عبث باستقرار الأسرة المغربية

29 مارس 2021 15:41

هوية بريس – د.محمد عوام

في الوقت الذي تعاني منه الأسرة المغربية من مشاكل كثيرة، تكسر عظامها، وعلى رأسها محدودية مداخيلها لتسد حاجياتها، وحاجيات أبنائها ومن تلزمهم نفقاتها، وخاصة الآباء.

وفي الوقت ذاته الذي تكابد فيه المرأة تعب الحياة خارج البيت، مما يستوجب التفكير في التخفيف عليها، وتمتيعها بحقوق تنسجم مع طبيعتها النفسية وحفظ أسرتها، وعدم استغلالها استغلالا فاحشا. فإذا بنا نسمع عن طائفة ممن سمين أنفسهن بـ”الفعاليات النسائية” أو هكذا تقدمهن وسائل الإعلام، يردن جمع توقيعات، عبر حملة وطنية، لدعم ملتمسهن التشريعي الذي يرغب في تعديل المادة 49 من مدونة الأسرة، تحت شعار براق وخادع “اللي شركناه بالفضل نتقاسموه بالعدل”، كأنها قاعدة قرآنية، فعقدن اجتماعهن أول الأمس الأحد بالرباط.

والهدف الأساسي من هذه الحملة العبثية تقديم الملتمس التشريعي لتعديل المادة 49، و51، و322 من مدونة الأسرة. وقد بنوا (لأن معهم بعض الرجال) هذا المطلب خاصة المتعلق بتعديل المادة على دراسة قام بها منتدى الزهراء للمرأة المغربية. والغاية من المشروع احتساب العمل المنزلي للمرأة ضمن الأعمال التي تسهم بها المرأة في تنمية الثروة.

والعجيب من هذه الطائفة النسوانية، أنها تخلط بين قيم الدين الإسلامي، قيم العدل والإنصاف، وقواعد الفقه المالكي، والمواثيق الدولية، في إخراج فني عجيب وفريد، ولي على ذلك تعليقات:

أولا: هذا الخلط أو الكوكتيل، لا عبرة به، لأن صويحبات هذا الملتمس لا حظ لهن في معرفة الشريعة، وليس من اختصاصهن حتى يتمسحن بها، ويلقين عليها بأفكارهن المخربة للمجتمع. فالشريعة حقا قائمة على العدل والإنصاف، وهل من العدل ومن سعادة الحياة الزوجية، الجامعة لمبدأ المودة والرحمة، أن يحتسب العمل المنزلي فتأخذ عنه الزوجة أجرا؟. وهل من العدل أن يبدأ شاب وشابة في مقتبل العمر حياتهما الزوجية بالمحاسبة بدل المكارمة؟. وهل من الإنصاف أن تدخل امرأة تريد الزواج، في الوقت الذي ترتفع فيه العنوسة وعدم الرغبة في الزواج لتكاليفه الباهضة، مع الزوج من البداية في المفاوضات كم سيدفع في غسل الأواني، وإذا زاد ذلك على الحد المعتاد بحلول الضيوف لا بد من الزيادة في الأجر، وإذا ما أصابها ضرر بالمنزل من حرق أو جرح عليها أن تستدعي مفتش الشغل ليكتب في ذلك محضر حادثة شغل مع المطالبة بالتعويض؟.وهل إذا أحرقت هي طعاما أو كسرت آنية عليها الضمان بحسب قيمة المتلف؟. وهكذا ألا يعتبر هذا فسادا للحياة الزوجية، وضربا لاستقرارها، ومساهمة مخزية في دفع الشباب إلى التخلي عن الزواج، وفتح باب الرذيلة على مصراعيه. أي إسلام هذا أو قاعدة فقهية تستوعب هذا النمط من التمحل والتخبط والعبث.

ثانيا: المواثيق الدولية التي تتمسح بها هذه النسوانيات، هدفها الأساس هو تفكيك وحدة الأسرة المسلمة، والقضاء على بنيتها وتماسكها الاجتماعي، فبالرغم من اندراس الشريعة في مجالات كثيرة في واقعنا، فما زالت القيم الإسلامية هي الحاكمة لأسرنا ومجتمعنا. ولذلك كنت أستغرب جدا من دعم مؤسسة بريطانية “الكومنوليث” التابعة للسفارة البريطانية لهذا المشروع دون أن تكون لسادة “بريطانيا العظمى” مقاصد وأهدافا، لأنهم لا يعطون هكذا في سبيل الله، ولكن وجدوا ضالتهم في هذه النسوانيات، غير أن هذه المرة، من داخل صف الإسلاميين، ولا أدري هل لقيادتهن علم بهذا أم هم في سبات عميق.

فالدراسة التي أنجزها الفريق معظم أبنائها من “حركة التوحيد والإصلاح” قاموا ببحث سوسيولوجي، إلى هنا انتهت مهمتهم، لكن جاء من استغل تلك الدراسة، وإن كان لدينا عليها ملحوظات، ووظفها في سياق أيديولوجي بأن جعلها امتدادا للمشروع الذي قضى عليه الشعب المغربي، وناضل العلماء والمفكرون نضالا مستميتا من أجل إقباره، وهو مشروع “الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية” وقد كان وراءها الغرب، وتزعمها اليسار في شخص الوزير السعدي. ولا إخال القياديين بتلك الحركة لهم علم بهذا الملتمس التشريعي الخطير، الذي يهدد استقرار الأسرة المغربية، لكن سينجلي الصباح.

ثالثا: القضية المركزية عند “النسوانيات المتأسلمات” في “منتدى الزهراء” هو السعي إلى خلق صراع بين الرجل والمرأة، وتعطيل الحياة الزوجية، وإدخالها في متاهات عبثية، من صراع المرأة مع زوجها، ثم مع ورثتها عند وفاة زوجها، وهكذا عبث في عبث، مع العلم أن عمل المنزل في معظمه اليوم أصبح آليا، آلة لغسل الأواني، وأخرى لغسل الملابس، وتلك للطبخ، وهذه للكنس، وأخرى للعجن.

ثم لا ننسى أن معظم الرجال يشاركون النساء العمل المنزلي خاصة حين يتعلق بالحمل الثقيل لبعض الأثاث كالأفرشة وغيرها، أو تستدعى الخادمة لمن تيسرت لهم الظروف. المهم عندي أن العمل المنزلي الذي عملته أمهاتنا وجداتنا كان شاقا على عمل اليوم، ولهذا من حين لآخر تقول أمي لبناتها وزوجاتنا أنا وإخوتي ” أيامكن زينة وجميلة وسهلة” ثم تشرع في حكايتها للعمل المنزلي، الذي رأيت أمي تفعله، وعشته وساهمت فيه، بل إن النساء يلُمن ويزدرين من لا تعمل في منزلها، ويحسبنها كسولة “وموسخة” ووو من الألفاظ الذميمة. والذي أعرفه عن أكثر النساء المغربيات، ودليلي المعاينة، ولربما ليس خاصا بهن، أنهن يجدن راحتهن ولذتهن ونشاطهن وحيويتهن في العمل المنزلي، فحتى البنات ينشطن لهذا العمل. فالسؤال لماذا يحرصن النسوانيات على معاكسة طبع المرأة وفطرتها السليمة، بدعوى تحصيل حقوقهن، هل وجدتم هضما حقيقيا لحقوق المرأة في عملها المنزلي أم هو التوهم والجهل بطبيعة الأشياء، والابتعاد عن الحقوق المهمة للمرأة من قبيل ما ذكرت في مقالي السابق؟
إن عمل المرأة المنزلي لا يشكل أي هضم لحقوقها، ولا هو من قبيل استعباد الرجل للمرأة أو استغلالها، وإنما يشكل عقدة نفسية للنسوانيات، اللاتي يغلب على مجموعة منهن الكسل والخمول، والثرثرة والنضال الفاشل والفارغ، الذي ليس له لا نغمة ولا معنى، بل يصب في خدمة الأجنبي.

ولهذا يجب على العلماء والدعاة والمفكرين الشرفاء الأحرار أن يقاوموا ويتصدوا لهذا المشروع “البريطو موروكو”، الذي يسعى إلى تخريب مجتمعنا وأسرنا، وتفكيك وحدتنا، فالأسرة في حاجة إلى تلاحم وتناسق وتعاون وتآزر ومودة ورحمة، وليست في حاجة إلى من يستغلها بالعواطف الباردة والخداعة، ليمرر أجنداته الأيديولوجية معاناتها، ثم يتاجر بها باسم المواثيق الدولية.

والله المستعان..

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M