أمة التفاهات ذاك مصيرك

18 يونيو 2014 22:07
أمة التفاهات ذاك مصيرك

أمة التفاهات ذاك مصيرك

ذ. أحمد اللويزة

هوية بريس – الأربعاء 18 يونيو 2014

لكل أمة ماض وتاريخ تعتز به وتفتخر به وتنتسب إليه، فأمة بلا ماض أمة لقيطة، وللأسف الشديد أن تكون تلك اللقيطة المنزوعة الأصل هي التي تسود أمة ماضيها عريق ومجدها تليد وسلفها سديد وتاريخها مديد، حافل بالمكرمات والفضائل التي نفخر بها نحن المسلمين.

لكن هوة سحيقة ضربت بيننا وبين هذا الماضي السعيد لنعيش حاضرا ملئيا بالتعاسة والشقاء، ففصل بيننا وبين ماض العلم والمعرفة لنعيش حاضر الجهل والغباء، وبين ماضي الرقي والرخاء لنحيا حاضر التقهقر والغلاء.

لقد ولى ماضي الانتصارات والبطولات وحل محله حاضر الهزائم والانكسارات، فلنبكي ماضي القيادة والريادة في الحاضر الذي رضينا فيه بالتبعية وفقدان الإرادة، فلنبكي مجدا تليدا بأيدنا أضعناه حتى صرنا كالنعاج نساق إلى الموت مسلوبي الإرادة والاختيار.

فلنعش كذلك؛ فتلك نتيجة طبيعية لأمة اختارت التفاهات والعبثية مبدأ في الحياة، ومن زرع الشوك لا يجني العنب، ومن طلب العلا لم يشتغل بالرقص. فنحن أم راقصة بامتياز نرقص على نغمات الألم، وسمفونية الجراح، غير مبالين بأشلاء ولا دماء و لا دمار، ممزقي الأوصال ليس يجمعنا رابط  رغم أننا نتسبب إلى الإسلام، الدين الذي جاء ليؤلف القلوب ويوحد الكلمة ويجمع الشمل، حتى نكون أمة في مكانة بقدر مكانة قدر الدين عند الله، فإذا عظمنا دين الله في نفوسنا وقدمناه في حياتنا عظَّم الله أمرنا ورفع شأننا وقدمنا على سائر الأمم.

لكن اليوم بعد أن تبرأنا من ديننا -رغم نسبتنا إليه- كان الجزاء من جنس العمل، حيث أخرنا الله ورفع شأن الأنذال ومكنهم من رقابنا، ليس لأنهم أهل لذلك ولكن عقابا لأمة فرطت في دينها، لأنه قد يقول مغرض أو جهول:

«لم تقدمت أمم الكفر وليست على الإسلام، وتأخر من يزعمون أنهم مسلمون وأن الله يمكن لأهل الإسلام، أليس الله تعالى يقول: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}..»؟!

نعم صحيح ولكن المؤمنين الذين وعدهم الله بالنصر هم من جعلوا الدين منهج الحياة، لا تلتفتون عنه يمنة ولا يسرة، والأمة التي وعدت بالنصر أمة عالية الهمة، وشاخصة البصر، وثابتة الفؤاد، ذات عقول كبيرة تهتم بالأشياء الكبيرة لتعيش كبيرة المكانة عالية الهمة..

بهذا تسمو أمة اختارت الإسلام دينا وبنت عليه مشروع حضارة فتسود كما ساد من سبق بالإسلام، وتسقط لما سقط الإسلام من الحسبان ولم يعد سوى ممارسات شخصية خاضعة للمزاح أحيانا كثيرة، كما حال أهل الإسلام في هذا الزمان، والذين ابتعدوا عن الإسلام فسلط الله عليهم ذلا لا يرفعه عنهم أبدأ إلا بشرط بينه عليه السلام في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود وصححه الألباني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وله وسلم يقول: «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم».

ومن تأمل الحديث وجد تفاهات صارت هي كل المنى وغاية الأمنيات عند سواد أمة الإسلام، حتى سلط الله عليها الذل وما أقبح  الذل وأصعبه حين يتحكم في رقبتك اليوم من كنت تتحكم في رقبته بالأمس، كما جاء في الحديث عند الإمام أحمد قوله قال عليه الصلاة والسلام: «لو كانت ورائكم أمة من الأمم لخدمن نساؤكم نساءهم كما يخدمنكم نساء الأمم قبلكم»، فما أشد أن تكون مخدوما فتصير خادما تلك قمة الإهانة والمذلة.

فالظاهر إذن أن واقعنا الأليم وحاضرنا اللئيم بلؤم كثير من المسلمين ـوما لزماننا عيب سواناـ ناتج عن ضعف في الهمم وخوار في العزائم، وانشغال بسفاسف الأمور واهتمام بتفاهات الحياة، فلم يعد الواحد من مسلمي آخر الزمان يفكر خارج دائرة بطنه وفرجه وشكله، كل همه ماذا يأكل؟ وماذا يلبس؟ وكيف يلبس؟

فتجد الرجل أو المرأة يتبع آخر صيحات الموضة وتقليعات الشعر، وآخر إبداعات التكنولوجية الترفيهية الاستهلاكية، ليمارس نوعا من النفاق والرياء الاجتماعي، ويصير هم أمة وشغلها الشاغل هو أكبر طاجين، وأكبر قصعة كسكس، وأكبر أومليط، وأكبر جلابة، وأكبر مهرجان… حتى صرنا أكبر مهزلة في التاريخ.

فعودا حميدا إلى الدين فهما وعلما وعملا، فذلك شرط ربنا لرقينا في الدنيا وفلاحنا في الآخرة، فما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعا، وما أقبح الكفر والإفلاس بالرجل، فإنها أعمار فنيت، وجهود ضاعت، وأموال بددت في التفاهات وصغائر الأمور، فلم نزدد إلا بعدا وسحقا، ولا زلنا نردد خلف السراب أن غدا مشرقا زاهرا منشودا ينتظرنا، ونحن لا زلنا على نفس الطريق نمشي ونسلك ذات السبيل الذي أوردنا موارد الذل والهوان.

فحتى تعودوا إلى دينكم شرطا في الكرامة مشروطا ها نحن نسلي النفس بالأماني نرقبها، فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل، ومن سار على الدرب وصل.   

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M