حول جدل الإجهاض… بعيدا عن الدين… وجهة نظر…

13 مارس 2015 18:04
حول جدل الإجهاض... بعيدا عن الدين... وجهة نظر...

حول جدل الإجهاض... بعيدا عن الدين... وجهة نظر...

عبد الصمد حضري

هوية بريس – الجمعة 13 مارس 2015

إن الناظر إلى دعوات المطالبين بتقنين الإجهاض يجد أن دوافع أصحابها المعلنة على الأقل لا تخرج عن نقاط محددة ولو اختلفت العبارات وتنوعت فإن مطلبهم ومقارباتهم وطرحهم العام مبني ومدعوم بأسس يمكن أن نجملها فيما يلي:

ـ الأعداد الكبيرة والمهولة لحالات الإجهاض السري تستدعي التدخل لتقنين الظاهرة.

ـ الإجهاض أمر واقع وحاصل شئنا أم أبينا لذا يجب التعامل معه بدل حجب الشمس بالغربال.

ـ المرأة حرة لتتصرف في جسدها كيفما تشاء.

ـ ما ينتج عن الإجهاض من أضرار نفسية وصحية تلحق بالمجهضة.

ـ تقنين الإجهاض سيشمل فقط حالات بعينها كالاغتصاب والتشوه الخلقي للجنين.

تلك أبرز مسوغات المنادين بمحاربة الإجهاض السري، وهذه مناقشة مقتضبة لتلك الأسباب والمسوغات كل واحد منها على حدة.

(1)

تروج الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري أرقاما لحالات الإجهاض في المغرب تترواح ما بين 600 و800 حالة في اليوم الواحد، وهناك رواية أخرى ضعيفة تقول أن العدد قد يصل إلى 1000 حالة يوميا.

وبما أن الإجهاض عملية تتم بشكل سري ولا وجود لآليات تتبع أو رصد أو قياس رسمية أو غير رسمية تعنى بمراقبة الظاهرة فلا توجد أي معطيات وأرقام لها مصداقية حقيقية يمكن الرجوع إليها لدراسة الظاهرة وبناء الأحكام عليها.

ونحن لسنا طبعا بِدعا من الدول ولا شذوذا بين الأمم في النفخ في أرقام حالات الإجهاض السري وتضخيمها وتهويل الظاهرة لصناعة المادة الإعلامية ولفت الانتباه ودعم دعاوى المطالبة بالتقنين.

فعندما لا تكون الإحصائيات الحقيقية كافية لإقناع الرأي العام بضرورة سن قوانين تبيح الإجهاض علنا فلا بأس إذا من اللجوء إلى الكذب وتزوير الأرقام حتى تصبح الظاهرة بالحجم والأهمية الإعلامية الكافيين لإثارة النقاش حول تقنين الظاهرة وتنظيمها قانونيا.

يقول البروفيسور الأمريكي برنار ناتونسون، أحد الأطباء الذين يقومون بعمليات الإجهاض في الولايات المتحدة الأمريكية ومخرج فيلم “الصرخة الصامتة” في مجلة “ويستلبلور” بعدد يناير 2003: “لو تم القيام فيما مضى (أي قبل تقنين الإجهاض في الولايات المتحدة) باستطلاعات رأي حقيقية، لسُقط في أيدينا نحن الأطباء الذين يقومون بعمليات الإجهاض، لقد قمنا ببساطة باختراع أرقام وهمية وأعلنا عبر وسائل الإعلام أن نتيجة البحث الذي قمنا به تقول أن 60 بالمئة من الأمريكيين هم مع الإجهاض. إنه تكتيك معروف… لكي نروج لبرنامجنا الداعي لتحرير الإجهاض قمنا بتزوير أعداد حالات الإجهاض السرية التي يتم القيام بها سنويا، ففي الوقت الذي كانت فيه الأرقام الحقيقية لهذه الحالات لا تتجاوز 100000 حالة في السنة، قمنا نحن بترويج رقم المليون حالة سنويا في وسائل الإعلام. هذه الأرقام تم عرضها وتكرارها مرارا على الرأي العام حتى يقتنع بها… عدد النساء اللاتي كانت تقضين سنويا نتيجة الإجهاض السري كان يتراوح ما بين 200 و250 حالة، والعدد الذي قمنا بترويجه لكسب تعاطف الناس هو 10000 حالة موت للنساء المجهضات سنويا. لقد قمنا بالكذب لاستدرار انخراط الرأي العام في توجهنا بادعاء أن تقنين الإجهاض لن تترتب عنه زيادة في عدد الحالات… والواقع الآن أن حالات الإجهاض السنوية قد ارتفعت بـ1500 بالمئة منذ التقنين” اهـ…

فرنسا هي الأخرى لم تكن استثناء عن قاعدة التدليس والتغليط هاته. ما بين 250000 و300000 حالة إجهاض سنويا في فرنسا قبل التقنين، هذا ما كان يدعيه المعهد الوطني الفرنسي للدراسات الديمغرافية. بعد التقنين بقيت هذه الأرقام في نفس مستوياتها (227000 حالة إجهاض في 2007 مثلا) مع أنه منطقيا يجب أن يتضاعف هذا العدد بفعل أن الإجهاض السري كان مكلفا وخطيرا ويصعب العثور على من يقوم به وأنه بعد التقنين أصبح التخلص من الحمل سهلا ومتاحا وممولا من طرف الدولة ومقبولا في المجتمع، بل ويتم التشجيع عليه في بعض الحملات الدعائية. والحقيقة الصادمة هي أن عدد حالات الإجهاض قد تضاعف فعلا، ولكن الخلل كان في الأرقام التي تم ترويجها قبل التقنين (ما بين 250000 و300000) وأن الأرقام الحقيقة كانت أقل من ذلك بكثير حيث كانت تتراوح فقط بين 50000 و80000 حالة سنويا. إننا أمام تزويرات سافرة الغرض منها خلق المسوغات والشروط اللازمة لتقنين الإجهاض.

وحتى إذا أغفلنا هذه المعطيات أو رفضناها، فإن الأرقام المتداولة في المغرب لعدد حالات الإجهاض تبقى غير منطقية وتحمل بين ثناياها العديد من علامات الاستفهام. 700 حالة إجهاض كمعدل يومي في المغرب يقودنا بعملية حسابية بسيطة إلى الحصول على 255000 حالة إجهاض في السنة، وهو رقم يفوق عدد حالات الإجهاض في فرنسا مثلا. فرنسا التي يصل تعداد النساء في سن الإنجاب (15-49 سنة) فيها إلى أزيد من 15 مليون امرأة، بينما في المغرب لا يتعدى عدد النساء في سن الإنجاب 8 ملايين امرأة. وبلغة النسب، فمعدل الإجهاض الرسمي في فرنسا يقدر بحوالي 14,7 في الألف، بينما في المغرب، واستنادا إلى الأرقام المروجة غير الرسمية، فإن معدل الإجهاض يصل إلى حوالي 34 في الألف. صدق أو لا تصدق، في المغرب رغم كل القيود والعادات المجتمعية والوازع الديني وسرية الإجهاض فإننا نتفوق على فرنسا الليبرالية العلمانية التي تبيح الإجهاض بأكثر من ضعف عدد حالات الإجهاض السنوية!!!!!

يستنتج إذا مما سبق أن الأرقام المتداولة لعدد حالات الإجهاض في بلدنا غير منطقية وغير مقنعة ومضخمة بشكل كبير وأن مصداقيتها في الحضيض، وأن عدد حالات الإجهاض الحقيقية لا غرو أنها أقل من الأرقام المروجة بكثير. فارحموا عقولنا يا سادة.

(2)

وأما النقطة الثانية التي يستند إليها دعاة تقنين الإجهاض فهي أن التخلص من الحمل أمر واقع وحاصل شئنا أم أبينا، وبما أنه كذلك فمن الواجب تقنينه وسن تشريعات تؤطره وتنظمه، وهذه مغالطة كبيرة للأفهام، فاتشار ظاهرة أو سلوك محظور وغير شرعي في المجتمع ليس سببا يدفعنا لتقنينه وإضفاء الشرعية عليه. وإلا لصح إذا أن نقنن ونسن في بلدنا تشريعات لتنظيم الرشوة وتجارة المخدرات مثلا، فهاتان ظاهرتان منتشرتان بشكل كبير في المجتمع مع أن القانون يعاقب كل من يتلبس يهما، فهل يعني هذا أن نناضل من أجل إرساء هيكل قانوني يؤطر وينظم الرشوة مثلا؟ بأن يتم على سبيل المثال تحديد الفئات التي يجب أن تستفيد من الرشوة والمبالغ التي يجب أن يدفعها المواطن إزاء كل مصلحة أو خدمة تسدى له؟ ولا أظن أن الإجهاض أقل ضررا من المثالين المذكورين، فآثاره وأسبابه ووقعه في خلد مجتمع محافظ كمجتمعنا يجعل منه أشد وطأ وشناعة من الرشوة أو تجارة المخدرات. ولا تسألني عن الحل، فالحل يقينا ليس في التقنين، بل هو قبل ذلك بكثير. إن الحل الناجع يكمن في التصدي للمشاكل الحقيقية في المجتمع كالبطالة والفقر والهشاشة والأمية والعنوسة والعزوف عن الزواج. إن فشلنا في التصدي لهذه الأورام المجتمعية لا يجب أن يدفعنا دفعا نحو اختيار حلول سهلة وسطحية نجعل منها ألغاما تؤثث طريقنا نحو المستقبل.

(3)

ونأتي إلى مسألة أن المرأة حرة في التصرف في جسدها كيفما تشاء لنقول أنه إن صح هذا فالمرأة أيضا حرة في أن تنتحر، حرة في أن تكون مدمنة على المخدرات، حرة في أن تخرج عارية للشارع. لماذا لا نبيح لها كل هذا إذا بما أننا نفهم الحرية على أنها انطلاق من جميع القيود، انطلاق من تكاليف وتبعات الإنسانية في هذا الوجود، على أنها تخلِّ عن المقومات التي جعلت الإنسان إنسانا وأطلقته من قيود الحيوانية الثقيلة.

(4)

وأما التبعات الصحية والنفسية التي تلحق بالمجهضة، فهذا لا يختلف كثيرا بين الإجهاض السري والإجهاض العلني المقنن، وخاصة فيما يتعلق بالآثار النفسية الناتجة عن تأنيب الضمير وقلق النفس الإنسانية فطريا بسبب ارتكابها ما يناقض طبيعتها ويلوث نقاءها. فقد أثبتت دراسة في كاليفورنيا شملت 173000 امرأة أن النساء اللاتي سبق لهن القيام بعمليات إجهاض (مقنن) يترددن على عيادات الطب النفسي بنسبة 67 بالمئة أكثر من النساء العاديات. وقد أثبتت دراسات أخرى أن 10 بالمئة من حالات الإجهاض عند الأطباء ينتج عنها مضاعفات صحية خطيرة قد تودي بحياة الأم الحامل. كما أنه تنبغي الإشارة إلى أن الوضع الحالي لن يتغير كثيرا بعد التقنين بفعل أن 50 بالمئة من أطباء التوليد في المغرب يقومون حاليا بعمليات الإجهاض سرا. ولكن ما يدفع النساء للتوجه نحو القابلات والعشابين هو المقابل المادي الباهض الذي يطلبه هؤلاء الأطباء.

(5)

وآخر الدعاوى التي يرتكز عليها المطالبون بمحاربة الإجهاض السري أو تقنينه هي قولهم أننا لا نسعى إلى الترخيص العام للإجهاض، وإنما نسعى إلى أخذ القانون بعين الاعتبار الحالات الخاصة التي يكون الإجهاض حلا لها مثل تشوهات الجنين والحمل الناتج عن الاغتصاب. أو بعبارة أخرى نحن نريد توفير ظروف آمنة لإجراء عمليات إجهاض تهم الأجنة المشوهة خلقيا وحالات الاغتصاب. وقد رأينا فيما سبق ذكره أن عدد حالات الإجهاض الحقيقية هي يقينا أقل من الأرقام التي يتم الترويج لها. ولا شك أن حالات الاغتصاب والتخلص من الجنين المشوه تمثل أقل نسبة بين أنواع الإجهاض الأخرى ، فلسنا نعيش حالة حرب حتى نتكلم عن الاغتصاب وكأنه ظاهرة، أما التشوه الخلقي أو الخلل الصبغي فإنه ثبت طبيا أن 90 بالمئة من الأجنة المشوهة أو التي تمثل شذوذا كرومرزرميا تسقط تلقائيا.

إذا كيف نسمح باتخاذ حالات خاصة كذريعة لتقنين الإجهاض، أم كيف يكون للناذر حكم على العام. ولا شك أنه إذا تم السماح بتقنين الإجهاض من أجل هذه الحالات الخاصة ابتداء فلا ريب أن سنة التدرج ستوصلنا بعد ذلك إلى الموافقة على الإجهاض العلني بسبب حمل الزنا ثم انتهاء إلى الإجهاض بسبب الظروف الاقتصادية أو الاجتماعية أو الإجهاض الانتقائي بين الذكر والأنثى لنعود رأسا إلى الجاهلية ووأد البنات. ثم دعوني أطرح سؤالا، عندما يتم السماح بالإجهاض العلني فقط لحالات الاغتصاب والأجنة المشوهة خلقيا، فهل سنقضي فعلا على ظاهرة الإجهاض السري ؟ كيف سنتعامل إذا مع بقية أنواع الإجهاض التي تمثل أغلبية الحالات والتي سيظل حالها على ما هو عليه بما أن التقنين لن يهم إلا حالتين معينتين.

عقلا لا شرعا أو تقليدا، يتبدى أن المطالبين بتقنين الإجهاض ليس لهم مسوغ مقنع ومنطقي في دعواهم، اللهم إن كانت لهم رغبة في تفشي الزنا والفاحشة في المجتمع، لأن الحمل ربما يشكل العقبة التي تصد كثيرا من النساء عن إتيان الفاحشة خوفا من الفضيحة. ويوم يقنن الإجهاض ستُقتحم تلكم العقبة، وإذا فُتح الباب فلا تسأل من دخل لم دخل وفيم دخل. وعجبا لمن نسمع شفاههم تنبس بعبارة “حملٌ غير مرغوب فيه”.. تُرى من طلب رأيكم حتى تقول أمرغوب فيه هو أم لا؟ ومتى كانت الرغبة رغبتكم؟ إن كل جنين هو بصمة جينية متميزة عن كل ما عداها غير متكررة عبر تاريخ البشرية ومستقبلها، وليس كونه لم يكتمل نموه أو مخبأً لا يُرى في كيس في بطن الأم بنافٍ جريمةَ القتل في حقه…

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M