الإسلام في دقائق

19 نوفمبر 2021 19:33

هوية بريس – رشيد الذاكر

إن هذا الدين العظيم الذي شاء الله تعالى أن يجعلنا من أهله، ليس دينا فرديا نستروح به في نفوسا، ونطبق شعائره التعبدية في مساجدنا ودور عبداتنا، بل دين: جاء ليحكم الحياة، وينظم المجتمع، ويُصْلِحَ السياسة، ويقيم الدولة على العدل والخير والصلاح … دين جاء يحمل رسالة للعالم كله. {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان:1].
هذه الرسالة: لا يمكن أن تكون كذلك إلا إذا تبنى أهلها مشروع الرسالية، قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108].
فالآية كما ترى: ترسم أمام ناظريك المشروع الكبير للإسلام، والذي قصده حسب ترتيب الآية:
الأول: الدعوة إلى الإسلام: وإنما قدمه على غيره: لأنه وسيلة إقامة المشروع الإسلامي، الذي لولاه لما جاوز الإسلام رحاب مكة. وحتى لا يظن المسلم أنه في حِلٍ من الدعوة -وإنما هي خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم فقط- قطع الشك باليقين بقوله تعالى (أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) فكل من أعلن اتباعه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وجب عليه القيام بمشروع الدعوة إلى الإسلام.
الثاني: العلم: وهذا يلمسه المسلم في كل القرآن من الحث على العلم والتعلم، وتعظيم شأنه، ورفع قدر أهله…
الثالث: السلوك التعبدي: وعبر عنه في الآية، بنوع عظيم من التعبد -قلبي لساني- (التسبيح) وهو من أعظم مقامات الدين: الذي إذا رُبطً المسلم به قَلَبَ سلوكاته كلها إلى قصد التعبد. ولذلك وصفه القرآن بالعمل الأكبر في تغيير سلوك الإنسان {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:45].
الرابع: التوحيد المنافي للشرك: وهذا حقيقة هو النتيجة التي ينبغي أن يصل إليها المسلم وينقلها لغيره من خلال مشروعه الدعوي.
إذا تقرر هذا فيرد السؤال: كيف لنا بذلك ودراسة الإسلام تأخذ من الإنسان مدة طويلة من الزمن؟
والجواب: يأتيك من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً» فليس بشرط أن تكون عالما بكل تفاصيل الإسلام لتمارس المشروع الدعوي، ولكن ذلك حسب علمك واستطاعتك.
وهذا المقال: كتب لك خاصك عزيزي القارئ بعدما طمحت نفسك أن تكون مسلما كما يريد الله تعالى عندما خاطبك بقوله عز وجل: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108]. ليضع أمامك تصورا إسلاما شاملا: تمارس عملك الدعوي من خلاله. وسوف يعالج مسألتين اثنتين: الأولى: التعريف بالإسلام، والثاني: مقاصده وأهدافه.
المسألة الأولى: التعريف بالإسلام: يتفق الجميع على أن أعلم الناس بالإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث الإجمال: هم الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين، لذا سوف نترك لأحدهم أن يعرفنا بهذا الدين باختصار كامل شامل: وهو جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، فقد قال وهو يخاطب ملك الحبشة: معرفا إياه بمضمون الإسلام:
«كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله وحده، لا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام» .
إن النص يحتاج أن يُقرأ عدة مرات قبل مواصلة هذه السطور. فإذا فعلت ذلك وجدت فيه عدة أمور:
أولها: وصف حال الجاهلية: (كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف). ولا يخفاك أن هذا موجود في العالم الإسلامي اليوم، فضلا عن غيره: لندرك أن الدعوة بحاجة إلى الإحياء من جديد وبشكل دائم ومستمر.
ثانيها: تقديم دلائل النبوة الموجبة للإسلام: (حتى بعث الله إلينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه) وهذا الموضوع: شبه مُغيب اليوم في كثير من الخطابات الدينية، ولذلك ترى عزوف بعض الشباب عن التدين: والسبب غياب الدليل المقنع في أحيان كثيرة.
ثالثها: تقديم مجمل محتوى الإسلام: (فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله وحده، لا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام).
فهذه خلاصة موجزة في التعريف بالإسلام وهي تخبرك بالخطأ الذي يقع فيه اليوم العديد من المسلمين عندما قصروا الدين على جانب التعبد من صلاة وصيام وزكاة وحج.. بل هو عقيدة وعبادة ومعاملات وأخلاق… ودعوة إلى ذلك.
المسألة الثانية: مقاصد الإسلام: يطلق مصطلح المقاصد ويراد به الأهداف والغايات التي تتحقق للإنسان عند الالتزام بمبادئ الإسلام وشرائعه، وهذه المقاصد كثيرة جدا. غير أنها في كل تفاصيلها يمكن إرجاعها إلى مقاصد كبرى.
هذه المقاصد الكبرى منها ما يرجع إلى الدنيا ومنها ما يرجع للآخرة، ويكفي حديثا عن الآخرة قول الله تعالى: {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى} [الضحى:4] وقوله سبحانه: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ} [آل عمران:198].
والحديث في هذا المقال الذي بين يديك هنا سوف يقتصر على المقاصد الدنيوية الكبرى: يقول الإمام: أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى: «ومقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة» . وسبب حصرها في هذه الخمس: إنما كان نظرا إلى الواقع والعلم بانتفاء مقصد ضروري خارج عنها في العادة .
فهذه إذن الأهداف الكبرى التي أراد الإسلام تحقيقها للإنسان في الحياة، ولنا معك وقفة مع كل واحدة.
أولا: حفظ الدين: الدين فطرة إنسانية، ووجوده ضرورة بشرية، ولذلك يقال (الإنسان كائن متدين) وأصل هذا الدين أنه منزل من عند الله تعالى، لكن تدخل البشر: وطول الزمن قد يعبث بتعاليم الدين المنزلة من عند الله… ولهذا كان الإسلام: الرسالة الأخيرة المصححة للانحراف البشري في التصورات الإيمانية والتعبدية والسلوكية… وإن الله تعالى بقدرته وإرادته: حفظ هذا الدين أن تطاله أيدي العابثين والمحرفين: ليكون شاهدا على باقي الرسالات المنزلة من قَبلِهِ، كاشفا عما فيها من صدق أو باطل: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} [المائدة:15].
ولهذا كان الإسلام هو الحامي للدين في نفسه {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] والحامي للإنسان من الوقوع في الانحراف العقدي والإيماني، وكفى بهذا نعمة من الله تعالى.
ثانيا: حفظ النفس: النفس بما فيها من عقل وروح وبدن هدية من الله تعالى، إما أن تعيش كما تريد أو كما يريد الله تعالى: والله تعالى أردها: أن تكون سالمة معافاة عالمة مفكرة، صاحبة إرادة حرة، تحمي نفسها من الضرر والأذية، كما تحمي غيرها. وأرادها أيضا: أن تكون مكرمة معززة غير مهانة ولا مستلبة الحقوق… وإذا لم تسر على ما يريد الله تعالى: كانت كما يريد لها اليوم دعاة المادية: مجرد وسخ كيمائي، وسيلة لا غاية… تعيش من أجل شهوة البطن والفرج، وتسمتع كما تريد سواء على نسق الإنسان أو الحيون. {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء:27].
قارن هذا التصور المادي للإنسان وبين قول الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء:70].
ثالثا: حفظ العقل: العقل هو القيمة الوجودية لدى الإنسان الفاصلة له عن باقي الحيوان، ولهذا: تجد الإسلام قد جعله مدار التكليف: فإذا وجد العقل: وجب وإلا سقط -أي التكليف- ولذلك رفع من قدر العقل، ودعا لتمنيته وتعلميه وتحريره من سلطان الخرافة والأوهام… بل حرم كل ما يلحق به من ضرر أو يؤثر عليه أو يعطل طاقته كالخمر والحشيش وغيرهما.
إن ما خص الله تعالى به العقل في الإسلام من جوانب الإعداد والرعاية والحفظ يقف شاهدا عاليا على محاسن الإسلام وعظمته، ويكشف عن هدف من يريد منا تغيب هذه العطاء الإلهي، لعله يجعل منا كائنات مستهلكة غير متعلمة ولا مفكرة ولا منتجة.
رابعا: حفظ النسل والعرض: إنه لا معنى للإنسانية بدون استمرار وجودها، ولا حفظ عفتها وكرامتها، ولهذا تجد في الإسلام تشريع الزواج، وتنظيم الأسرة وإيجاب تربية الأبناء، وتنظيم العلاقة بين الذكر والأنثى، كما شرع كل ما يحمي الأعراض: فدعا إلى العفة والحياء وحرم الزنا والقذف.
أن هذا المقصد لا يمكن أبدا مقارنة نتائجه العظيمة بما تعيشه البشرية اليوم من ويلات ومصائب عندما انحرف الإنسان عن تنظيم الله تعالى للوجود الإنساني في علاقة الذكر مع الأنثى: من زنا والشذوذ، وأطفال الشوارع… فليس لنا إلا قول الحمد لله على نعمة الإسلام.
خامسا: حفظ المال: إن الإسلام دين شامل لكل حياة الإنسان، وإن حياة الإنسان لا تنفصل عن المال، ولهذا سوف تجد الإسلام يعطي أهمية كبرى في عرض ومعالجة وتوجيه الظاهرة المالية: ويبدأ ذلك من رفع قدر العمل، والحث على الكسب وعلى تحصيل المعاش، والدعوة إلى الاستثمار مع ضبط التصرف المالي، بقواعد حامية: مثل تحريم الاعتداء على المال بالسرقة والنهب أو الحيل، ومنع الإنفاق فيما يعود بالضرر. كما حرم الربا والاحتكار والقمار، وكل أشكال أكل أموال الناس بالباطل.
إن الإسلام يريد أن يكون المال في مصلحة الإنسان، وليس الإنسان في مصلحة المال، أن يكون المال خادما لا مخدوما، لأن الإنسان هو الجوهر وباقي عرض.
وجوهر الكلام: أن هذا هو الإسلام وهذه أهدافه ومقاصده الكبرى، التي لا يمكن أبدا أن تقارن في جمالها وسموها ورفعتها بما أحدثه الإنسان معارضا به التوجه الإسلامي، لأن هذا الدين الوحيد الكامل المنسجم مع فطرة الإنسان وعقله. قال الله تعالى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة:3].
وإن كل حضارة تقوم في الوجود لا تحفظ للإنسان ضرورات حياته الكبرى: لا يصح أبدا أن تسمى بحضارة: لأن الإنسان كائن عاقل متدين منتج، مستمر في الوجود، يضع عينه على الدنيا والآخرة، ولا يكون كل هذا إلا بالإسلام. {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85].

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M