حقن الدماء في روسيا وقتل المدنيين في السودان

27 يونيو 2023 19:13

هوية بريس – سعيد الغماز

احتد الصراع الداخلي بين الجيش الروسي وقوات فاغنر، وبلغ مستوى المواجهة المباشرة. لكن عندما استشعر الجميع أن أي مواجهة سينتج عنها تدمير البلد وقتل المدنيين الروس، الكل قدم تنازلات لحقن الدماء، واجتمعوا لمناقشة الحلول دون وساطة أحد. فبعد أن سيطرت قوات فاغنر على مدينة روستوف، لم تتحرك قوات الجيش الروسي المرابطة في القاعدة العسكرية هناك، ولم يتم إطلاق ولو رصاصة واحدة. فالكل يعي جيدا أن ساحة المعركة هي مدينة كبيرة تضم 2 مليون من المواطنين الروس، وأن أي إطلاق نار سيدمر البنايات ويقتل المدنيين.

دخلت قوات بريغوجين بدباباتها وأسلحتها الثقيلة أحد أكبر مدن غرب روسيا، وكأن البلاد تقف على أبواب الحرب الأهلية. وما زاد الأمر تعقيدا تصريح قائد فاغنر بأنه سيزحف بقواته نحو العاصمة موسكو. نعم…قوات تعدادها 25 ألف مسلح تريد الزحف إلى موسكو لفض خلاف بين منظمة شبه عسكرية وقائد الجيش الروسي.

فرغم الصراع بين قائد فاغنر ووزير الدفاع الروسي، ورغم التصريحات المصحوبة بالتهديد والوعيد، إلا أن أي من القادة لم يتجرأ على إطلاق النار، مادام الأمر سيفضي إلى تدمير ما تم بنائه من عمران وتقتيل المواطنين الروس بلا ذنب. فاجتمع المتصارعان على حل وسط دون استخدام الجيش ودون إطلاق ولو رصاصة واحدة.

هكذا إذا تجنبت روسيا حربا أهلية لأن المتخاصمين يقدرون قيمة البلد وأهمية الوطن وقداسة الدم الروسي….فتحكم القائد العسكري في الأسلحة لا يعني أن السلاح فوق الدولة وفوق الوطن والمواطن.

أما في السودان فقصة أخرى تشبه كثيرا طبيعة الصراع في روسيا لكنها تختلف كثيرا في النتائج وطريقة التعامل مع الوطن والمواطن. في روسيا نشأ صراع بين زعيم ميليشيا مسلحة وقائد الجيش، نفس الشيء وقع في السودان، صراع بين قائد ميليشيا التدخل السريع وقائد الجيش الذي نصب نفسه رئيسا للدولة رغم أنف 48 مليون مواطن سوداني. فرغم علم القادة العسكريين أن المواجهة ستكون في المدن، وأن النتيجة ستكون كارثية على بلد يعاني أصلا من الفقر وتدهور أوضاع السودانيين. ورغم علمهم أن إطلاق النار سيدمر ما تم إعماره في البلاد على ضعفه، وسيسفر عن ضحايا من المدنيين السودانيين… رغم علمهم بهذه الحقائق، لم يتردد المتصارعان في استعمال السلاح والنتيجة لحد الآن خراب البلد وألفي قتيل مدني و2،5 مليون لاجئ. ورغم هذه الوضعية المخيفة التي وصل إليها السودان، لا تتجاوز مدة وقف إطلاق النار الذي يتفق عليه الجانبين برعاية المملكة العربية السعودية وأمريكا، سوى أيام معدودة. وبمجرد انتهاء المهلة، تندلع المواجهات في وسط المدن وربما حتى قبل انتهاء المهلة، وكأننا أمام عساكر متعطشين للقتل وللدمار.

في روسيا حقن لدماء المواطن ولحرمة البلد، وفي السودان استهتار بدم المواطن واستخفاف بالبلد. في روسيا، التحكم في السلاح لا يعني تجاوز الوطن وجعل المواطن رهينة، وفي السودان التحكم في السلاح يعني التحكم في الوطن وتركيع المواطن.

كيف وصل الحال بالسودان لهذا المستوى؟

وهل الوطن والمواطن لا قيمة لهم أمام قوة السلاح؟

متى يكون السلاح موجها لحماية البلاد وليس عامل تدمير للوطن وتقتيل للمواطن؟

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M