الكنبوري: الأنوثة والذكورة غير مطروحة بتاتا في الفقه الإسلامي إلا في عقول المهمومين بقضية النوع والجندر

02 فبراير 2021 18:50

هوية بريس – نبيل غزال

سيرا على خطى بعض المستشرقين والمفكرين الحداثيين، يصرّ نشطاء على اتهام الفقه الإسلامي بالذكورية، والانحياز للرجل على حساب المرأة وحرمانها من حقوقها في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ومشكلة هؤلاء ليست قاصرة على ما يسمونه بـ”الأحكام الذكورية” فقط، وإنما تتعداها إلى باقي الأحكام التشريعية الأخرى، التي يحاولون إسقاطها تارة بكونها مجرد إنتاج بشري، وتارات أخرى بأنها كانت مناسبة لزمن مضى لكنها لم تعد صالحة للواقع الذي نعيشه اليوم (التاريخانية).

ووصل الحال بأحد النسويين أن زعم بأن الفقهاء الذكوريين منعوا المرأة “من القيام بدورها في تفسير قرآن ربها، وأن تفهمه بما أوتيت من ذكاء متوقد، وعاطفة إنسانية جياشة”.

الدكتور إدريس الكنبوري علق على هذا النقاش بأن “الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فإذا كان التصور ناقصا أو معدوما أصلا فلا بد أن يكون الحكم على الشيء حكما ناقصا أو معدوما لا يعتد به أصلا كذلك. وما يقوله هؤلاء عن الفقه الإسلامي انعكاس لتصورات ناقصة عن واقع هذا الفقه وواقع الإسلام عامة، أو هو انعكاس لغياب التصور أصلا”.

وأضاف المفكر المغربي “مقولة ذكورية الفقه الإسلامي ليست مقولة هؤلاء “النشطاء” بل هي مقولة استشراقية قديمة لاكها فيما بعد عدد من الباحثين العرب أمثال أركون وحامد أبو زيد وعبد المجيد الشرفي ومحمد شحرور وغيرهم كثير. هي عند هؤلاء مقولة ليس فيها إبداع لأنها نتيجة اتباع، والمتبع مولع بالتقليد، يدعي البحث بينما الواقع أنه مجرد ناقل.

ما المقصود بذكورية الفقه الإسلامي؟ هل معناه أن الفقهاء ذكور، أم معناه أن الموضوعات التي يهتم بها الفقه الإسلامي تهم فقط الذكور؟ أم معناه أن هذا الفقه عدواني تجاه النساء؟

لو رجعنا إلى التاريخ الإسلامي قديما وحديثا لوجدنا كل هذا عاريا عن الصحة.

فقد كانت المرأة في الحضارة الإسلامية مشاركة في كل أنشطة المجتمع، بل هناك ظاهرة فريدة جدا من نوعها لم تعرفها أي حضارة على الإطلاق، وهي أخذ الرجال العلوم الدينية من النساء. إذ كان الصحابة – وهم نخبة المجتمع آنذاك في المجتمع والدولة l’élite – يتوافدون على نساء النبي صلى الله عليه وسلم لأخذ الحديث والفقه منهن.

لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مركز العلم الذي يشع على من حوله، وكان الصحابة – وهم طليعة الفقهاء طبعا – يأخذون منه وهو يأخذ من الوحي، وكان أزواجه رضي الله عنهن الأكثر قربا منه، فكان الصحابة يراجعونهن لأخذ الفقه طالما أنهن يعاشرن النبي صباح مساء بل وفي الأوقات الحميمة. فهل هناك تأنيث للفقه أكبر من هذا؟ مع أن الأنوثة والذكورة غير مطروحة بتاتا إلا في عقول المهمومين بقضية النوع والجندر والذين لا ينظرون إلى المجتمع إلا بوصفه ذرات atomes متصارعات.

المثال الأبرز عن هذا عائشة أم المؤمنين. فقد كان الكثير من الصحابة يأخذون عنها العلم، وكانوا يراجعونها لأخذ الحديث والفقه أو للتأكد من الأحاديث والمسائل الفقهية، وكانت هي تصحح لهم الكثير.

ومن يرجع إلى كتب الحديث والصحاح سوف يجد المرأة جزء أساسيا من أسانيد الأحاديث.

فهل تمرد الصحابة مثلا على هذا الوضع، الوضع الذي تسيطر فيه النساء على جزء أساسي من العلوم الدينية؟ لقد كان عمر بن الخطاب مثلا كما يذكر التاريخ رجلا صارما حاد الطبع في الحق لكنه لم يحتج على هذا الوضع، لأن التفكير الذري – من الذرة – لم يوجد إلا اليوم.

هذا جانب. لنأخذ جوانب أخرى أكثر خطورة. منذ عقود وهناك خطاب يسيطر حول ذكورة الفقه الإسلامي، ولكن السؤال هو: لماذا لم ينشئ هؤلاء الرجال مثلا مدارس لتكوين النساء تكوينا فقهيا لمنافسة الذكور؟

لنأخذ مثلا صريحا: الناشطة نوال السعداوي على سبيل المثال قضت أكثر من خمسين عاما من عمرها في الحديث عن هذه القضايا، لماذا لم تكون نفسها تكوينا فقهيا تنافس به الذكور بدل أن تقضي عمرها كله في المطالبات والاحتجاجات؟”.

واعتبر المفكر المغربي أن هذه الأقاويل كلها لضرب الإسلام لا للدفاع عن المرأة، لأن من يدافع عن المرأة، وفق قوله، سوف يجد طريقا آخر. ومن يرجع إلى كتاب عبد الحميد أبو شقة الضخم عن تمكين النساء في المجتمع الإسلامي سوف يقف مبهورا أمام حضارة عظيمة بناها القرآن فأحسن بناءها، حضارة حررت المرأة تحريرا كاملا لم يحصل في أي حضارة أخرى.

وختم الكنبوري تصريحه لـ”هوية بريس” بقوله “على سبيل المقارنة، أقول بأن الحضارة الغريية المسيحية قامت منذ القرون الوسطى على كتابين أساسيين هما جمهورية أفلاطون وسياسات أرسطو، ولكن الرجلين ظلا عدويين للمرأة عداوة مطلقة، ويقول أفلاطون صراحة أن المرأة خلقت للطبخ والولادة والرضاع، ولا علاقة لها بالعلم.

وفي الحضارة اليونانية التي يمجدها الغرب لا تجد ولو امرأة واحدة في المجالات التي هي خارج البيت.

وحتى اليوم هناك من يتحدث في الغرب عن ذكورية المجتمعات الغربية التي تدعي أنها حررت النساء، لأنها لم تحررهن بل أخرجتهن من البيت لاستعبادهن في الخارج. ويحتج هؤلاء بالتفاوت في الأجور بين الجنسين مثلا وسيطرة النزعة الذكورية على الكثير من التخصصات والمجالات.

ولذلك أنصح هؤلاء النشطاء بأن يفتحوا أعينهم قليلا حتى لا يكونوا عبيدا لغيرهم”.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M