بين محمد الفايد وسقراط

15 أبريل 2020 18:05
الدكتور الفايد يتحدث في موضوع "تسميد الدلاح بالبراز البشري"

هوية بريس – أحمد بن العريف

حينما يستيقظ الجهل مع العاشرة صباحًا، وتأخذ دائرته في التّوسع في مجموعات فيسبوكية هي “أغورا” الزّمن المعاصر، فإن أول ما يهاجمه محاربو الجهل الشرسين، بإشارة من دهاقنة السّفاهة وعَسَسِ الإسفاف، المعروفين فيسبوكيًا؛ هم من في دائرة العلم الضّيقة أصلا، والمحسوبين ضمن قطرها من العلماء، كنوع ربما من الانتقام المجنون منهم، لا لشيء سوى لأن زمرة الغباء تقيس على تلك النّماذج غباوتها، فالعَالِم غالبًا ما ينكأ جروحهم البليدة بنصائحه المتيقظة، إلى جانب أن أمر هجومهم سهل، لا يتطلب الجلوس لأشهر في مختبر علمي لبيان غلط العلماء وإنما لا يتطلب إلا هاتف Galaxy J2 مكسور الشّاشة أو جهاز iPhone  من الجيل الأول أو oppo آخر صيحة ومعهم تعبئة خمسة دراهم، لتبدأ سلسلة طويلة من الاتهامات المجنونة، التي مضمونها السخرية وغلافها وكذا قطرها.

ما ينتظر الفايد ليس فقط تدوينات فيسبوكية من بسطاء العقول تمس به، ومن  صحفيين ويا للأسف ! فهذه ضريبة “الاستقامة الفكرية” منذ سقراط وغاليلي و حيث ينتصب مردة العامة والغوغاء لينتقموا من مفكريهم وعلمائهم لأنهم فقط قالوا بأشياء لا تقبلها رؤوسهم الصغيرة المتحجرة، والتي أولى أن يكون حجرها الصحي أن تمنع عن الكتابة في الوسائط الاجتماعية ففي ذلك خير لها وخير للمحتوى المتداول في تلك الوسائط. إنهم يفلحون بشكل خارق في اختلاق التُّهم غير العلمية وتوزيعها بشكل محدد على من استغرقوا أعمارهم في نشر مقالاتهم العلمية في مجلات لم يعرفها أي مدوّن فيسبوكي.

يصير فجأة صاحب التدوينة التي في حجم الكف قاضيا علميا محلفا يحاكم صاحب ثلاثة كتب في البيولوجيا وأكثر من مائة مقال علمي في مجلات أوربية وأمريكية. الفايد يعاب عليه شيء واحد أنه لم يفهم دروس الغزالي وابن رشد جيدا، هؤلاء  لأنهم كانوا  يفهمون سلوكات العوام وتأليب الغوغاء فقد بادلوها بتعامل تستحقه وهو منطق الاستعلاء وأن يكون للمعرفة قليل كبرياء فكانت كثير من كتبهم تكتب على منوال المطنون به على غير أهله، فيكتبون لدائرة ضيقة ممن تفهم بلغة عسيرة الفهم، لذا كان أولى بمحمد الفايد البقاء كما كثير من جامعيي المغرب الذي لا ينشرون ما توصلوا له من دقائق العلم إلا في مجلات عالمية في الهند والمملكة المتحدة والولايات المتحدة: كـــ DISCOVER وNATIONAL GEOGRAPHIC MAGAZINE وSCIENCE وNEW SCIENTIST ومجلة الجمعية الطّبية الأمريكية JAMA ، وكل ذلك بلغة غير رسمية في المغرب.

من حسن حظ ابن رشد والغزالي وغاليلي اللذين اشتكوا من جهل العوام في زمنهم، أنهم لم يُدركوا زمننا حيث سيطرة جوقة “الفيسبوكيين” و”التويتريين” و”الوتسابيين” الأشاوس يناصرهم ويعضّدهم مرة مرة فاعلو “اليوتيوبرز” المغاربة المؤثرون جدا !، أكيد أنهم سيشغلون الناس عن كتبهم، فللجهل حلاوة وللغباوة كذلك، ومن سوء حظ العلماء في هذا الزمان أنهم أتوا في زمن استبداد شباب بالكاد نص روائي واحد، وغالب ثقافتهم أخذوها من موقع “ويكبيديا” المجاني، أو من فيديوهات لا تتعدى ثلاث دقائق تقدمها “أمي فلانة أو أمي علانة”، وسيطرتهم على وسائل تكنولوجيا الثّرثرة، والفرق كبير بين زمن الغزالي وابن رشد وزمن الفايد ومن يشبهه حيث أن ثرثرة الأغبياء في الماضي كانت لا تتعدى الحوانيت والأزقة وقارعة زقاق طويل في بغداد أو فاس، أو فيما بعد بين أسوار البارات بعد تناول كأس من النبيذ كما يقول الروائي الإيطالي إيكو.

أما اليوم في زمن الفيسبوك والتويتر فقد تجاوزت كل الحدود الجغرافية فالإنترنت الآن هو أغورا جديدة وكبيرة أغورا مفتوحة للجميع، بلا استثناء حيث مُنح حق الكلام (الهضرة) لفيالق من قليلي العلم، حيث غطوا على الدكاترة والروائيين والحائزي على جوائزة نوبل كلهم، فيصير سائق “توكتك” يدير صفحة عدد معجبيها أكبر من عدد من قرأ لنجيب محفوظ منذ أول رواية له: “حكمة خوفو”.

ما يتعرض له الفايد من سخرية مذقعة تقودها فئة من صنف باك + 2، وفئة تدعي رعاية مسيرة التحديث المجتمعي، وأطباء من أنصار المضافات الغذائية التي تقوي حظهم من صحة مستهلكيها، إنما هي غزوة أسلحتها “الجيمات” والانتقادات وغير المبنية على علم ولا فهم، غزوة أكيد سينتصر فيها الجهل، فهو في الأخير من أحرق كتب ابن رشد في الأندلس وأحرق كتب الغزالي نفسها في الأندلس أيضًا، نصر ما تنبأ لهم به آلان دونو: “إن التافهين ربحوا الحرب وسيطروا على عالمنا”.

الكل مشترك في صفحات سيدات “الروتين اليومي” وصفحات “شاهد قبل الحذف” والكل يسكت عن جرائمهم في حق المعجم اللغوي والأخلاقي والتكوين المعرفي، ولكن لم يتمكنوا من السكوت عن حلقات من خمسة عشر دقيقة لدكتور مغربي حاصل على شهادة دكتوراه من جامعة تحمل اسم أحد أكبر فلاسفة أوربا وهو بليز باسكال الذي أكد أن الحقيقة ليست واحدة كما يظنها الكثيرون.

في الحقيقة وأمام هذه الهَبّة المضرية للجهل على أحد باحثي المغرب يجب أن نعيد النظر رسميا في وسائل الاتصال الجماهيري ولا بأس أن نرجع إلى زمن أثينا حيث انتشر الفلاسفة كما ينتشر الفطر في أرض خصبة، حيث كان لا يحقّ الكلام في “الأغورا” لأيّ شخص كان، إذ حق الكلام إنما للأثيني الحر الذي يعرف ما يقول. أما محمد الفايد فلا عزاء له إلا أن يذكر اسمه ذات يوم، كما ذكر اسم ابن رشد وبرونو بأنه كان ينتقذ بعلم وكان ضحية جوقة من غير العلماء، ممن كانت آفتهم أنهم لا يعرفون اللّوغوس (العقل) كما كان يقول هراقليطس وهو يشدخ أسماع سكان مدينته عندما نفوا صديقًا له.

آخر اﻷخبار
9 تعليقات
  1. طبقة لا علم لها في دراسة المواد الغذائية ولا في الطب العربي و أتى الدكتور الفايد في وسط طبقة لا فن لها و لا علم غير النقد و التعليق في مواضيع ليس ميدانهم نستحيي منهم هاته الطبقة التي تتبع تيك توك وغيره فكل من هب أصبح يعبر و ينصح وينتقد نطلب الله اللطف من المشعودين على الميادين التي لا علم لهم فيها وهناك طبقة من كيدها و شرها تحر ورائها صبيان في الحديث الغير المفيد. شكرا على نشركم هذا النقنع و المحلل

    13
  2. الخطير في الأمر أن هناك صحافة البوز والطوندونس.. هي من تطبل لهم وتنشر.. ولا تميت ذكرهم بالسكوت عليهم وعدم الإلتفات إليهم.. ورحم الله فقهاءنا ولله درهم حينما قالوا: ” لو سكت الجهال قل الخلاف “

  3. فعلا،، العوام هوام.. ولو سكت من لا يعلم لقل الخلاف.. هذه سنة الله، الأنبياء لم يسلموا من تشكيك وتكذيب الغوغاء ومن لهم مصالح في الفساد… وكذا المصلح ن من بعدهم وعلى رأسهم العلماء ورثة الأنبياء….

  4. بالعكس أرى الدكتور الفايد أخد بنصيحة أبو تمام لما جاءه رجل يشتكي له انه لا يفهم ما يكتبه .. فقال له ابو تمام لا تقرأ ما لا تفهم .
    عدم نزوله لمستنقع الرد على سفاسف مواقع التواصل الإجتماعي …ورفعه التحدي في كل خرجاته إلى عقد مناضرات او مؤتمرات مع ذوي الأختصاص و كله تقة عالية في النفسه

    6
    1
  5. إن الدكتور محمد الفايد كالجبل الشامخ لا يأبه ولا يعير أي اهتمام لهؤلاء الهمج الرعاء أتباع كل ناعق. فالرد على هؤلاء الغوغائيين يعطيهم قيمة ويحسبون أنهم على شيء، لذلك يصدق فيهم قول الشاعر: إذا نطق السفيه فلا تجبه فخير إجابته السكوت. ويحكى أن ذبابة حطت على نخلة فلما أرادت الرحيل قالت للنخلة تماسكي جيدا فأنا أريد الإقلاع قالت النخلة : وهل أحسست بك عند نزولك حتى أحس بك عند المغادرة. الدكتور الفايد وفقه الله نخلة شامخة في العطاء والعلم والتواضع. وهؤلاء ذباب يحتاج من يدله على مكانه الأصلي؛ المزابل والقاذورات.

  6. المشكل ان كثير منهم يشكك في علمه ودكتوراته وابحاثه فيقول لك ما الدليل ؟؟؟ اسال الله ان يحفظه من كيد الكائدين ومكر الماكرين انه ولي المتقين

  7. مشكلتنا الكبرى دائما الاصطفاف الايديولوجي وانصر اخاك او رفيقك ظالما او مظلوما، هناك مسائل اليوم، العلم البشري بخيلائه لا يستطيع ان يثبتها او ينفيها لانه مايزال امام العلماء اشواطا كثيرة للوصول الى اجابات قطعية ،في المقابل تجد بعض متعالمينا من يتكلم في غير فنه بيقين لا يشوبه شك في النفي أو الاثبات !!!
    هل تعلم ان هناك وضعيات تحتاج لنمدجتها الى الى اكثر من مئة متغير ورياضياتيا لايمكن حساب محددة مربعة عدد الاسطر فيها مئة، مستحيل في وقتنا الحاضر حتى بالحواسيب الخارقة تحتاج كزمن الانجاز اكثر من عمر الكون .هذا مثال واحد فقط

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M