فطرية التوحيد تدعو إلى التحرر من الدونيات

11 أكتوبر 2022 19:37

هوية بريس – ذ.أيوب الحجام

في عدم إدراك البعد أو الأبعاد الحقيقية للإيمان بالله تعالى؛ تُحجب آثار عقيدة التوحيد في حياة المسلمين، مما قد يجعلهم لا يلمسون روح هذا الاعتقاد أو لا يستشعرونه، لأنهم قدموا تنازلات وانصاعوا لأساليب حياة ورموز وشكليات ومظاهر وعوائد وتقاليد استلهموها واستنبطوها واكتسبوها وتلقوها بالتوارث الاجتماعي، حتى صارت تراثا يُسَلّمُ به، دون التفكير في مآله، ولذلك نرى الكثير من الناس يعيشون في ظل سيطرة الماديات والشهوات، حتى جعلوها غاية الغايات، واخترعوا مواضع للسعي إليها، بل واستباحوا كل الوسائل والطرق في سبيل ذلك، مما أضفى عليهم صفة العبودية لها، فحبسوا أنفسهم لأجل ذلك، ومنعوها عن سلوك الطريق إلى الله، فكفوا أيديهم عن البر والعطاء والسخاء والإنفاق، وقيدوا أرجلهم عن مساعي الطاعات وصِلاتِ الخير والصلاح، فتكبلت ألسنتهم عن قول الحق والذكر والدعاء والتضرع إلى الواحد الأحد، وانشغلوا بأهواء النفس وشهواتها. يقول الله تجلّت عظمته: “أفرأيت من اتبع إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون” (الجاثية:23).

إنّ التوحيد حقّ من حقوق الله تعالى على العباد؛ لأن توحيده عز وجل وعدم الإشراك به؛ يُخرج من عبادة العباد والشهوات والخضوع للخرافات وأكاذيب التنظيرات إلى توحيد رب العباد، فالتوحيد أساس قامت عليه جميع الشرائع والديانات السابقة، وهو أصل الدين ومقتضى العبادة وغاية الخلق، قال سبحانه: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” (سورة الذاريات الآية 56)  ويكون التوحيد بشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، والإقرار بأنّه هو المستحق للعبادة والطاعة، قال عز وجل: “وقضى ربك الاّتعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا” (سورة الإسراء الآية 23)

وقد بيّن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم حق الله على عباده في الحديث الذي رواه معاذ بن جبل رضي الله عنه حيث قال: “كنتُ رَدِيفَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على حمارٍ، فقال لي: يا مُعاذُ، أتدري ما حَقُّ اللهِ على العِبادِ، وما حَقُّ العِبادِ على اللهِ؟ قُلتُ: اللهُ ورَسولُه أعلَمُ، قال: حَقُّ اللهِ على العِبادِ أن يَعبُدوه ولا يُشرِكوا به شَيئًا، وحَقُّ العِبادِ على اللهِ ألَّا يُعَذِّبَ مَن لا يُشرِكُ به شيئًا”

كما أن التوحيد هو الأصل في الإنسان، لأنه يفطر عليه، قال عز من قائل: “وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ” (سورة الأعراف الآية 172)

فلما خلق رب العزة والجلال عبده آدم عليه السلام أخد ذريته وسألهم أي جَمَعَهُمْ، ثُمَّ جَعَلَهُمْ أَرْوَاحًا، فَاسْتَنْطَقَهُمْ، فَتَكَلَّمُوا، وَأَخَذَ عَلَيْهِمُ الْعَهْدَ، وَالْمِيثَاقَ، قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ، وَالْأَرَضِيَنَ السَّبْعَ، وَأُشْهِدُ عَلَيْكُمْ أَبَاكُمْ آدَمَ، أَنْ تَقُولُوا يوم القيامة: لم نعلم بهذا، اعلموا أَنَّهُ لَا إِلَهَ غَيْرِي وَلَا رَبِّ غَيْرِي، فَلَا تُشْرِكُوا بِي شَيْئًا، فَإِنِّي سَأُرْسِلُ إِلَيْكُمْ رُسُلًا يُذَكِّرُونَكُمْ عَهْدِي وَمِيثَاقِي، وَأُنْزِلُ عَلَيْكُمْ كِتَابِي، قَالُوا: نَشْهَدُ إِنَّكَ رَبُّنَا وَإِلَهُنَا، لَا رَبَّ لَنَا غَيْرُكَ، وَلَا إِلَهَ لَنَا غَيْرُكَ، فَأَقَرُّوا يَوْمَئِذٍ بِالطَّاعَةِ  فجعل تقريرهم بوحدانيته لما أخرجهم من ظهر آدم صلى الله عليه وسلم حجة عليهم إذا أنكروا في الدنيا ما كانوا عرفوه في الذر الأول. (الإبانة في أصول الديانة ص: 235 )

نعم الأصل في بني آدم إيمانهم بوحدانية الخالق، بشكل فطري، ثم يطرأ على هذه الفطرة ما يطرأ عليها من مغيرات تحيد بها عن الطريق السوي، قال سبحانه: “فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا” (سورة الروم الآية 30) والفطرة هي الإقرار بمعرفة الله تعالى، وهي العهد الذي أخذه عليهم في أصلاب آبائهم، حين مسح ظهر آدم فأخرج من ذريته إلى يوم القيامة أمثال الذر، “وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم، قالوا بل” فليس أحد إلا وهو يقر بأن له صانعاً ومدبراً وإن سماه بغير اسمه، قال تعالى: “وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ”(سورة الزخرف الآية 87)

فكل مولود يولد على ذلك الإقرار وهذا مظهر من مظاهر حقائق التوحيد الداعية إلى التحرر من عبادة العباد إلى الإقبال على عبادة رب العباد، وترك تقديس أهواء النفس وشهواتها، والثورة على قيود الأفكار الضالة المنحرفة على جادة الصواب والمعادية لدين التوحيد. فنحن عباد عباد في كل الأحوال، فمن الأفضل أن نكون عباد لمالك الملك رب كل شيء.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M