حوار مع الأستاذ الحسن حما الباحث في تاريخ الأديان بجامعة السلطان مولاي سليمان

02 أبريل 2019 22:17
حوار مع الأستاذ الحسن حما الباحث في تاريخ الأديان بجامعة السلطان مولاي سليمان

هوية بريس

1 ـ بداية ما واقع التدين اليوم في المجتمع المغربي، وأهم مميزاته وخصوصياته؟

بسم الله الرحمان الرحيم

وشكرا على هذا الحوار، بداية لابد من التأكيد على أن قراءة واقع التدين اليوم في المجتمع المغربي يتطلب دراسات سوسيولوجية تكشف لنا واقعه بالأرقام والمعطيات الميدانية، لكنه، ومن خلال متابعتيلبعض الدراسات والتقارير التي تصدرها بعض الهيئات والمؤسسات البحثية، مثل  المؤشر العربي أو التقرير السنوي الذي تصدره مؤسسة “طابة” بخصوص مواقف جيل الشباب المسلم من الدين الإسلامي وعلمائه في العالم العربي وغيرها كثير، أو تقرير الحالة الدينية في المغرب الذي يصدره المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة وغيرها من الأعمال، يظهر أن “التدين” سمة متجذرة ولها عمق في المجتمع المغربي بل من أسس هوية المجتمع. رغم التحولات الكبيرة التي تشهدها المجتمعات المعاصرة بفضل التطور الرقمي وما تفرضه العولمة من سياق على الهويات المحلية، إلا أن التدين في المجتمع ظل حاضرة وبقوة، يشهد على ذلكارتفاع وتيرة ارتباد المساجد، خاصة يوم الجمعة وارتفاع منسوب التدين في رمضان، وكذا تنامي المسجلين في قرعة الحج كل سنة، إذا أضفنا ارتفاع الاقبال على التأطير الديني سواء الرسمي أو المدني والذي يقابله ارتفاع نسبة البرامج الدينية خاصة في الإذاعات الخاصةكلها مؤشرات تؤكد ان التدين حاضرة وبقوة في المجتمع المغربي –بغض النظر عن مرجعية هذا التدين-. فإذن نحن إزاء حالة عامة على الارتباط بالتدين في مختلف شرائح المجتمع وحتى لدى الشباب نجد اقبالاً كبيرا على التدين في المعاهد والمدارس العليا، وهذا ينسجم حتى مع السياق العالمي الذي يشهد عودة إلى الروحانيات والقدسي بشكل عامة..

بصفة عامة نقول إن المجتمع المغربي حاضن للتدين الوسطي المعتدل أساساً وهذا ما يتميز به التدين المغربي، فهو يتدين ينسجم بشكل كبير مع طبيعة المجتمع المغربي المتعدد بروافد هويته، (الامازيغية والعربية والصحراوية…)، والذي يرفض استنبات نماذج دينية غريبة عن بيئته، وهو تدين ينحاز إلى الوسطية والاعتدال ويرفض مظاهر الغلو بشتى أنواعها، إلا أنه هناك ملاحظة جوهرية تخص هذا التدين وهي مرتبط بعدم التوازن بين هذا الاقبال على التدين وبعض المظاهر التي أصبحت تظهر في المجتمع منها؛ العنف في الأسرة والجريمة وعنف الأصولوارتفاع الرشوة، بمعنى أن التدين لا يغذي سلم القيم المرتبطة أساساً بالفضاء العام أو ما يمكن أن نسميه أن التدين المغربي يعرفاً اضطرباً بين الالتزام بالعبادات والالتزام بالقيم التي تضبط المجتمع في علاقته بالدولة.

2 ـ ما هي أهم التحديات المعاصرة التي تؤثر سلبا في تمظهرات التدين عند الشباب خاصة؟

أبرز تحدي يواجه التدين -في تقديري- هو ما تفرضه الحداثة من إشكالات على المجتمعات، والهويات المحلية، خاصة الثورة الرقمية وانتشار صفحات التواصل الاجتماعي وما تتيحه من سهولة في التواصل مع مختلف البلدان والثقافات، بحيث أصبح الشباب أمام كم هائل من المعطيات التي قد تتعارض في بعض الأحيان مع ما يفرضه عليه التدين والخطاب الديني الذي يؤطره، ومن بينها الازدواجية التي يمكن لهذه الوسائل أن تحدثها في نفسية الشباب.

وهناك ثلاثة تحديات  أساسية ينبغي على الفاعل الرسمي والمدني الانتباه إليها وهي:

التحدي الأول؛ ما يشهده الواقع المعاصر اليوم من عودة قوية للدين، في دائرة التدافع الثقافيوالهوياتي، وهذا في حد ذاته تحد يتطلب مجهوداً تأطيراً يلبي حاجيات المجتمع، يكون في المستوى المطلوب ، حتى لا ينصرف الافراد أو من يبحث عن التأطير الديني إلى البحث عن المعلومة في مصادر أخرى خارجة

التحدي الثاني؛ النزعة نحو تعزيز حالة اللاتدين في المجتمعات العربية والإسلامية، ومحاولة استنبات نماذج هوياتية غير منسجمة مع هذه المجتمعات وخصوصياتها الثقافية والحضارية والدينية (أساساً نموذج المجتمعات الحديثة على النمط الأوروبي) وغطرسة الغرب الاستعمارية، ورغبته في تعزيز مركزيته، التي شكلت دافعاً قوياً لانبثاق عدد من الحركات الأصولية المتطرفة.فانبثقت بالتالي حالة الصراع في المجتمع بين منظومة تسعى إلى التخلي عن الدين والتدين في الاجتماع وشتى مناحي الحياة، بل وفصل الدين عن الأخلاق بتعبير الدكتور طه عبد الرحمن. وفي أحسن الأحوال الدعوة إلى تدين ودين على  مقاس حركية السياسي والاجتماعي؛ ثم جهة أخرى ترى في الدين مرجعاً مؤسساً للتشريع والاجتماع والسياسية والاقتصاد بل تعتبره القادر على إعادة الاعتبار للمجتمع في الحالة الإسلامية، وصنف ثالث ينظر إلى الدين من خلال إجابته على حاجة الإنسان الروحية والاجتماعية، لكنه يعطي له من الحرية ما يدبر به شأنه الاقتصادي والسياسي. والنظر في أثره على حياة الأفراد ضمن سياق ثقافي سياسي متسم بالدينامية والتحول بشكل كبير. الكل يتجه فيه إلى الخطاب الديني والعمل على إعادة قراءته في ضوء المعطيات السياسية، الاجتماعية، والمتغيرات الإقليمية والدولية.

هذا الأمر كان له أثره المباشر على التدين المغربي، بحيث أصبحنا أمام تدين يجمع بعض التناقضات، التي يعرفها المجتمع، باختصار لم نعد أمام التدين التقليدي.

التحديالثالثما يعرفه السياق الإقليمي والمحلي من نقاش سياسي ودينيحول النماذج الدينية لكل قطر ودولة، خاصة مع أحداث الربيع الديمقراطي العربي الذي دشن جملة تحولات كان لها الأثر المباشر على الهويات الوطنية /الدينية سعياً لحمايتها مننماذج أخرى، وبروز “الحركات المتطرفة” وهي نقيض موضوعي لهوية المجتمع، فظهر خطاب ودعوات تدعو إلى العناية بالتدين المغربيالأكثر انسجاماً مع الروافد الثقافية والاجتماعية والتاريخية والسياسية، المشكلة للهوية الوطنية، تحصينا للمجتمع من النماذج الدينية المستوردة من الخارج. وفي هذا التحدي تحضر التحديات الخارجية المرتبطة بالتشيع والتنصير الذي طور آلياته اشتغاله وانتقل من الطرق التقليدية إلى الاشتغال من خلال ما توفره التقنيات الحديثة من سهولة في التواصل وربط علاقات مع الشبا.

وطبعا ضمن التحديات الثلاثة هناك تحديات موضوعية وهي أساسا انتشار المخدرات في أوساط الشباب والمؤسسات التعلمية والجريمة والدعارة، وغير من القيم الاخلاقية التي تهدد التدين ودوره في تعزيز شخصية الأفراد.

3 ـ ما أهم الأسس الموُجهة لاستمرارية التدين الصحيح؟

من بينها خطاب ديني يتأسس على الرؤية القرآنية التي تعطينا نموذجاً مركبا في دراسة الظواهر؛ أي خطاب ديني -سواء الرسمي منه أو الشعبي-، يستحضر المعطيات الاجتماعية والتحولات الاقتصادية، والتحولات الرقمية في توجيه الأفراد والانتقال من الخطاب التقليدي إلى موضوعات جديدة بمنهجية جديدة وفي هذا المستوى لابد من التركيز على تكوين جيل من الدعاة والوعاظ له اطلاع بالعلوم الاجتماعية والثقافة المعاصرة.

4 ـ ما هي بعض أدوار الإعلام في ترشيد التدين؟

للإعلام دور أساسي وحيوي فنحن اليوم نعيش عصر الإعلام والرقمنة بامتياز وظيفة الإعلام تجاه التدين، تمكن في نشر خطاب ديني /علمي مستوعب للتحولات الجارية بعيداً عن الإثارة، وهنا لا بد من التنبيه إلى خطور أن يتحول الإعلام إلى منبر للفتوى خاصة في المناسبات الدينية مثل رمضان، وأيضاً لابد للإعلام أن يشتغل على قضايا القيم وعلاقته بالتدين المغربي، فهذا هو جوهر الإشكال في التدين المغربي.

5 ـ كيف يمكن للفاعل الدعوي والمدني أن يسهم في الحد من مظاهر الاختلال في التدين؟

من خلال برامج تراعي خصوصية المجتمع في علاقته بالتدين وتستوعب الاشكالات التي تعترض التديين، فالمجتمع المغربي ليس له مشكل مع الصلاة أو رمضان أو ركن من أركان الإسلام وإنما الخلل الكبير في التدين على مستوى السلوك المرتبط بالقيم (أداء العمل والواجبات، احترام القانون الاستهلاك..)، وغير من القيم المرتبط بالفضاء العام في تقدير هنا ينبغي صرف الجهود من أجل تصحيح السلوك الذي ينسجم مع مقومات التدين. وكذلك من خلال انتاج خطاب ديني مستوعب للتحولات الرقمية ويستثمر وسائلها، ويلبي حاجات المجتمع في التأطير الدين.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M