المغرب ينظر إلى العالم من خلال الصحراء

26 أغسطس 2022 09:58

هوية بريس – عادل بنحمزة

أكد الملك محمد السادس السبت الماضي بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب، أن ملف الصحراء المغربية هو “النظارة التي ينظر منها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس صدق الصداقات ونجاعة الشراكات”، وشكل الخطاب مناسبة دعا فيها العاهل المغربي، بعض الدول، خصوصا شركاء المملكة التقليديين، إلى “توضيح موقفها من قضية الصحراء المغربية بشكل لا يقبل التأويل”. كما ذكر بموقفين على درجة كبيرة من الأهمية، الأول يهم الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء والثاني يهم الموقف الإسباني الجديد والتاريخي الداعم لمغربية الصحراء، عبر دعمهما الواضح لمبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد للنزاع المفتعل.

الموقفان الأميركي والإسباني وضعهما الملك محمد السادس في سياق أوسع يرتبط بمسلسل الدعم الدولي لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب منذ 2007، حيث ذكر الملك بالتحول الدال الذي عرفته مواقف مجموعة من الدول الأوروبية، “منها ألمانيا وهولندا والبرتغال، وصربيا وهنغاريا وقبرص ورومانيا”، مما سيساهم في فتح صفحة جديدة في علاقات الثقة، وتعزيز الشراكة النوعية، مع هذه البلدان الصديقة، كما أن هذه التحولات ترتبط بدينامية متصاعدة لمقترح الحكم الذاتي، هذه الدينامية لها ثلاث أبعاد رئيسية، البعد الأول يرتبط بالتحولات الجيواستراتيجية التي يعرفها العالم، والبعد الثاني يرتبط بتأثير الموقف الأميركي القاضي منذ نهاية ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء ودعم مخطط الحكم الذاتي وتطبيقه ضمن السيادة المغربية والبعد الثالث يرتبط بأهمية الموقف الإسباني الجديد وخصوصيته.

البعد الأول: التحولات الجيواستراتيجية

تعتبر الحرب الروسية على أوكرانيا، بلا شك مقدمة لإعادة بناء نظام دولي جديد ثلاثي القطب (الولايات المتحدة، الصين وروسيا)، الأطراف الثلاثة تسعى إلى إعادة تحديد مجالها الحيوي وبطبيعة الحال هذه العملية ستخلف مواجهات على حدود المجالات الحيوية ذات الطبيعة الأمنية الاستراتيجية عالية الحساسية، وخطوط التماس ستكون في المحيط الهادئ حول بحر الصين إلى أستراليا ثم الحدود الشرقية الشمالية لأوروبا من بحر البلطيق إلى البحر الأسود، ثم في إفريقيا التي تعرف منافسة اقتصادية غربية ضد الصين ومواجهة محتملة غربية ضد روسيا بسبب الحضور العسكري الروسي المتزايد في إفريقيا (ليبيا، مالي، إفريقيا الوسطى)، لذلك فإن استمرار نزاع مفتعل في الصحراء المغربية يعتبر تركة من الحرب الباردة في منطقة مهمة من شمال إفريقيا تتميز بقربها من أوروبا وفي مواجهة السواحل الأميركية الشرقية مما يعتبر تهديدا استراتيجيا خطيرا للأمن الأميركي والأوروبي، لذلك نلاحظ أن الدول الغربية والاتحاد الأوروبي يعبرون عن مواقف مؤيدة للمغرب كشريك موثوق فيه بالمنطقة، إذ يمكن القول إن المغرب نجح في عكس الضغوط التي كان يتعرض لها والتي كانت أقرب إلى الابتزاز، إلى مواقف تأييد واضحة تأخرت لعقود طويلة.

البعد الثاني: أهمية الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء

عرف الموقف الأميركي تطورا مهما يرتبط بمسار التسوية الأممي، ويمثل وجهة نظر مؤثرة في تشكيل قناعة جديدة لدى مجلس الأمن في إطار تطور نظرته للنزاع في الصحراء منذ سنة 1997 التي عرفت التوقيع على إتفاقية هيوستن، وتوج هذا التحول في الموقف الأممي سنة 2007 عندما قدم المغرب مقترح الحكم الذاتي كأرضية جديدة للتفاوض بعد اقتناع القوى الكبرى والعديد من العواصم العالمية، بأن مسلسل تحديد الهوية وتنظيم الاستفتاء أصبح غير قابل للتطبيق، وأن التشبث به لا يفضي سوى إلى تمديد زمن الصراع في منطقة تعرف تحديات أمنية كبيرة بأبعاد دولية. مقترح الحكم الذاتي الذي وصفه مجلس الأمن منذ 2007 بالجدي وذي المصداقية، اعتبر طرحاً واقعياً يقطع مع الإطار الذي كان يحيط بأطروحة الإستفتاء، والمبني على ثنائية خاسر في مقابل رابح، وهو ما جعل من طرح الاستفتاء غير قابل للتطبيق، لأن كل طرف يريد ربح النتيجة قبل بداية الاستفتاء ويرفض المغامرة بانتظار النتيجة، لذلك قدم المغرب أرضية تقوم على رابح رابح، فلا يخسر المغرب سيادته ووحدته الترابية، ولا تخسر جبهة البوليساريو ما رفعته من شعارات ما دون تأسيس دولة منفصلة عن المغرب. هذا الحل الواقعي شكل عمليا منفذا للحل أمام المنتظم الدولي، ونظرا لقوته القانونية والسياسية والأخلاقية وسرعة نفاذه لدوائر القرار الدولي، فإن الجزائر راهنت على الزمن لفقده تلك القوة والإشعاع…فجاء الموقف الأميركي الذي صدم النظام الجزائري ذلك أن واشنطن هي حاملة القلم في كل ما يتعلق بقرارات مجلس الأمن بخصوص الصحراء، إضافة إلى تأثير الولايات المتحدة في عدد من العواصم المغربية وقد ظهر تأثير الاعتراف الأميركي في صيغة القرار الأخير لمجلس الأمن 2602 بخصوص قضية الصحراء الذي أسقط الأوهام الجزائرية.

البعد الثالث: أهمية الموقف الإسباني وخصوصيته

ثمن الخطاب الملكي الموقف الواضح والمسؤول للجارة الشمالية إسبانيا، والتي وصفها بأنها “تعرف جيداً أصل هذا النزاع وحقيقته”. الموقف الإسباني من قضية الصحراء المغربية مر بمراحل عدة، وقد اتسم على العموم بحياد معلن، لكن في الواقع كانت العقيدة هي ترك النزاع يتمدد ما من شأنه أن يلهي المغرب عن جملة من القضايا، لذلك من المفيد إعادة تركيب صورة الموقف الإسباني من قضية الصحراء المغربية لأن ذلك ما يعطيه خصوصيته وأهميته في المرحلة الحالية.

في 28 تشرين الثاني (نوفمبر) 1976، أشرف الجنرال غوميس سالازار، الحاكم الإسباني للصحراء المغربية (عندما كانت تحت الاحتلال الإسباني)، على إنزال العلم الإسباني ورفع العلم المغربي بحضور عامل إقليم الصحراء الراحل أحمد بنسودة، جاء ذلك تنفيذاً للاتفاقية الثلاثية بين المغرب وموريتانيا وإسبانيا، والتي عرفت باتفاقية مدريد التي أنهت عهد الاستعمار الإسباني للساقية الحمراء ووادي الذهب والذي امتد منذ 1884 وقد وُضعت الاتفاقية لدى الأمم المتحدة. هذه الاتفاقية شكلت تتويجاً لمسار طويل خاضه المغرب منذ حصوله على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة سنة 1956، إذ طرح المغرب موضوع تحرير الصحراء أمام لجنة الوصاية، وشكل هذا المطلب نقطة دائمة تكررت كل سنة، وذلك إلى حدود كانون الأول (ديسمبر) 1960، تاريخ إحداث لجنة تصفية الاستعمار.

تفاعلت المنظمة الدولية إيجابياً مع المطلب المغربي، بل صدرت قرارات أممية سنتي 1964 و1965 تندد بالاستعمار الإسباني، وتطالب مدريد بتصفية الاستعمار في الصحراء وسيدي إفني حاضرة قبائل أيت بعمران التي تم تحريرها من الاستعمار الإسباني سنة 1969، وبالدخول في مفاوضات بشأن القضايا التي تطرحها مسائل السيادة. هذه الوقائع التاريخية تثبت مسألتين رئيسيتين، الأولى أن إسبانيا، المستعمر السابق للصحراء، تعرف جيداً خبايا القضية المفتعلة في الصحراء المغربية كما أكد على ذلك الخطاب الملكي، وتعلم أكثر من غيرها أن عملية تصفية الاستعمار تمت، وأن الحكومة الإسبانية على عهد الجنرال فرانكو، أقرت سيادة المغرب على الصحراء باعتباره صاحب السيادة الأصلية، المسألة الثانية هي إقرار إسبانيا من خلال الوقائع على الأرض، بأن المغرب هو الطرف الوحيد الذي كان مدعواً الى التفاوض معها بخصوص تصفية الاستعمار سنوات طويلة قبل إنشاء العقيد القذافي وهواري بومدين الجبهة الانفصالية، وأن عملية الانسحاب الإسباني من الساقية الحمراء ووادي الذهب، كانت استمراراً لانسحابها من طرفاية سنة 1958 وسيدي إفني سنة 1969.

لذلك فإن الموقف الإسباني يعتبر شهادة تاريخية لها مصداقية كبيرة بين دول العالم وذلك ما أزعج النظام الجزائري الذي كان لايزال يوهم الرأي العام الدولي أن مدريد هي الوحيدة التي تملك إدارة الصحراء إلى حين تقرير المصير، وهذا ما يفسر اعتبار الخطاب الملكي لهذا الموقف الإيجابي لإسبانيا، مؤسساً “لمرحلة جديدة من الشراكة المغربية الإسبانية، لا تتأثر بالظروف الإقليمية، ولا بالتطورات السياسية الداخلية”…

هذه جملة من الاعتبارات والأبعاد التي تؤثر في الدينامية التي يعرفها الاحتضان الدولي لمقترح الحكم الذاتي، فهل تستوعب القيادة الجزائرية خطورة المرحلة التي يجتازها العالم لبحث حلول تحفظ حق شعوب المنطقة في التطور والتنمية؟ أم أنها مرة أخرى ستسعى لاستثمار الظرفية الدولية كما استثمرت بالأمس الحرب الباردة وتدفع المنطقة إلى الحدود القصوى من الصراع؟

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M