«بابا نويل» في إفريقيا

31 ديسمبر 2014 18:46
«بابا نويل» في إفريقيا

«بابا نويل» في إفريقيا

مسرور المراكشي

هوية بريس – الأربعاء 31 دجنبر 2014

كل عام وأنتم طيبون أيها الأفارقة الأباة، أنتم “الحفاة العراة” المضطهدون بحكامكم قبل الأجنبي “أمراض حروب مجاعة..”، ومع ذلك ترقصون ولا تبالون لتحيا إفريقيا الأمل فعلا لن تجد هذه التناقضات إلا في هذه القارة السمراء، فيها كل شيء وليس فيها أي شيء، كيف ذلك؟

نعم فيها أرض خصبة ومياه غزيرة سواعد قوية ومعادن نفيسة، ومع ذلك تمد اليد للأجنبي مستجدية فتات الطعام الخارج من رحم أرضها المعطاء.

فلتصمت الطبول وليتوقف الرقص “الهستيري” على الجراح، لنمنح لأنفسنا فرصة لالتقاط الأنفاس ولحظة لتأمل في واقعنا الكئيب، فلمصلحة من يقتل الأسود أخوه الأسود، ثم تمزق الشعوب وينفصل الشمال عن الجنوب أو العكس؟

قد تجد السلاح في الأسواق ولا تجد البطاطس، من يؤجج الصراع ويحي النعرات بين الأفارقة من عرب وزنوج وأما زيغ؟

قد يكمن الجواب في سؤال آخر، هو من المستفيد من تخلف القارة السمراء؟

فربما وجدنا السيد “نويل” المستفيد الأول من تمزقنا وفرقتنا ، فالمعروف عن هذا السيد “النبيل” حبه للأطفال وتوزيعه للهدايا بالمجان، لكن لنحذر فالمظاهر خداعة في غالب الأحيان.

لقد استفزتني لقطة في نشرة الأخبار بأحد القنوات الفضائية، وهي بالضبط من جنوب السودان المنفصل حديثا عن شماله، حيث يظهر في الصورة محل تجاري يعرض سلع خاصة بمناسبة رأس السنة الميلادية، تتقدمها الدمية الرمز “بابا نويل” بسحنته البيضاء ذات الملامح الأوروبية تتوسط الزنوج، لقد كان من الأفضل لهم طلائه بالسواد ـ”تفحيمه”ـ لينسجم مع المنظر العام، ويستخفي دون إثارة انتباه الأفارقة السود، فنحن في النهاية بقلب إفريقيا الاستوائية السوداء التي عانت من اضطهاد “الرجل الأبيض”، ففي القرن الماضي هلك الملايين من الزنوج المرحلين قصرا إلى مزارع القطن بأمريكا الشمالية، وفي هذا الصدد يجب الرجوع لرواية “كونتا كنتي” أو مسلسل “الجذور” للمؤلف الأمريكي “ألكس هيلي”، وكذلك الشأن بمناجم الفحم الأوروبية التي كابد فيها العمال الأفارقة ظروف جد قاسية مات بسببها آلاف الشباب الإفريقي ليعيش الإنسان “الأبيض” في بحبوحة من العيش الرغيد، فعجبا كيف أصبح “بابا نويل” بسحنته البيضاء مقبولا من طرف الزنوج؟

لقد كانت من بين مبررات الانفصال عن الشمال الهوية الإفريقية لزنوج، حيث قالوا: “أنتم عرب بيض ونحن أفارقة سود” إذن فلننفصل، طبعا هناك مبررات أخرى “اقتصادية واجتماعية..”، لكن البعد العرقي كان الأقوى صوتا وصيتا كذلك، لقد تم توظيف “الزنوجية” مقابل “العروبية” وتم الانفصال بالفعل.

قد نتفهم تقاليد الغربيين في الاحتفال برأس السنة المسيحية، فالجغرافية والجو يؤثر في الناس وثقافتهم كذلك، فالثلوج البيضاء تغطي المشهد حيث يتفنن الناس في تزين شجرة “لكريسماس” ماشي “الكرموس الهندي”، ويأتي “بابا نويل” فوق عربته المشهورة يوزع الهدايا على أطفال “السويد” أو “النرويج” مثلا، وتأملوا معي هال تسقط الثلوج بـ”جوبا” عاصمة جنوب السودان أو الخرطوم عاصمة الشمال؟ إن الحرارة تصل إلى أزيد من 50درجة، فلن يستطيع السيد “نويل” ارتداء معطفه الشتوي الدافئ وقبعته الحمراء في هذا الجو الاستوائي الخانق، إذن فهو مضطر لخلع ملابسه الشتوية، والاستعاضة عنها بلباس الأفارقة الفضفاض صاحب التهوية الذاتية.

 لقد استمعت مرة للإذاعة “صوت أمريكا” وهي الإذاعة الرسمية لحكومة أمريكا، وكان هناك برنامج بمناسبة عيد رأس السنة المسيحية، وقد استضاف معد البرنامج عدة أطفال من بلدان مختلفة، وطرح عليهم سؤال واحد هل تحتفلون برأس السنة الميلادية؟ فكانت الكثير من الأجوبة المختلفة، لكن الذي استرعى انتباهي هو جواب طفل عربي وآخر يهودي الأول قال: “نعم نحتفل بهذا العيد نأكل الحلوى ونأخذ صور مع بابا نويل” انتهى جواب الطفل العربي.

أما جواب الطفل اليهودي فكان كالتالي: “لا نحتفل معهم هذا عيد المسيحيين وحدهم” دون تعليق.

 ملاحظة: في نظري “بابا نويل” غير مرحب به في إفريقيا، لأسباب تاريخية فكل النزاعات الحدودية والانفصالات ساهم شخصيا في خلقها ورعاها بهداياه المسمومة “أسلحة فتاكة”، أو بطريقة غير مباشرة وذلك عبر وكلاء مرتزقة، فكان عليه الاعتذار أولا ورد الأموال المنهوبة والكرامة المهدورة وترك الشعوب الإفريقية تختار حكامها دون “فيتو” أمريكي أو أوروبي كما يقع الآن في مصر، ثم لا بأس بعد ذلك من إقامة حفل عادي فنحن الأفارقة نحب الرقص بمناسبة أو بغيرها حتى في أحلك أيامنا .

أبالمعطي أش ظهليك في” بابانويل” أو لحتفال بعيد النصارى؟ الله يهدي ما خلق أولدي أو للي اتلف يشد لرض.

[email protected]

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M