار، والجواب بسيط ويعود إلى سنة 1963م حيث أن المغرب هو من تقدم بطلب إدراج ملف ما كان يسمى وقتها بـ”الصحراء الإسبانية” في لائحة المناطق التي يجب إنهاء الاحتلال فيها. وبالتالي إدراجها في إطار عمل اللجنة الخاصة لتصفية الاستعمار التابعة للأمم المتحدة، وهذا يعني أن اللجنة ورثت هذا الملف منذ الستينات رغم أن المغرب قدم فيما بعد عددا كبيرا من الحجج والأدلة القانونية التي تثبت حقّه في الإقليم وإنه جزء لا يتجزأ من التراب المغربي.

وبالرجوع دائما إلى قرارات الأمم المتحدة وميثاقها نجد أن جميع البنود تؤكد على مبدأ “تقرير المصير” كوسيلة بيد الشعوب “المستعمرة” فقط، لتقرير مصيرها لكن هذه القرارات لم تحدد أبدا “الاستفتاء الشعبي” كوسيلة حتمية لتقرير المصير، كما أن “الاستقلال” ليس بالضرورة هو النتيجة الوحيدة التي يمكن أن يفضي إليها “تقرير المصير”، فقد تناول ميثاق الأمم المتحدة مثلا قضية تقرير المصير في الفصلين 11 و12، حيث تشير المادة 73 من الفصل 11 إلى ضرورة مساعدة الساكنة “على إنماء نظمها السياسية الحرة نمواً مطرداً، وفقا للظروف الخاصة لكل إقليم وشعوبه، ومراحل تقدمها المختلفة”. وقد حددت الجمعية العامة أربعة حلول مختلفة وواضحة لتقرير المصير وهي: 1- الاستقلال، 2ـ الشراكة، 3-الاندماج (قرار1541) أو 4- كل وضع سياسي تقرره بحرية (قرار2625).

وقد تركت هذه المواثيق الدولية آلية تقرير المصير مفتوحة وغير مقيدة “بالاستفتاء” وحده، حيث لم يرد ذكر هذه الآلية في أي بند من بنود الميثاق الأممي أو قرارات الجمعية العامة وبالتالي فالاستفتاء ليس قناة ضرورية أو حتمية من اجل ممارسة حق تقرير المصير، كما يتضح جليا أن القانون الدولي لا يعتمد خيار “الاستفتاء” كآلية لتقرير المصير وبالتالي فكل إصرار عليه فهو غير صحيح وغير مؤَسَّس.

من جهة مقابلة تماما يرى فقهاء القانون أن شِرعة الأمم المتحدة التي نصت على مبدأ “تقرير المصير” كآلية لإنهاء الاستعمار هي نفسها تماما التي تؤكد على حق آخر أكثر قوة وقدسية قانونيًا وتاريخيا ألا وهو حق الدول في الحفاظ على وحدتها وسيادتها ضمن حدودها التاريخية، وبالتالي، فحق تقرير المصير لا يمكن أن يتم استعماله بأي شكل من الأشكال لتفتيت الدول أو احداث انفصال عن السلطة القائمة أو تمرد عليها، خصوصًا إذا كان الانفصال موحى به ومدعوم من طرف خارجي، عادةً ما يكون جارًا للدولة المقصودة بالاستفتاء.

وختاما أقول لكل انفصالي مرحبا بتقرير المصير، لكنه أبدا لن يكون عن طريق ذلك الاستفتاء الذي تمنعون الصحراوي الحقيقي من المشاركة فيه في حين تقحمون فيه الجزائري والطوارقي وغيرهم من هوام الدول الإفريقية الذين تكدسونهم في مخيمات اللاجئين بالتندوف، ولكن إذا كان ولا بد فسيكون “تقرير المصير” وفق مقاربات ميدانية تراعي حق السيادة المغربية ومصلحة السكان الصحراويين الأصليين، بمعايير دولية كما حددتها قرارات الأمم المتحدة التي أكدت غير ما مرة على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الواقعية السياسية الموجودة على الأرض وليست فقط تلك الخطب والشعارات التي تحسنون إلقائها من المنابر.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M