الضريح العلمي المحلي للرشيدية!!!

12 فبراير 2016 15:23
فصل المقال فيما بين التمر والكيف من انفصال

عبد الكبير حميدي

هوية بريس – الجمعة 12 فبراير 2016

من يقترب من مقر المجلس العلمي -عفوا الضريح العلمي- للرشيدية، يشتم رائحة الموت من بعيد، وتتراءى له مظاهر العطالة والبطالة وهي تتبختر في أروقة الضريح وتجر أذيالها حوله، فلا دعوة ولا تكوين، ولا أنشطة داخلية ولا فعاليات إشعاعية، ولا حركة ولا نشاط، كل ما في الأمر استقبال مذكرات، وتوقيع مراسلات، وإرسال تقارير، فتحول المجلس إلى إدارة بطيئة خاملة، وإلى جزيرة معزولة عن محيطها مقطوعة الصلة بما حولها، وهكذا صارت الأجواء داخله وحوله أشبه ما تكون بأجواء الأضرحة، حيث يرقد بعض الأموات غير العاديين، وحولهم بعض الأحياء العاجزين عن مواكبة الحياة ومجاراة الأحياء يحرسونهم ويسهرون على راحتهم.

بدأت أزمة الضريح، من يوم أن سرح مقدم الضريح ومعه مدير الأضرحة عشرات الوعاظ، وأوقفا خيرة الخطباء، وصفيا خمسين من مركز تحفيظ القرآن في المساجد، وشطبا كل مبادرات المجلس السابق، فساد الصمت والسكون المدينة، وغاب كل أثر للحركة والحيوية والنشاط، وعلى إثر هذا العمل العظيم وهذا الإنجاز الكبير، تم تثبيت مقدم الضريح في منصبه، وتمت ترقية مدير الأضرحة إلى منصب مدير لأضرحة الجهة، اعترافا بجهودهما الطيبة وتضحياتهما الجسام، في حفر القبور، وتجهيز الأموات، وإقبار الدعوة، وإدارة الأضرحة.

حتى زوار الضريح، لم يعودوا بالعدد والكثافة التي كانوا عليها أيام كان مجلسا، وأيام كان أشبه بخلية نحل تغص بالحركة والحيوية والنشاط، وإنما صاروا قلة من المضطرين لبعض الوثائق أو التزكيات، أو من الطامعين في بعض الفتات، أو من بعض الطيبين المخدوعين، وأما من يملكون بقية من أنفة ودين، فإنهم إذا مروا من أمام الضريح، أسرعوا السير وحثوا الخطى، حتى لا يصيبهم ما أصاب أهل الضريح من عطالة وبطالة، ومن موت وسكون، مستأنسين في ذلك بسنة النبي عليه السلام لما مر بمساكن أصحاب الحجر -وهم ثمود قوم صالح- في غزوة تبوك، فنهى الصحابة عن دخولها، مخافة أن يصيبهم ما أصابهم، وقال لهم -كما في حديث ابن عمر رضي الله عنه-: (لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، أن يصيبكم ما أصابهم، إلا أن تكونوا باكين، ثم قنع رأسه -أي تستر بردائه- وأسرع السير حتى أجاز الوادي) (أخرجه البخاري ومسلم).

مقدم الضريح، الخبير بدهاليز الأضرحة، العارف بأصول الضيافة، لا يفتأ يوزع كؤوس الشاي على زواره القلائل، ومعها كثير من الوعود والمجاملات والأمانيات، عسى أن يعيد للضريح بعض القبول والإقبال، وبعض الحيوية والنشاط، وحتى يجد حوله من المريدين والزوار من يكلمه ويؤنس وحشته، لكن هيهات أن يصلح العطار ما أفسد الدهر، فلا يظهر أن لذلك أثرا، إذ لا شيء يحجب العطالة والبطالة، ولا صوت يعلو فوق صوت الموت والصمت والسكون.

الخيار الوحيد المتبقي لإنقاذ الضريح العلمي المحلي من الإفلاس، هو أن يعلن بما فيه ومن فيه تراثا دينيا وطنيا، تستفيد المدينة من بعض مداخيل زيارته والسياحة فيه، أو أن يتخذ محمية بشرية لحماية بعض الكائنات القديمة العاجزة عن التطور والمواكبة والانفتاح، لحمايتها من الانقراض وحفظها للأجيال القادمة، باعتبارها عينات مثالية للجمود والتخلف والخمول.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M