أجر أو ثواب قراءة القرآن لمن يا ترى يؤول؟؟!

05 مايو 2016 16:52
عن واقع نقل صلاة الجمعة تساؤلات واستفهامات؟؟؟

د. محمد وراضي

هوية بريس – الخميس 05 ماي 2016

لتقريب صيغة الإجابة المتوقعة إلى الأذهان على السؤال المطروح، لا بد من تجسيد مفهوم الأجر على الصعيد المادي، ومن ثمة على الصعيد المعنوي. فالأجر هو ما يعطى مقابل أداء عمل أو خدمة. لكنه أيضا عبارة عن مكافأة أو عن عقوبة. إنه هنا بالمعنى الأخير يعادل الجزاء، متى تم التمعن في العلاقة الأفقية للإنسان داخل المجتمع. هذه التي يتقدمها تبادل المنافع، إلى حد أن المستأجر من فرط توهج عاطفته الدينية أو الإنسانية، قد يضاعف أجر مأجور أو مأجورين، لاعتقاده بأن العمل الذي أداه أو أدوه لفائدته يستحق – من حيث قيمته – ضعف أو أضعاف ما اتفق الطرفان عليه قبل الشروع في العمل.

وحتى إن كان الأجر والجزاء قريبين من حيث الدلالة، فإن بينهما وبين الثواب فرق واضح. إنه ليس مجرد ما نحصل عليه في العلاقة الأفقية، بل إنه مكافأة مقابل إحسان بإحسان في التعامل البشري المتبادل. ومكافأة مقابل الصدق والإخلاص وحسن الأداء في العلاقة الرأسية بين النسبي والمطلق. أي بين واهب الحياة، وبين المفتقر إلى عونه وسنده ومنحه التي لا تحصى. هذه التي حبا رب العزة بها كافة مخلوقاته، دون ما انتظار منه لجزاء يكلفها ما لا تطيقه. فكل ما يريد منها، والذي من أجله أخرجها من العدم إلى الوجود هو أن تعرفه كرب وكإله وحده المعبود بحق. بحيث إنها تجازى وتحصل على ثواب مستمر مضمون، كلما أمعنت بإخلاص في تمثل مأموراته ومنهياته. وفي مقدمة مخلوقاته، يقف الإنسان الذي يعتبر المسلم فصيلا من فصائله على مدى الدهر.

والقرآن لكل مسلم ذي عقل تحديدا، عبارة عن دستور شامل مفصل لتنظيم الحياة على وجه البسيطة، تمهيدا لحصول المخلصين على الجزاء الأوفى في الباقية، بعد التجارب والاختبارات في الفانية. يعني أن دستورنا المنزل كرسالة إلهية خاتمة إلى البشرية جمعاء، يشمل معتقدات في غاية الوضوح. نقصد بلغة العقل والمنطق قناعات فكرية نظرية، لا لبس فيها ولا غموض! ويشمل إلى جوارها عبادات هي عبارة عن ممارسات يومية ودورية كالشهادتين والصلاة والصيام والحج والعمرة والزكاة وكافة أنواع الصدقات. كما يشمل أخلاقيات هي في ذروة الصفاء كالورع والتقوى والإحسان، والصبر والوفاء، والتعاون على البر، وتبادل النصح الخ، وكلها دعم أكيد وضروري لفهم ما يعنيه مبدأ “الولاء” ومبدأ “البراء”، إمعانا في الاحتفاظ على استمرار التشبث بها كمنظومة متميزة، وذلك حتى يظل التماسك المجتمعي إطارا حقيقيا لتطبيق مضامين دستور لم يكن البشر وراء وضعه بأي وجه من الوجوه. إضافة إلى أن هذا الدستور الذي جاء به محمد بن عبد الله يشمل المعاملات المنظمة للعلاقات بين كافة البشر. دون أن يدعي النبي نفسه أن القرآن تتوفر فيه كافة النوازل التي يتصور حدوثها في مسار حياة الإنسان المتواصل. حيث إنه اعترف بأن حلولا لنوازل متجددة، غير واردة كلها، لا في الدستور الخالد الذي هو الذكر الحكيم، ولا في الشروح الشافية التي قدمها له قيد حياته. فكان أن فهم الصحابة إشاراته التي تلقنها منهم مشافهة تلامذتهم المتسلسلون المتفرغون لاستنباط الفروع من الأصول. واستنباطها عمل إيجابي متحضر لمد الدولة بقوانين، لولاها لأضحى الجمود سمة الإمبراطورية الإسلامية الشاسعة، ولأضحى بعد ذلك سمة الدول المستقلة عنها لاحقا بالتتابع.

كل هذا يعني أن فحوى القرآن كدستور، لا يعني مجرد استظهاره وتلاوته والتبرك به، والإمعان في الحرص على تجويده، ورصد جوائز مالية للمجودين! والمتاجرة به في الأسواق! وفي مناسبات دينية واجتماعية وسياسية ووطنية وحتى دولية!!! مما يعني أن كل هذه الممارسات التي أصبحت شائعة، إصرار سياسي سيء معاصر معيش، على إقبار دستور يتقدم كافة الدساتير الموجودة اليوم على وجه الأرض! خاصة عندما يتعلق الأمر بموقع رؤساء الدول التي ترقى بهم هذه الدساتير إلى مستوى التقديس! حيث تصبح أقو الهم وقراراتهم عبارة عن طابوهات، يتم تجريم من تجرأ على مناقشتها! وكيف برفضها ودعوة المواطنين إلى التعبير عن سخطهم الشديد بخصوص وقعها عليهم   ككوابيس في ليالي مدلهمة قاتمة حالكة!

إنه إذن تعامل مشين مع القرآن كدستور للمسلمين من طرف الحكام الظلمة، فيكون لزاما علينا تقديم بعض الأحاديث حتى نرى ما إذا كانت قراءته مجردة عن فهمه والعمل به، تسفر عن ثواب يحصل عليه القارئ، أو يحصل عليه من قرئ من أجله!

فعند أبي داود في سننه نقف عند قول رسول الله: “خيركم من تعلم القرآن وعلمه“؟ وتعلم في المعجم اللغوي معناه: اكتسب معرفة. بينما علم يعني: هذب ولقن معلومات أو علوما مختلفة. مما ينهض دليلا على أن التعلم والتعليم لا يدل عليهما مجرد حفظ النصوص، تجنبا لأن يصبح الحافظ أشبه ببغاء يردد ما يلقن له! بينما المطلوب هو اعتبار قول آخر لرسول الله: “من قرأ القرآن وعمل بما فيه، ألبس والداه تاجا يوم القيامة، ضوءه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا لو كانت فيكم، فما بالكم بالذي عمل بهذا“؟

والعمل بالقرآن إذن مرتبط بفهمه لا بمجرد حفظه. إذ كثيرون هم الصحابة الذين لا يحفظونه. لكنهم دأبوا على فهمه وتطبيق محتوياته بصدق وإخلاص تامين. مما يعني أن الجانب النظري لدستور المسلمين (= القرآن) لا بد أن يتكامل مع الجانب التطبيقي، بحيث يتأكد لدينا أن مجرد الحفظ غير مجد في التعامل مع الدين كتابا وسنة، حتى الفهم ذاته غير مجد من منطلق المقولة السائدة بين كبار الأئمة والعلماء: “لا خير في علم لم يصحبه عمل”. والقرآن كدستور للمسلمين كله علم، لكن العمل به في عصرنا الحالي يكاد يكون منعدما بالتمام والكمال، وإليكم البراهين المؤيدة لما ندعيه:

آلاف من أئمة المساجد يحفظون القرآن دون أن يتجاوزوا حفظه إلى فهمه والعمل به! فصح أن نتساءل عن مدى ما يحصلون عليه من ثواب وهم يتلونه ليل نهار؟ ثم صح التساؤل عما يجنونه وراء الاسترزاق به، وكأنهم يبيعون أوهاما للمتهافتين على نيل نصيب من الثواب ذاك المفترض الغائب؟

هذا في الوقت الذي لم يجن فيه المتاجرون به غير الذل والهوان. خاصة عندما تدفع الجهة الرسمية لهم مبالغ مالية ضخمة لتلاوته في مناسبات عدة!!! ولنتذكر ما يدفع لقرائه من طرف المخزن السخي بمال في اعتقاده أنه يشتري به حمايته وبقاءه ومشروعية ظلمه وطغيانه!

إضافة إلى أن هناك من يحفظون القرآن ويفهمونه، لكنهم بخصوص تطبيقه يولون له الظهور! بحيث إنه لا تتوقع استفادتهم من ثواب يمكنهم تمرير بعضه للكرام المتظاهرين بأنهم يحسنون إلى حملته! في حين أن كل هؤلاء يسبحون ضد التيار! محرومين من أجور ربانية لكونهم غشاشين على بينة من أنهم لا يسعون إلا وراء الربح الدنيوي! وأن من يشترون عندهم الثواب المزعوم خاسرون مثلهم لا محالة!

وتبقى فئة قليلة جدا من حملة القرآن حفظا وفهما وعملا في حدود الإمكان. وصلة المنتمين لهذه الفئة بالرسميين تكاد تكون منعدمة مع اليقين التام بأن سلاح “الولاء والبراء”، إن لم يؤت أكله على الفور، فإنه لا شك سوف يؤتيه إن في الآجل وإن في العاجل! دون أن ننسى اعتماد العلمانيين أنفسهم على نفس السلاح بالمفهوم العقلي المنطقي. نقصد الولاء للقناعات العلمانية. والبراء من قناعات المنادين بتفعيل القرآن كدستور يغطي كافة ميادين الحياة على وجه الأرض!!!

[email protected]

آخر اﻷخبار
1 comments

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M