د. البشير عن الإرث: الله عليمٌ بما يكون في الأمة إلى قيام الساعة.. أفغاب عنه سبحانه، ما أدركه “مجدديناتُ” العصر؟!

23 مارس 2018 20:53
د. البشير عن الإرث: الله عليمٌ بما يكون في الأمة إلى قيام الساعة.. أفغاب عنه سبحانه، ما أدركه "مجدديناتُ" العصر؟!

هوية بريس – د. البشير عصام المراكشي

الحمد لله
صورة أولى:
كان له صديقا وصاحبا وخازنَ أسرار، قبل أن يكون أخا في النسب..
كان أخاه الوحيد.. يعيش معه حلوَ الحياة ومرّها..
يعتمد الواحد منهما على الآخر في الصغير والكبير..
يشتركان الآلام والآمال..
ثم تزوج..
وبعد مدة يسيرة وُلدت له بنت، مات عنها وعمرها شهران..
صورة ثانية:
كان عمه له مثل الأب الذي فقده صغيرا..
أنفق عليه وهو صغير، وعامله مثل أولاده بل أفضل..
وحين بلغَ مبلغ الشباب تكفل بمصاريف زواجه، وبقي له الأبَ الحاني الذي لم يَكتب الله له أن يعرِفه..
ثم وُلدت له ابنتان وبعد أن كبرا وتزوجتا مات أبوهما..
***
في الصورة الأولى، وفي نظام الفرائض الإسلامي، يرث الأخ النصف وترث البنت النصف أيضا. وأما في النظام المشوه الذي يريده الموقعون على عريضة إلغاء التعصيب، فالطفلة ترث التركة كلها، ولا يكون للأخ منها شيء.
وفي الصورة الثانية، تقتسم البنتان -في نظام الشريعة- الثلثين، ويبقى للعم الثلث. وأما في ذلك النظام المبتدَع، فلا يرث العم المسكين شيئا.
وأنا حين أذكر هاتين الصورتين، فإنني أعوذ بالله أن أكون مستدِلا بمثل هذه القصص، في موضع حُسم فيه الأمر بالآيات القرآنية الصريحة، والأحاديث النبوية الصحيحة، والإجماعات المتيقنة!
ولكنني رأيت بعض المتسرعين، يأتون بقصة اجتماعية مخصوصة، يبنون عليها رد الأحكام الشرعية القطعية، تحت ذريعة أنها سبب وقوع الظلم على الناس في تلك الصورة المخصوصة! فكأنهم أرحمُ بالناس ممّن خلقهم، وأعلم بمصالح المجتمعات ممن ارتضى لها خير الشرائع!
فأردت أن أبيّن مقدار ما في أمثلتهم من التحيز وقلة الإنصاف وضعف الاستقراء، عدا ما في دعوتهم من مصادمة الوحي، ومخالفة مناهج الاستدلال الشرعي.
ومن أعجبِ ما رأيتُ، قولُ بعضِهم: رأينا عمًّا فاجِرا، لا يعرف الدين إلا عند قسمة الإرث، فيأتي ليشارك البنات الصالحات في نصيبهن!
فسبحان الله!
كيف لو عكسنا الأمر، وألغينا نظام التعصيب؛ فنجد البنت الفاجرة العاهرة، التي كانت طول عمرها تجرّ على والدها الذل، وتنغّص عليه عيشه، حتى إذا مات -وربما كانت سبب موته- تأخذ التركة كلها، ولا ينال أخوه الصالح المحبّ شيئا!
وسبحان الله!
من قال بأن علاقة البنت بأبيها أعظم من علاقته بأخيه أو عمه، بهذا الإطلاق، وفي الحالات جميعها؟
ثم من قال إن تقسيم التركة يعتبر فقط مبدأ قوة العلاقة بالميت أو ضعفها؟
نعم..
في المنظومة القيَمية الغربية، تنحصر العلاقة الأسرية في الأسرة النووية المصغّرة (وهذه أيضا آيلة للسقوط عندهم!).
أما في المنظومة الشرعية، فالعائلةُ أكبر من الأسرة النووية. ولدينا مبدأ شرعي عظيم هو مبدأ “صلة الرحم”، يقتضي الإبقاءَ على العلاقات خارج الإطار الضيق للوالدين والأبناء، كما يريد أذناب الغرب عندنا.
فهل نحذف نصوص صلة الرحم؟
أم نُبقيها ونجد لها تأويلا “تنويريا” يحرّفها عن مقصدها الشرعي؟
وقبل هذا وبعده: فإن الله سبحانه وتعالى تكفل بقسمة المواريث بنفسه، ولم يكِل ذلك إلى الاجتهاد البشري. وهو -عزّ وجل- عليمٌ بما يكون في الأمة إلى قيام الساعة (وما كان ربك نسيا). أفغاب عنه سبحانه، ما أدركه “مجدديناتُ” العصر؟!
وفي سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم – الذي ما ينطق عن الهوى -، ما جاء في الصحيحين: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأَولى رجل ذكر).
أفنترك الشرع المنزّل المبين، لأجل أوهامٍ عرضت في أذهان من لم يستأنس بالوحي، ولم يستشعر عظمته، ولم يحسن تدبره؟!
ومما يجعلنا نتوجس من هذه المطالب، بل ننكرها أشد الإنكار، أن هذه الجرأة على رد النصوص بدعوى تغير الواقع، بابٌ إذا فُتح لم يغلَق أبدا!
فمن يضمنُ أنه لن يأتيَ آخرون بمطلب إباحة الزنا والخمر، لأن الواقع الراهن يقتضي ذلك؟
ومن يضمن أن آخرين لن يطالبوا بتغيير أوقات الصلاة، أو تبديل مكان الحج، لأن الحضارة الحديثة تستلزم ذلك؟
وقس على هذا غيره..
فيا أيها العلماء..
إن الأمر جلل..
فأدوا الأمانة!
ويا قادة التيار الإسلامي..
إن القضية التي قامت حركاتكم من أجلها ابتداءً، يراد نسفُها..
فإلى متى غيابكم؟
ويا أيها المسلمون..
أفيقوا قبل أن يفوت الأوان، فتندموا.. ولات حين مندم.
والله المستعان.

آخر اﻷخبار
1 comments
  1. مقال في الصميم ،رغم غياب ذكر الحاكم او الرئيس او ولي الامر في حماية الدين وقيامه بالحسبة ،الا اننا نعلم دورهم في حماية الملة الاخرى ،والدور على العلماء اليوم اشد منه ،فوطنو انفسكم يا علماء على قول الحق ولا يسعفكم السكوت كما فعل اسلافكم مع المدونة ،فبسببهم تعقد التعدد وارتفعت العنوسة وتفشت الزنا من الصبوة الى الشبوة ،فلا تكتمو الحق ،فالذي عرفك بالحق امرك باعلانه لاعذار خلقه يوم بعثهم .

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M