هل الأضحية عندنا سنة؟
هوية بريس – ابراهيم أقنسوس
يتأكد باستمرار، وفي كل عام، ومع حلول عيد الأضحى، أن علاقتنا بأضحية العيد تحديدا، تحتاج إلى وقفة حقيقية، صريحة وعالمة وعاقلة؛ فنحن نؤكد بين الحين والآخر، على اختيارنا المذهبي، الذي ينحاز إلى فقه الإمام مالك، ونفاخر بذلك، ولكننا في الكثير من اختياراتنا النظرية والتطبيقية، نحيد عن هذا المذهب، ولا نوافق أصوله المعروفة، وطريقة تدبيرنا لأضحية العيد، مثال واضح على ذلك، يجدر بنا أن نتوقف عنده.
حيث يجد الكثير من المواطنين والمواطنات أنفسهم، مضطرين إلى اقتناء الأضحية، والسعي إلى تحصيلها، سالكين في سبيل ذلك، كل الطرق الممكنة وغير الممكنة، بل والمشروعة وغير المشروعة، في وقت يتحدثون فيه، عن إقامة السنة، ما يعني أن أمر الأضحية، يشوبه الكثير من الارتباك وعدم الوضوح، تعلق الأمر بمستوى الفهم أو التطبيق معا.
فقد تحول إحضار الأضحية إلى فرض اجتماعي، نتحدث عنه شفويا، بمنطق السنة والاقتداء غير الواجب، لكننا نمارسه واقعيا، بمنطق الأمر اللازم والمفروض والضروري، والذي لا محيد عنه، بأي شكل من الأشكال، بالنسبة للكثيرين، ما يعني ببساطة، أننا بعيدون عن فقه مالك، في مسألة أضحية العيد، كما في غيرها طبعا؛ وعلينا أن نكون صرحاء، فالعيد بالنسبة إلى الكثيرين، يتم اختزاله في مسألة واحدة ووحيدة، هي ضرورة إحضار الخروف وكفى، بغض النظر عن كل الإكراهات والحيثيات، فعيد بلا كبش، هو عيد بلا كرامة، وبلا معنى، بل وبلا وجود حتى.
وبالطبع، فهذا خلل واضح، حين يتم اختزال كل العيد، في خروف العيد؛ والمؤكد، أن كل الجهات المعنية بالشأن التربوي والتعليمي، تتحمل مسؤوليتها هنا، وجزء كبير من الخطاب الديني عندنا، مدعو إلى إعادة النظر، في طريقة عرضه للكثير من القضايا، ومنها مسألة أضحية العيد، التي تحولت ضرورة إحضارها، لدى الكثيرين إلى هم يلازمهم طيلة شهور، ويجعلهم فريسة للمؤسسات المالية والبنكية، التي لا يهمها من أمر الأضحية إلا ما تراكمه من أموال و”فوائد”، وإلا ما تختطفه اختطافا من جيوب المواطنات والمواطنين، والذين يضطر بعضهم إلى بيع أمتعته وأغراضه، بل وكرامته أحيانا، من أجل توفير كبش العيد.
فمن أين نأتي بهذا الفهم المغلوط، وما الذي يغذيه، ولماذا كل هذا الحرص غير المشروع، وغير المنضبط، على إحضار الأضحية، بدعوى إقامة السنة، في وقت يفرط فيه الكثيرون منا، في أمهات الفرائض والأصول؟؟
ما يعني أن الخلل موجود، في فهمنا وفي ترتيبنا للأولويات، سواء على المستوى الشخصي أو المجتمعي، فما أكثر من لا يقيم الفرائض التعبدية، ولا الفروض المجتمعية البدهية، ولكنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يترك أضحية العيد، ولنا أن نفكر في بعض هذه الفرائض التي تنقصنا حقا، والتي ترهن حاضرنا ومستقبلنا، وتجرد حياتنا من معانيها الحضارية والأخلاقية، التي من أجلها وجد الدين ابتداء، لنا أن نفكر في حاجة حياتنا إلى العلم والمعرفة، بالمعنى الجاد للكلمة، وحاجتنا إلى إتقان الأعمال، ومغادرة حياة الغش والكذب والتزوير، وحاجتنا إلى تحمل المسؤولية حقا وصدقا، لا رياء وبهرجة، وحاجتنا إلى محبة الخير للجميع، والتوبة من الأنانيات والذاتيات البغيضة.
ولنا أن نلاحظ في النهاية، أنه حين يختل الفهم، ويرتبك سلم الأولويات، لا تتم الاستفادة من الشعائر التعبدية، وتتحول إلى طقوس وعادات اجتماعية مكلفة، ويكفي أن نلقي نظرة على أحوالنا أيام العيد وبعده، ليظهر الكثير من المعنى، وكيف أننا نجمع بين العيد واستغفال المواطنين، وبين العيد والمباهات بحجم الأكباش وقرونها، وبين العيد وإثارة الأعصاب وإبداء القلق والتبرم وعدم الرضا، وبين العيد وسوء العلاقات، وبين العيد وانعدام النظافة وقلة الذوق، ما يفرغ هذه المناسبة من معانيها العميقة التي يقصدها الإسلام.
ليست هذه دعوة إلى ترك الأضحية، بل إلى وضعها في مكانها الذي يليق بها، بما هي سنة، لها مقاصدها وغاياتها، التي تبرر وجودها ابتداء.
يقول الإمام مالك، في (كتاب الموطأ) بكلمات تقطر علما وأدبا، (الضحية سنة وليست بواجب. ولا أحب لأحد ممن قوي على ثمنها، أن يتركها) (ص: 276) طبعة المكتبة العصرية صيدا بيروت 2023م _1444 ه).