تونسة المغرب ليست هي الحل

05 يوليو 2013 22:42

 

ذ. أحمد اللويزة

هوية بريس – الجمعة 05 يوليوز 2013م

يبدو أن أصحاب مشروع تونسة المغرب الذين رفعوا شعاره أياما قليلة قبل أن ينزل من قدر الله ما غير به الجبار مجرى الأمور، لا زالوا مصرين على ترسيم معالم المشروع قهرا وبالرغم من إرهاصات الفشل، لأن الشقي لا يعتبر بغيره، ومن أعمى الله بصيرته فماله من هاد.

 

لقد عاشت تونس عقودا من الاستبداد والإفساد، وعمل المفسدون على بتر الصلة التي تربط المسلمين بدينهم هناك، ولم يدخروا جهدا لطمس معالمه وتجفيف ينابيعه، فما عاد الواحد يقدر إلى إظهار شعائر الإسلام خوفا على عرضه وحياته ورزقه، وتمت السيطرة على مفاصل الحياة حتى لا يتسرب إليها شيء من دين الله ولو رائحة عطره الزكي، لأن القوم ألفوا النتانة فصارت جزء من كينونة الذات، ولا تستقيم لهم بدون الوقاحة حياة.

سنوات عجاف مرت على التدين والمتدينين بتونس، وظن المرجفون أنهم قد خربوها واستوت لهم على الجودي، وأن الطهارة ولت إلى غير رجعة، وحسبوا أن الشباب والشعب قد مسخت فطرته وانتكست جبلته فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، وخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم الطوفان من حيث لا يشعرون، وسقط القناع عن دعاة التونسة الذي جعلوا من هذا البلد نموذجا يحتذى به في التحكم والقمع ومحاربة التدين.

لكنهم لا زالوا مصرين رغم ما عاينوه من تقلب الأحوال وتوالي الأهوال وفرار الأنذال، وقضى الله أمرا كان مفعولا ليعلم الجاهل والعالم أن الله مدبر الكون ومسير الأمور، لا أولئك الذين ظنوا أنهم آلهة من دون الله وأن الكون قد أسلس لهم القياد ونسوا أن الله من ورائهم محيط.

ففي نفس المكان الذي نادت فيه برلمانية تونسية أيام الفساد والاستبداد بخفض مكبرات الصوت الخاصة بالآذان لأنها تلوث فضاء الاستماع، نادت فيه برلمانية بعد الخلاص بإيقاف الجلسة من أجل الصلاة، فسبحان مبدل الأحوال.

وليعتبر يا من أعمى الله بصائرهم فهم يسيرون إلى حتفهم بأظلافهم، فرفقا بأنفسكم ولا تسرعوا وتيرة النهاية، فإن للطغيان حدا ينتهي إليه وما علا شيء من الباطل إلا وضعه الله.

وها نحن اليوم ورغم التنديد والشجب والاعتراض من طرف فئات من الشعب الذين أكرمهم الله بشيء من الوعي والكرامة، ورغم الأزمة المالية وجفاف الميزانية، ورغم الفقر ورغم البطالة والمعاناة وتدني مستوى المعيشة، ورغم تقهقر المستوى التعليم والتربية، ورغم عمق الجراحات التي أصابت جسد الأمة الإسلامية، ورغم دموع الثكالى وصراخ اليتامى وأنين المصابين، ورغم ما لم أذكره فإن الإصرار على مهرجان العار الذي صار من المقدسات دليل على المضي بإصرار في مشروع التونسة القائم على فساد الأخلاق والأذواق والتجهيل والتفقير والتحكم…

والغريب أن المشروع كانت نهايته مأساوية فإلى أين يسير هؤلاء، غير إدخال البلاد في متاهات وسراديب لا يعلم عواقبها إلا الله.

فتوالي الأحداث المثيرة للقلق البالغ عبر وسائل الإعلام يدل على أن بداية النهاية أوشكت، وأن ليل الفساد قد آن أوان انجلائه، برامج المسخ وسهرات الخنا، ولقطات العهر، واحتفاء بالساقطين والساقطات، ونشر لفضائح الناس الأخلاقية على أمل التطبيع معها، ثم أخبار عن الاغتصاب والقتل والخيانة وهلم جرا، أحداث تنبيك عن السرعة القصوى التي دخلها فيلق الفساد والإفساد لكن الأيام دول وإن غدا لناظره لقريب.

إن نشر الأرقام المنفوخة وإظهار التفاعل لشريحة من المجتمع -عمل فيها مفعول الإفساد عمله فانسلخت عن هويتهاـ مع خبائثهم لا يغير من الحقيقة شيئا، وأن شرذمة التحكم والتهكم لن تفرح بذلك كثيرا، لأن الله وعد أن يقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق. ولن يفلح ألف مهرجان ولا ألف موازين أن تقلب موازين الحق في صمود الحق وعدل رب الخلق.

ورغم خفوت صوت الاحتجاج فضجيج المنصات لا يبغي الانهزام، وليس الاحتجاج من أجل قوم استعذبوا الذل واستلذوا الهوان، ولكن من أجل نفسك ودينك وأهلك ومن بصلبك أن يجد نفسه يوما ما في بيئة سليمة دينا وعقلا ووجدانا، وأن يكون زمان الفساد والاستبداد قد انتهى.

رحمة بأنفسكم أيها الخارجون عن قانون السماء، ورحمة بالذين لا حول لهم ولا قوة، ورحمة بمن امتطوا قطار الغواية لأنهم لم يجدوا عنه بديلا، واعلموا أن رب الكون ومالك يوم الدين قد قال في محكم التنزيل: “وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا” فلا تأمنوا مكر الله واعلموا أن مشروع بنعلي لو كان ينفع ويفيد، لنفع الرائد الذي لم يعد العدة لموعود الله.

وإن تونس اليوم ليست تونس أمس، وإن مغرب اليوم لن يكون هو تونس الأمس، وليعلم الجميع أنه لا يحيق المكر السيء إلا بأهله وأن البغاة بغيهم على أنفسهم.       

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M