بوتفليقة.. رحيل أكثر رؤساء الجزائر مكوثا بالحكم (بروفايل)

18 سبتمبر 2021 17:56
قانونية "الأمة" توافق على رفع الحصانة عن عضوين مقربين من بوتفليقة

هوية بريس – وكالات

توفي الجمعة الرئيس الجزائري السابق، عبد العزيز بوتفليقة، عن عمر ناهز 84 سنة، وبعد عامين من نهاية حكمه إثر انتفاضة شعبية أطاحت به في أبريل 2019.

ومنذ مغادرته الحكم إثر انتفاضة 22 فبراير المسماة “الحراك”، كان يقيم بوتفليقة رفقة أفراد من عائلته بإقامة رئاسية غرب العاصمة الجزائرية.

كما كان بوتفليقة يعاني من آثار جلطة دماغية تعرض لها عام 2013 وافقدته القدرة على الحركة والكلام.

وبعد مغادرته الحكم في أبريل 2019 انهار نظامه تحت وطأة حملة من القضاء طالت اهم اركان حكمه بتهم فساد فتم سجن العشرات من الوزراء وكبار المسؤولين المقربين منه.

وتم تداول معلومات عن طلب بوتفليقة للشهادة في قضايا فساد لمسؤولين في عهده لكن القضاء لم يستدعه رسميا.

وحطم بوتفليقة عام 2012 لقب أكثر رؤساء البلاد مكوثا في الحكم بعد لقب أصغر وزير في الجزائر المستقلة لكنه دخل التاريخ أيضا كأول حاكم للبلاد يسقطه الشارع.

وقاوم الرئيس الجزائري، طيلة السنوات العشرين التي حكم فيها البلاد، عدة هزات سياسية نجح في تخطيها في بلد خرجت لتوها من أزمة أمنية خطيرة خلفت عشرات الآلاف من الضحايا والمشردين والمفقودين لكن انتفاضة الشارع أسقطته في النهاية.

ويقول مراقبون إن الرجل الذي رفض مزاحمته في صلاحياته من قبل المؤسسة العسكرية لدى وصوله الحكم بعبارة “لا أحب أن أكون ثلاثة أرباع رئيس” وتمنى رئاسة بصلاحيات مطلقة مدى الحياة قد أسقطته في النهاية انتفاضة شعبية غير مسبوقة في تاريخ البلاد دعمتها المؤسسة العسكرية.

كما ان الرجل الذي قاوم المرض طيلة 6 سنوات وهو متمسك بالحكم يقول معارضوه إن صلاحياته منذ تعرضه للمرض استولت عليها “قوى غير دستورية” تتمثل في أشقائه ومسؤولين في المحيط الرئاسي بشكل جعل البلاد تغرق في الفساد .

** مولده ومسيرته

وولد الرئيس الراحل بتاريخ 2 مارس 1937 بمدينة “وجدة” على الحدود مع الجزائر، ويعد من الساسة الجزائريين الذين عايشوا أغلب فترات الحكم منذ استقلال البلاد عام 1962.

والتحق بوتفليقة بصفوف ثورة التحرير ضد فرنسا عام 1956 في سن التاسعة عشر من عمره وكلف بجبهة مالي في أقصى الحدود الجنوبية للجزائر من أجل حشد دعم القبائل حول الثورة ومطلب الاستقلال وهو ما نجح فيه وأصبح تطلق عليه تسمية “عبد القادر المالي” نسبة لدولة مالي المجاورة جنوبا والتي كان يقود منها نشاطه.

وشغل الرجل الذي يقود الجزائر منذ 1999 لأربع ولايات متتالية، منصب وزير الشباب والرياضة في أول حكومة بعد الاستقلال وهو في سن 25 سنة قبل أن يصبح الرجل الثاني في نظام حكم الرئيس الراحل هواري بومدين (1965/1979) بصفته وزيرا للخارجية في فترة شهدت بزوغ نجم الجزائر في الساحة الدولية كمدافع عن قضايا التحرر ونظام اقتصادي عالمي جديد ينصف دول العالم الثالث.

وتلقى نكسة سياسية بعد وفاة الراحل هواري بومدين إذ كان من أهم المرشحين لخلافته لكن مؤسسة الجيش وقفت ضد طموحه ونصبت الرئيس الأسبق شاذلي بن جديد رئيسا للدولة.

وكانت هذه المحطة منعرجا في حياته السياسية إذ غادر البلاد عام 1980 وكانت وجهته الخليج العربي، حيث شغل منصب مستشار لحاكم الإمارات العربية المتحدة الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان .

وفي نهاية ثمانينيات القرن الماضي حاول العودة إلى الساحة السياسية من بوابة حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم لكن دخول البلاد في ازمة سياسية وأمنية بعد صدام بين الإسلاميين والنظام جعله يغادر البلاد مطلع التسعينيات.

ونقرأ في السيرة الرسمية لبوتفليقة والمنشورة سابقا على الموقع الرسمي للرئاسة أنه رفض “منصب وزير-مستشار لدى المجلس الأعلى للدولة وهو هيئة رئاسية انتقالية تم وضعها من 1992 إلى 1994 ثم منصب ممثل دائم للجزائر بالأمم المتحدة كما رفض سنة 1994 منصب رئيس الدولة في إطار آليات المرحلة الانتقالية” وهي فترة كانت تعيش فيها البلاد فراغا دستوريا بعد اغتيال الرئيس الراحل محمد بوضياف عام 1992 بعد أشهر من توليه الحكم.

وأكد سياسيون جزائريون في مذكراتهم أن بوتفليقة المعروف بـ”حنكته السياسية ” رفض تولي الرئاسة التي اقترحتها عليه مؤسسة الجيش بعد “رفض شروط عرضها للحصول على صلاحيات في تسيير الأزمة السياسية”.

وعام 1998 عاد بوتفليقة كمرشح للسلطة الحاكمة لرئاسة البلاد كخليفة لليامين زروال الذي قرر الاستقالة ليعتلي الحكم شهر أبريل 1999 في انتخابات انسحب منها ستة من منافسيه واتهموا السلطة الحاكمة “بتزويرها لصالح المرشح عبد العزيز بوتفليقة”.

لكن بوتفليقة رفض تلك الاتهامات وقال أن “انسحاب منافسيه مناورة سياسية فقط لا تستند إلى دلائل ملموسة حول التزوير”.

ونجا بوتفليقة بأعجوبة من محاولة اغتيال نفذها انتحاري من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي واستهدفت موكبه في 6 سبتمبر 2007 في “باتنة” جنوب شرقي الجزائر، لكن الانتحاري الذي اكتشف أمره استعجل تفجير حزامه قبل وصول الرئيس.

كما قاوم الرجل متاعب صحية -رغم أن المرض أنهكه خلال الأشهر الأخيرة- وجعل هذا “السياسي المحنك”، كما يوصف من مؤيديه ومعارضيه، قليل الظهور في الواجهة.

وتعرض بوتفليقة في 27 أبريل 2013 لجلطة دماغية سميت رسميا “نوبة إقفارية عابرة” نقل على إثرها للعلاج بفرنسا وهي الوعكة الصحية الثانية التي ألمت به في فترة حكمه بعد تلك التي أدخلته المستشفى الباريسي عام 2005 إثر إصابته بـ “قرحة معدية” لينجو بأعجوبة من الموت، كما صرح هو شخصيا.

وبعد عودته للبلاد في يوليوز 2013 مارس بوتفليقة مهامه في شكل قرارات ورسائل ولقاءات مع كبار المسؤولين في الدولة وضيوف أجانب يبثها التلفزيون الرسمي دون الظهور في نشاط ميداني يتطلب جهدًا بدنيًا بحكم أنه ما زال يتنقل على كرسي متحرك.

كما صمد الرجل ضد دعوات وحتى احتجاجات من المعارضة تدعوه لترك الحكم بسبب وضعه الصحي الصعب وترشح في أبريل 2014 لولاية رابعة فاز فيها بأصوات 82 بالمائة من الناخبين رغم طعن بعض منافسيه في الاقتراع بدعوى وجود تزوير.

** شهادات مسؤولين ومشروعات

ويختصر وزير الخارجية الجزائري الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي والذي عمل مع بوتفليقة في فترة السبعينيات مرحلة حكم الأخير في جملة واحدة “لا ينكر أحد أن البلاد عرفت في عهده إنجازات في البنى التحتية والمنشآت لكنها بالمقابل عرفت انهيارا كبيرا في الأخلاق والممارسة السياسية” في إشارة إلى انتشار الفساد وتمييع الساحة السياسية.

أما الرئيس الفرنسي جاك شيراك (1995/2007) فيصف بوتفليقة في مذكراته الصادرة العام 2011 بأنه “شخص ظريف وذكي وواقعي أيضا والجزائر نادرا ما عرفت مسيّرا متفتحا ولديه كل هذه الرغبة من أجل خدمة بلاده مثله”.

وأطلق بوتفليقة مع وصوله الحكم أهم مشروعين الأول للمصالحة الوطنية لحل على أزمة أمنية وسياسية عاشتها البلاد خلال التسعينيات وكان وراء نزول آلاف المسلحين من الجبال والثاني هو إعادة البلاد التي كانت محاصرة بسبب الأزمة إلى الساحة الدولية.

وردّ الرئيس على انتقادات طالت فترة حكمه في تصريحات عام 2012 بالقول: “التاريخ والشعب الجزائري وحدهما سيحكمان على الجهود التي بذلت لعودة السلم الاجتماعي والنمو الاقتصادي وعودة الجزائر إلى مكانتها الطبيعية بين الأمم”.

وكانت المعارضة تنتقد بشكل مستمر فترة حكم بوتفليقة وتعتبر أنها “اتسمت بانتشار الفساد والتضييق على الحريات وغموض التوجه الاقتصادي للبلاد”.

أما الموالاة فتصفه بـ”المنقذ” الذي أخرج البلاد من ازمتين امنية وسياسية مع وصوله الحكم كما حمى البلاد من عاصفة ما يسمى الربيع العربي والتي أطاحت بأنظمة حكم في المنطقة العربية ودمرت عدة بلدان حسبها كما جعل الجزائر دولة محورية في حل أزمات المنطقة بفضل تجربته الدبلوماسية الطويلة.

وخلال السنوات الأخيرة يقول مراقبون إن بوتفليقة الذي قال مع وصوله الحكم العام 1999 أنه يرفض أن يكون “ثلاثة أرباع رئيس” بسبب نفوذ المؤسسة العسكرية في الحكم تمكن من بسط سلطته الكاملة على مؤسسات الحكم بإبعاد اغلب الجنرالات النافذين في البلاد.

ومنذ العام 2013 قام الرئيس السابق بحملة تغييرات طالت المؤسسة العسكرية ومؤسسة المخابرات الواسعة النفوذ بالدرجة الأولى انتهت العام 2015 بإبعاد قائدها السابق الفريق محمد مدين المدعو توفيق والذي قضى 25 سنة في المنصب وكان يسمى “صانع الرؤساء” لنفوذه الكبير خلال السنوات الماضية كما تم حل هذا السلك الأمني وإلحاق فروعه بالرئاسة.

لكن مساعي بوتفليقة للسيطرة على مؤسسة الجيش منذ وصوله الحكم العام 1999 أظهرت فشلها في نهاية المطاف بعد أن اصطفت القيادة العسكرية في صف الحراك الشعبي المطالب برحيله.

(وكالة الأناضول).

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M