الدين والعلم والسياسة في زمن الكورونا

24 أبريل 2020 19:58

هوية بريس – عبد الرزاق المزيان

دائما ما كنت أربأ بنفسي عن المجادلة العقيمة للمخالفين لآرائي، قاعدتي في ذلك: لنعمل فيما اتفقنا عليه وليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه، قاعدة تحتفظ بحق الآخر في الاختلاف في جو من الاحترام الذي لا يفسد للود مسألة، وهي بالمناسبة قاعدة إسلامية أصيلة تقر بحق الآخر في الاختلاف وعدم إكراهه بقناعاتنا ما لم تجد عنده قبولا واستحسانا، ولوتعلق ذلك بأمور العقيدة كما تشير إلى ذلك الآية الكريمة “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ”(يونس،99)، غير أن الضجة التي قامت ولم تقعد مؤخرا على كل ما هو إسلامي ساقتني إلى المجادلة سوقا.

أسباب النزول تتعلق بما رافق تداعيات جائحة كورونا من اصطفافات أيديولوجية توزع خلالها المتناظرون\المتناحرون التهم حول جدلية العلم والدين في التعامل مع هذه الجائحة حيث تم إقحام الإسلام في أتون هذه المناوشات الكلامية إقحاما وتم اتهامه بالخرافية والتصادم مع العلم حجتهم في ذلك ما أقدم عليه بعض المنتسبين للإسلام من ممارسات باسم الدين والتي هي في الواقع أقرب للشعودة منها للدين والإسلام منها براء. ثم متى كان الدين متعارضا مع العلم والقرآن الكريم يقر بأحقية أهل العلم في قوله تعالى : “قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ”(الزمر، 9) وفيه أيضا حث على التفكر وإعمال العقل “قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ” (العنكبوت، 29).

ما أثارني في هذه الحروب “الدون كيشوتية” كذلك هو الخلط الفج، عن قصد أوعن حسن نية وسوء فهم، بين الإسلام كدين ومنظومة حياة أكثر من مليار مسلم وبين الممارسات الشاذة لبعض من ينتسبون لهذا الدين العظيم الذي قال عنه أحد الغربيين منبهرا (توماس أرنولد) ياله من دين لو كان له رجال، والشاذ لايقاس عليه كما هو معلوم عند كل لبيب.

الأنكى من ذلك أن بعضهم اتخذ من كبوات ومزالق بعض من ينتسبون للإسلام في هذه الظرفية لتصفية حساباتهم السياسيوية الضيقة مع مخالفيهم ولو على حساب هذا الدين الحنيف. وحتى نكون منصفين، فهؤلاء هم في الواقع فريقان لافريق واحد. فريق يحارب الإسلام جهارا ويكن لأهله العداوة من منطلق ايديولوجي، وفريق يدافع بصدق عن ضرورة عدم إقحام الدين الإسلامي في الشأن السياسي لقطع الطريق عن المتاجرين به.

للفريق الأول نقول “لَنَا أَعمَالٌنَا ولَكٌم أَعمَالٌكٌم”(القصص،5)لكن لهؤلاء نقول كذلك كما أن لكم الحق في الوجود والاختلاف لنا الحق ذاته ولو من منطلق مرجعيتكم الكونية لحقوق الإنسان إن كنتم بها تؤمنون، ولتساكن الأحزاب الديموقراطية المسيحية مع باقي الأطياف السياسية بأوربا عبرة إن كنتم بالغرب تقتدون.

وللفريق الثاني نقول، حقا يتم باسم الإسلام الكثير من التجاوزات على مختلف الصعد، لكن ليس ذاك معناه أن نركن هذا الدين في الزوايا وننقطع به عن الحياة فيحق علينا العتاب الإلهي “وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا “( الحديد27). فالدين الإسلامي، كما نفهمه، هو منظومة حياة لامجرد شعائر وعبادات، وهو يحث المسلمين على إفراغ الجهد والمدافعة لإعمار الأرض لا الاستكانة والدروشة.

بعدما خلصنا إلى أنه لا تعارض بين الدين والعلم ولارهبانية في الإسلام، نرى أنه من الأحوط،في المجال السياسي، أن لا يستغل الدين لامن منتسبيه ولامن مناوئيهم، إذ الإسلام دين المغاربة قاطبة، وليكن تنافس أحزابنا واستقطابهم للقواعد مبنيا علىنجاعة البرامج الاقتصادية والاجتماعية ونهج الرؤى والاستراتيجيات وتطبيقها على أرض الواقع.ولتكن مرجعية وأرضيةالجميع الإسلام والمذهب المالكي المعتدل، ذاك الصرح العظيم الذي حافظ على لحمة الأمة المغربية في كل محطاتها التاريخية ودحر أطماع الاستعماروأذنابه القدامى والمحدثين وسعيهم الحثيث لسلخ الهوية الإسلامية للمغاربة من جهة، كما دحر، من جهة أخرى، أطماع العثمانيين القدامى والمحدثين وقبلهم سلفية الوهابيين القدامى والمحدثين كذلك والذين حاولوا جميعا باسم الإسلام “المأدلج” السيطرة على مقدرات المغرب وتدجين أهله.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M