المشاركة المغربية الناجحة بكأس العالم: مكاسب جيواسترايجية وقوة ناعمة متصاعدة

11 ديسمبر 2022 17:49

هوية بريس – موسى المالكي / أستاذ باحث في الجغرافيا السياسية والقضايا الجيواستراتيجية

حملت المشاركة المغربية الناجحة في كأس العالم لكرة القدم المنظم بقطر، مكاسب جيواستراتيجية جمة تتجاوز الشق الرياضي، لتشمل الأبعاد الثقافية والحضارية والفنية والسياسية، مقدمة بذلك صورة مشرقة ومشرفة للمغرب والمغاربة، ومعززة القوة الناعمة المتصاعدة للبلاد ولمكانتها الإقليمية والدولية.

ورغم أن الجهد الأساسي قد بذله المنتخب الوطني، عبر بلوغه للمربع الذهبي بقيادة المدرب المغربي وليد الركراكي وروح القتالية العالية للأعبين، إلا أن المشاركة المغربية تمتعت أيضا بدعم ملكي وشعبي كبيرين (بما في ذلك الجالية المغربية)، وإشراف الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، وبمواكبة رسمية رفيعة المستوى، مثلها حضور السادة فوزي لقجع، ناصر بوريطة، عبد اللطيف الحموشي وياسين المنصوري.

وسيحاول هذا المقال، تسليط الضوء على مختلف أبعاد الحضور المغربي الوازن، متجاوزا الحدث الرياضي الصرف، ليستشف المكاسب التي حققها المغرب والمغاربة من هذا الحدث الرياضي الدولي، والتي ينبغي تثمينها سياسيا (خدمة قضية الوحدة الترابية الوطنية)، واقتصاديا (الترويج السياحي وتشجيع الصناعة التقليدية والمطبخ والفن المغربيين).

ويتماشى جانب من هذه الأبعاد، مع الإعلان الملكي عن إحداث “مركز وطني للتراث الثقافي غير المادي“، ضمن الرسالة السامية الموجهة للمشاركين في أشغال الدورة 17 للجنة الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي التابعة لليونيسكو، المنعقدة بمدينة الرباط نهاية الشهر المنصرم (28 نونبر 2022).

دعم شعبي مغاربي وعربي وإفريقي منقطع النظير للمنتخب المغربي

حظي المنتخب المغربي منذ مبارياته الأولى بتعاطف وتشجيع واسع من الأشقاء المغاربيين (موريتانيا، الجزائر، تونس، ليبيا)، والعرب (فلسطين، مصر والأردن واليمن والعراق وسوريا وكافة دول الخليج)، وسائر البلدان الإسلامية، وبطبيعة الحال من الدول والشعوب الإفريقية.

هذا الدعم الإستثنائي، لم ينحصر في ملء مدرجات ملاعب الدوحة، وارتداء القميص الوطني وترديد الأهازيج والشعارات المغربية “سير – سير – سير”)، بل كان من خلف الشاشات أيضا بمختلف ربوع العالم وبجميع اللغات، وبرفع أكف الضراعة والدعاء إلى المولى عز وجل “يا رب”، لقد حمل المغاربة مشعل وحلم الوحدة وبعث الأمل في النفوس من جديد، خاصة في ظل سياق جد صعب تعاني من تبعاته كل الشعوب.

لقد أقنع الأداء المتميز لكل من الجمهور والمنتخب المغربي، الكثير من المعلقين والمحللين الرياضيين، بل وجلب اهتمام وتتبع أشهر المؤثرين في العالم عربا وأجانب، ناهيك عن إنتاج آلاف المقاطع المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، حملت أغاني خاصة، وتقاسمت لحظات الفرحة من داخل البيوت والمقاهي والساحات والميادين، تهتف باسم المغرب.

حضور استثنائي لمغاربة الداخل وللجالية المغربية المقيمة بالخارج

لعل الأرقام والإحصائيات التي ستصدر عن الإتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا”، ستضع الجمهور المغربي في طليعة الجماهير المساندة لفريقها ضمن مجريات كأس العالم “قطر 2022″، وهو حضور لا نحصره في كثافة الحضور والقوة العددية، وإنما ينبغي توجيه تحية عالية للروح الرياضية والوطنية واللوحات الإنسانية الراقية التي قدمها هذا الجمهور المتميز داخل الملاعب وخارجها، في انضباطه وإبداعه وقوة تأثيره.

وفي هذا الإطار، أكدت الجالية المقيمة بالخارج، من جديد على انتمائها المتجذر ومغربيتها المتأصلة ووطنيتها الراسخة، ليس فقط داخل مدرجات الملاعب، وإنما متابعة الأسر والأطفال مرتدين القميص الوطني وملتحفين العلم المغربي في مختلف أنحاء أوروبا وأمريكا، وخروجهم في مواكب احتفالية بعد نهاية المباريات.

إن الشعب المغربي، بكل مكوناته وأجياله “ذكورا وإناثا شيوخا وصغارا”، كان في الموعد لمتابعة وتشجيع منتخبه خلف الشاشات داخل البيوت، أو الحصول على مقعد بالمقاهي (التي انتعشت وشهدت رواجا استثنائيا بالمناسبة خلال المباريات التي يخوضها المغرب).

واكتملت هذه الملحمة بمواكب الاحتفال في ساحات المدن (الرباط والدار البيضاء ومراكش ووجدة وطنجة وبأقاليمنا الجنوبية الغالية (العيون والداخلة مثلا)، وعذرا لجميع المدن والقرى التي لن نستطيع حصرها في هذا المقال، لكونه حدثا وطنيا شمل كافة ربوع المملكة. واكتملت صورة هذه الملحمة المغربية التاريخية، بنزول الملك محمد السادس للشارع للاحتفال جنبا إلى جنب مع أبناء شعبه، وأيضا تقاسم معنا المهاجرون الأفارقة المقيمون بالمغرب نفس الفرحة، في إشارة قوية وواضحة على اندماجهم التام في صفوف المجتمع المغربي.

الهوية المغربية تطبع حضورا ثقافيا وفنيا قويا ضمن مونديال قطر

أحسن المغاربة بكل تأكيد، استحضار وتمثيل وعرض مكونات ومقومات الهوية المغربية لفائدة الجمهور العربي والدولي، فقد كان الفن المغربي حاضرا في شوارع قطر وجنبات الملاعب “فن كناوة، والأهازيج الشعبية”، والمطبخ المغربي “الكسكس والطاجين”، والزي المغربي أيضا “القفطان”، وأسهم بعض الفنانين والمؤثرين والمواطنين في نجاح هذا الظهور.

ونستغل المقام، للدعوة إلى تثمين هذه الأبعاد، من خلال الترويج للوجهة السياحية لمدن وقرى المغرب، ولمنتوجات الصناعة التقليدية المغربية، والحفاظ على هذا الزخم الدولي للتعرف على مقومات الثقافة المغربية، مع وضع خطط مدروسة، واستثمار منهجي أفضل للفضاء الرقمي، وتوظيف واسع لتنوع اللغوي، بواسطة استخدام لغات أجنبية.

وقد سبق لنا، الإشارة في مقال آخر، حول سبل وآليات تطوير القوة الناعمة للمغرب، الحث على أهمية تأطير الإعلام الموازي، في عالم تصنع فيه الكلمة والصورة والمقاطع الصغيرة والتدوينات، الرأي العام الوطني والدولي. وهو ما يستدعي توفير التأطير والتكوين لمجموعات متخصصة من المغردين والمدونين والمؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي.

خلاصات وتوصيات للحفاظ على الزخم وتعميمه ومأسسته لتحقيق التنمية المنشودة

ختاما، ينبغي الخروج ببعض الخلاصات الأساسية من هذه المشاركة الناجحة، وفي مقدمتها وضع الثقة في الأطر الوطنية، ليس فقط في الرياضة “المدرب”، وإنما في جميع الميادين الاقتصادية والاجتماعية والأكاديمية، ومنح الثقة في الشباب والطاقات المغربية وعدم الانتقاص أو التشكيك من قدرات وطاقات البلاد.

أيضا، لا ينبغي حصر مظاهر الروح الوطنية، في ملاعب كرة القدم واحتفالات الساحات، وإنما إظهار التفاني لخدمة هذا الوطن في مختلف القطاعات والوظائف الحكومية والخاصة، وفي سلوكياتنا وتعاملاتنا اليومية مع بيئتنا ومدننا وقرانا.

إن “الملعب الحقيقي”، والمستمر لأطفالنا وتلاميذنا وطلبتنا، هو الأقسام والفصول داخل المدارس وفي قاعات الجامعات والمكتبات، ورغم حماس أجواء الفرح، إلا أن تسجيل حالات هدر ساعات دراسية، والتغيب عن بعض الحصص بدعوى متابعة المباريات، إشارة سلبية لابد من معالجتها وتقويمها تربويا وإعلاميا وأسريا.

أخيرا نتمنى أن يواصل فريقنا الوطني مسيرته الناجحة، ونبارك للشعوب المغاربية والإفريقية والعربية المجمعة على مساندة منتخبنا الوطني، وفي مقدمتهم الشعب الجزائري الشقيق الذي جسد شعار “خاوة – خاوة”، مجددا، ونخص بالتهنئة الشعب المغربي الغيور على وطنه خاصة وأن الفوز تزامن مع أمطار الخير والبركات التي من بها علينا العلي القدير.

 

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M