اعتبار أولي البصيرة والنظر، بأحداث عام ألفين وسبعة عشر

06 يناير 2018 22:36
وقفات مع اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد النساء

هوية بريس – د. محمد ويلالي

شهدت سنة 2017م مجموعة من الأحداث الجسام، وقف عندها المجتمع الدولي وقفات التصدي والتحذير والاحتياط. ولتلاحق هذه الأحداث وكثرتها، ربما أنسى بعضها بعضا، مما قد يُضعف الاعتبار، ويتلاشى معه الادكار. وربما لا يستفيد بعضنا من دروس التاريخ ما يقوي إيماننا، ويزيد حافزيتنا للاجتهاد في طلب الآخرة. قال -تعالى-: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).

إنه التصريف لآيات الله، يحذر بها عباده المؤمنين، ويخوف بها أولياءه الصالحين، حتى لا يصيبهم ما أصاب غيرهم. قال -تعالى-: (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا). بخلاف الذين تنكروا لدين الله واتبعوا أهواءهم، لا يرون في هذه الأحداث إلا التفسيرات المادية، والظواهر الكونية، لا يتعظون ولا يخافون. قال -تعالى-: (وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا).

لا نريد أن نذكر من أحداث هذه السنة، تلك التفجيرات القاتمة، التي يقوم بها أناس لا خلاق لهم ولا دين، كتفجير مقدشيو بالصومال، الذي أسفر عن مقتل أزيد من 500 شخص.

ولا نريد أن نتحدث عن الصراعات الطائفية، والنزاعات العقدية، كالتي طمست أعين منفذ هجوم مسجد الروضة بالعريش بمصر، الذي أزهق أرواح قرابة 300 من المسلمين المصلين المطمئنين.

ولا نود الدخول في أحداث الدهس بالسيارات والشاحنات، التي ناءت بها عدة أماكن أوروبية، ذهب في خضمها العشرات من الأبرياء.

كما لا نقصد إلى العبر المجتناة من إضافة 83 مليون شخص إلى سكان العالم هذا العام، وموت قرابة 58 مليون شخص، منهم 5 ملايين ماتوا بسبب التدخين، ومليونان ماتوا بسبب الكحول، ومليون و300 ألف ماتوا بسبب حوادث السير، وأزيد من 8 ملايين ماتوا بسبب السرطان.

ولا نقصد إلى الحديث عن قرابة 824 مليون شخص ممن يعانون سوء التغذية في هذه السنة، مقابل أزيد من مليار ونصف يعانون زيادة الوزن، وينفقون أكثر من 500 مليون دولار كل يوم لإنقاص وزنهم.

ولا نريد الحديث عن أزيد من 65 مليون لاجئ تم إحصاؤهم في هذه السنة، منهم 5 ملايين من بلد عربي كسوريا، ولا عن أزيد من 12 مليون قابع في السجون العالمية، ولا عن ضحايا عشرات الحروب المشتعلة هنا وهناك، وغير ذلك مما يستوجب أخذ العبرة، ومضاعفة حمد الله -تعالى- وشكره على العفو والعافية، وعلى الأمن والطمأنينة. (وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا).

وإنما قصدنا أن نتناول أحداث هذه السنة مما بعثه الله آيات ونذرا، مما أصاب البشرية من ابتلاءات يسميها البعض بالكوارث الطبيعية، وينسبها للأحوال الجوية، و التغيرات المناخية، وارتفاع حرارة الأرض والمحيطات، التي -وإن كانت أمورا علمية لها وزنها-، ولكن لها رب مسبب، يتحكم فيها كما يشاء، ويجريها كما يشاء، إما تخويفا للناس بعد أن تمادوا في المعاصي والغفلة عن الآخرة، أو عقابا لأقوام انساقوا وراء غيهم وضلالهم ومجاهرتهم بمعاداة الدين وأهله، أو عبرة لمن يعتبر، وذكرى لمن يدكر.

ويمكن تصنيف هذه الأحداث التي شهدها عام 2017 إلى خمسة أنواع من الابتلاءات، تستوجب منا شكر المنعم -سبحانه- أن نجانا الله من لأوائها، وحفظ بلدنا من مغبتها، لا أذكر منها إلا ما اشتهر وانتشر، وهي:

1- خمسة حرائق خطيرة:

الأول: سلسلة من حرائق الغابات القاتلة، بلغت 156 حريقا، عبرت وسط البرتغال خلال الليل والناس نيام، واستمرت أربعة أيام، نتج عنها مقتل ما لا يقل عن 63 شخصا، على الرغم من مقاومة النيران من طرف  أكثر من 1700 رجل اطفاء، أتوا من جميع أنحاء البلاد.

الثاني: حريق برج غرينفيل بلندن، وهو برج سكني يزيد ارتفاعه على 64 مترا، ومكون من 24 طابقا، نتج عنه مقتل 80، وإصابة 74، على الرغم من استنفار مئات من رجال الإطفاء، و45 سيارة إطفاء.

الثالث: احتراق مبنى تجاري من 17 طابقا، في العاصمة الإيرانية طهران، أودى بحياة 30 من رجال الإطفاء وحدهم.

الرابع: هجوم لص على منتجع في مانيلا بالفلبين، عندما أشعل مسلح النار في طاولات الكازينو، حيث القمار، والسكر، والرقص، والعربدة، فنتج عن الحريق تدافع أدى إلى وفاة 38، وإصابة 70 آخرين.

الخامس: سلسلة من حرائق غابات كاليفورنيا، في شمالها وجنوبها، بلغت  8771 حريقا، أتت على أزيد من 5000 كلم مربع، ودمرت قرابة 10000 مبنى، وقتل العشرات، وبلغت الخسائر الاقتصادية أزيد من 180 دولار.

2- سبعة زلازل: واحد بالهند، بقوة 5.8 درجة. والثاني في الحدود العراقية الإيرانية بقوة 7.6 درجة، تجاوزت حصيلته 530 قتيلا، و10000 مصاب. والثالث: زلزال بحر إيجة بتركيا بقوة 6.7 درجة. والرابع: زلزال بوهانغ بكوريا الجنوبية، بقوة 5.4 درجة. والخامس: زلزال عنيف بالمكسيك بقوة 8.1 درجة، نتج عنه عشرات القتلى والمصابين. والسادس زلزال جنوب الصين، أصاب عددا من السياح، ودمر نصيبا من البنية التحتية للمنطقة. والسابع: زلزال كرمان شرق إيران بقوة 6.1 درجة، نتج عنه انهيار العديد من البنايات، وعشرات الإصابات. أما الزلازل الصغرى فهي بالعشرات، مما يذكرنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ -وَهْوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ-، حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضُ” البخاري.

3- ثلاثة خسوف للأرض، مما يعبر عنه بالانهيارات الأرضية:

الأول بفريتاون عاصمة سيراليون غرب إفريقيا، حيث تهاطلت أمطار غزيرة استمرت ثلاثة أيام متواصلة، فاتجهت الفيضانات في كل مكان، وانهارت الأرض تحت أناس كان الكثير منهم نائمين، أسفرت عن مقتل أزيد من 300، و تشريد 3000 شخص، واعتبار الآلاف في عداد المفقودين.

والثاني: خسف بمقاطعة سيتشوان جنوب الصين بطول كيلومترين، على الساعة الخامسة والنصف صباحا، أدى إلى انهيار 40 منزلًا، وقتل 15 شخصًا، وفقدان 93 آخرين، بعد مشاركة قرابة 2000 عامل إنقاذ

والثالث: خسف ب مُوكُوَا غرب كولومبيا، يببه فيضانات هائلة، أدت إلى مصرع 254 شخصا، وإصابة 400 ، وفقدان 220.

وقد بوب النسائي في سننه قال: “باب الاستعاذة من الخسف”، وذكر تحته قول النبي صلى الله عليه وسلم: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي”. قال جبير بن مطعم: “وَهُوَ الْخَسْفُ”.

4- أزيد من عشرة أعاصير، بعضها لم تعرف البشرية مثله منذ عدة عقود:

– منها إعصار إيرما، الذي مر على أزيد من اثني عشرة دولة، منها فلوريدا التي عاشت رياحا قوية بسرعة بلغت 300 كم/س مستمرة لمدة 37 ساعة، والتي أمر حاكمها بإجلاء أكثر من 6.3 مليون شخص من منازلهم. وعلى الرغم من الإنذارات المبكرة، والإمكانيات المادية الهائلة، قتل أزيد من 124، وسجلت الخسائر المادية بقرابة 10ملايير دولار.

ومنها إعصار هارفي في تكساس، الذي استمر 10 أيام، قضى فيه قرابة 64 شخصا، وقدرت الخسائر بـ180 مليار دولار. ومثله إعصار ماريا بجزيرة دومينيكا، الذي أودى بحياة 78 شخصا،  بخسائر قدرت بـ91 مليار دولار. ومثله إعصار خوسي، وإعصار نيت بلويزيانا، وإعصار تمبن بالفلبين، وإعصار لان باليابان، وغيرها.

5- المجاعات: حيث ضربت موجة جفاف الصومال، مؤثرة على أكثر من 6 ملايين شخص أو نصف سكان البلاد، حتى أصبحت المياه غير صالحة للشرب، وتسبب ذلك في وفاة 110، ولحقت الأمراض بغيرهم، وكان للحرب الداخلية هناك أثر في تفاقم المشكلة.

وتأثر أكثر من 100000 شخص بالمجاعة في جنوب السودان، الذي عرف انهيارا اقتصاديا خطيرا، زاد من تفاقمه الحروب الأهلية التي تشهدها المنطقة، حتى صار 40٪ من السكان، -أي: قرابة خمسة ملايين- في حاجة ماسة إلى الطعام.

فأي معنى لاحتفال بسنة دارت أهم أحداثها بين حرائق، وزلازل، وخسوف، وأعاصير، وحرائق؟

لقد كان أحرى أن تكون الإنجازات العظمى في هذه السنة متمثلة في رد الاعتبار للفقراء والمنكوبين، وإشاعة روح التعاون والتآزر بين الأفراد والمجتمعات، والتفكير بما ينهض بالأوضاع المأساوية لكثير من الناس إلى درجة الكفاية والكرامة وحفظ ماء الوجه، مما يكفل جعلَ المجتمع الدولي نسيجا واحدا، وجسدا واحدا. قال -تعالى-: (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ).

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M