حين تتكلم الأرض عربيا

09 ديسمبر 2022 09:49

هوية بريس – ابراهيم أقنسوس

معلوم أن منافسات كـأس العالم، لكرة القدم، ليست حدثا رياضيا عاديا ؛ هذه هي صفتها وصورتها البدهية، أما حين يتعلق الأمر بتنظيمها، ولأول مرة في بلد عربي، فبكل تأكيد، سيصبح لهذا الحدث معنى آخر، هو بالضبط هذا الذي نراه ونسمعه، ونتابعه هذه الأيام، مباشرة من دولة قطر، مع كل هذه  الصور والأخبار والمشاهد، التي تتعدد وتختلف، وتتلاحق بلا انقطاع، وتتقاطع  فيها النوايا الحسنة، والقراءات الجادة، بالتأويلات العدائية والمغرضة، التي أعربت عنها الكثير من الجهات، مع كامل الأسف، تلك التي لم تفهم، ولا تريد أن تفهم، معنى أن يكون لهذا العربي الأمازيغي الإفريقي، مكان في هذا العالم، يحظى فيه بالتقدير والإعتبار، بما هو كائن بشري ابتداءا.

يدلنا تنظيم هذا الحدث الرياضي، بهذه الصفة والقيمة، وفي هذه البلاد، أن هؤلاء العرب، لم يعودوا جماعات من الأميين والإرهابيين والهمج، وأن بلاد العرب ليست بالضرورة منذورة للجهل والكسل والتخلف ؛ بل هذه الآن، هي بلاد العرب، التي يستطيع أهلها، أو بعضهم على الأقل، ما لا يستطيعه غيرهم، من المتقدمين، أو من هؤلاء المتقدمين، الذين اكتشفنا بالملموس المفضوح، وبكل أسف، أن الكثيرين منهم يكرهوننا، ويخيفهم أن يكون لنا ظل تحت الشمس، ويعتقدون أنهم يحوزون كل شيء، وهم الأحق بكل شيء ؛ وهذا سؤال فكري وحضاري كبير وقديم، يتجدد اليوم، على ملاعب الكرة، وعلى العقل الأوربي، بكل تنويعاته الجادة، أن يجيب عنه، بالعمق المطلوب، والمسؤولية اللازمة، لأنه سؤال يعني هذا الإنسان العربي والأمازيغي والإفريقي، ويعني حقه في الوجود والإعتبار، متحررا من كل العصبيات والمضايق والعنتريات والأنانيات، وكلمات الذل والمهانة والإحتقار.

مع هذا الحدث الرياضي الكبير، اكتشفنا أن العالم، يمكن أن يتكلم عربيا، وبكل اللغات، ثم ينجح في ذلك، حين يتجاهل مواطنو هذه البلاد العربية، والمسماة متخلفة، خطابات الكراهية، ويشتغلوا بالعمل، وينصرفوا إلى تقديم ثقافتهم، وعرض صنوف حضارتهم  وإبداعاتهم، وما يستطيعون للعالمين ؛ ومع هذا الحدث الرياضي، اكتشفنا أيضا، على المستوى القطري والوطني، أن أفراد هذه البلاد العربية والأمازيغية والإفريقية، يحبون بلدانهم، ويريدونها أن تنتصر، وينتظرونها أن تتقدم، ويفرحون لها حين تكون كذلك، في كرة القدم، وفي غير كرة القدم، وعلى المسؤولين في كل البلاد العربية، أو المسماة كذلك، أن يتأملوا هذا الفرح التضامني العارم، الذي عم جل البلدان العربية، احتفاء بالنصر الذي حققه الفريق المغربي، وعليهم أن يحسنوا قراءة هذا الإلتحام العاطفي الشعبي، الذي عبرعنه المواطنات والمواطنون، بجل طبقاتهم وأصنافهم، حين خرجوا جميعا، وقد نسوا، أو هكذا أرادوا، كل خيباتهم وخساراتهم وأعطابهم ؛ إنها رسالة دالة وقوية، مفادها، حاجة هؤلاء المواطنين والمواطنات جميعا، إلى فرح مستدام، ينهض ببلادهم، ويطول كل أغراضهم وحاجياتهم الأساس، بما يمكنهم من رفع رؤوسهم عاليا وباستمرار، والظفر بانتصارات حقيقية لا متوهمة، وفي كل الميادين، وبما يقنع العالم، أنه سيتقدم أيضا، وسيربح أيضا، حين يتكلم عربيا.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M