“قداسة الشيخة”.. وخبايا الحملة التحريضية ضد ذ. ياسين العمري

20 أبريل 2022 16:26

هوية بريس – نبيل غزال

تداعيات كبيرة خلفها تعليق مقتضب من الداعية ياسين العمري على المسلسل المثير للجدل “لمكتوب“..

ذ.العمري لم يخصص محاضرة كاملة لانتقاد الفن بشكل عام أو المسلسل المذكور بشكل خاص، ولم يركز أبدا خلال كلمته في محاضرة بعنوان “تربية أسرية قرآنية” على هذا الأمر، وإنما أشار في أقل من دقيقتين، من محاضرة من ساعة وربع حول موضوع الأسرة، إلى الهدف من وراء التسويق لنموذج “الشيخة” في المجتمع، متسائلا هل “الشيخة” تمثل الواقع المغربي فعلا، أم أن الأمر مرتبط بمرجعية فكرية معينة وأهداف مادية محضة.

صراحة كنت أظن أن الأمر إلى هذا الحد عادي ومقبول، خاصة عند من يتبنى الحرية في كل اتجاهاتها، ويرفع -ليل نهار- شعار حرية التعبير، وإن مسَّ ذلك بالدين والمقدسات وثوابت الأمة والذات الإلهية أيضا، لكن يبدو أنني كنت مخطئا في تقديري، وتبيَّن لي الآن أن الحرية، بالنسبة للتيار اللاديني، لا تعطيك أبدا الحق في انتقاد الأعمال الفنية والمس بـ”قدسيتها”.

وإذا كان هذا هو حال اللادينيين في بلدنا، فإن الشعب المغربي، في خضم النقاش حول “الشيخة” كان له رأي آخر، حيث تضامنت شرائح واسعة وكبيرة من المجتمع مع الداعية ياسين العمري، وتمت مشاركة مقطعه المجتزأ من المحاضرة، على شبكات التواصل الاجتماعي بالملايين، وتضامن معه مختلف أطياف المجتمع (مثقفون وكتاب وإعلاميون ورياضيون ودعاة وعلماء دين وأكاديميون..)، بل حتى إحدى صفحات الأعراس المغربية أعلنت وبقوة تضامنها مع الداعية ياسين العمري.

فهذا الرجل لا تقف وراءه مؤسسة ولا حزب ولا ترسانة إعلامية تروج مقاطعه، ولا جهة أجنبية تدعمه، إنما هو رجل عصامي يحاول إصلاح ما يراه خللا في مجتمعه بوسطية، وبما يتيسر له من وسائل وآليات وإمكانيات محدودة جدا، لكن بصدق كلمته وقوة طرحه وبراعة أسلوبه، استطاع أن يؤثر وبشكل كبير فيمن يدافع عن الفن الهابط ويسوق لنموذج الشيخة في المجتمع المغربي.

وبسبب مقطع صغير فقط؛ خرجت جوقة كبيرة من العلمانيين لتهاجم ذ. العمري، وتكرر خطابها القديم الموغل في الظلامية والعدائية والأنا المتعالي، بكون هؤلاء الإسلاميين يعيشون الماضي ولا يفقهون في الفن ولا يحق لهم الحديث عنه لأنه بالنسبة لهم حرام ورجس، وهم أعداء التعايش.. وربما يكونون السبب في الأزمة الروسية الأوكرانية أيضا!

طيب “مكاين باس” نتسامح في هذا الشهر مع من “يجهل” ويسب من خالفه ويرميه بأحكام جاهزة، لكن بهدوء وبلغة العقل والمنطق فقط:

ألا يحق لمواطن مغربي أن ينتقد عملا فنيا؟

هل بات الفن طابو لا يحق لأحد أن يقترب منه؟

لماذا لا تقبلون بالاختلاف والرأي الآخر؟

لماذا لا تناقشون الأفكار وتهاجمون دوما الأشخاص؟

فالعمري لم يسبكم ولم يزدر قناعاتكم ولا سفه معتقداتكم، وإنما حاول بإيجاز تفكيك مضامين مسلسل “لمكتوب” ورمزية الشيخة في المجتمع، وسلط الضوء على نماذج واقعية وحقيقية حري أن يهتم بها الإعلام والفن.

لكن يبدو أن انتقاده كان موجعا لبعض الأطراف، وسبب آلاما وكدمات أيضا، حيث خرج مجددا المتطرف عصيد الذي سبق وادعى بأن “من حق المفكر والفنان والمسرحي سبّ الله والاستهزاء بالأديان” وحاول بعصبية الركوب على هذا الموضوع، من خلال التهجم على ذ.العمري والادعاء بأنه “منبوذ مجتمعيا”! بقوله “خرجات بعض المتشددين الدينيين لا دور لها سوى التذكير بالوجود، حيث أن بعض هؤلاء يخشون أن ينساهم الناس لأنهم أصبحوا على هامش المجتمع الذي يمضي في اتجاه معاكس لما يقولونه”.

طبعا المغاربة يعلمون جيدا من المنبوذ..

أحد المتحورين أكثر من فيروس كورونا، انتقل -هذه الأيام- بقدرة قادر من محرض للشباب على التطرف والإرهاب، إلى محلل فني وناقد مسرحي ومتذوق للموسيقى الكلاسيكية! خرج هو الآخر ليدعي “بلا حشمة بلا حيا”: “شنو ممكن تسنا من شخص تيحرم حتى سماع موسيقى كلاسيكية؟ اش بغيتي يقول ف شيخة؟ انما لي تنتعجب ليه هو ما الناس لي عاجباهم ديك الهضرة وتيطبلو ليها وف الاخير هوما السباب ف اننا نكونو ف اول الدول متابعة للمواقع الزرقاء  خلال رمضان… قمة التخاصم مع النفس الله يحضر السلامة”.

موقع “كود” الذي يتبنى بوجه مكشوف خطا إلحاديا كتب هو الآخر “شوف السخط كي داير! شوف ليا القرون الوسطى في ابهى تجلياتها! الفن كايحاول يرسخ قيم الاحترام و التعايش بين الناس و يصلح النظرة اتجاه الشيخة من جهة و من جهة اخرى شيوخ الظلام ! الغربان شنو كايديرو؟ كاينفثو السم ديالهم ! هوما باغين الشيخات يبقاو موسومين بالعار!”.

مواقع أخرى اتهمت الداعية المغربي في ذمته المالية وأشاء أخرى..

طبعا هذا الكيل من السب والتحريض والتهم الجاهزة لا يحتاج إلى تعليق، لأن الصفوف باتت متمايزة حول هذا الموضوع، حيث إن التيار اللاديني يدافع بشراسة عن عقيدته ومبادئه ومنظوره للكون والحياة والإنسان، لكن الإيجابي في هذا النقاش هو أن رفض مضامين “الفن المدنس” لم يعد همَّ حركات إصلاحية أو دينية أو ما شابه، وإنما بات همّا مجتمعيا عبر عنه ملايين المغاربة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، خاصة بعد أن بات مجتمعنا يعاني من كثير من الاختلالات والأمراض.

أشير في الختام إلى أن عقلاء المغاربة يدركون جيدا أن الميزانيات الضخمة التي تصرف على الأعمال الفنية والسينمائية لا تهدف إلى تسليط الضوء على بعض الظواهر المجتمعية التي يتم انتقاؤها بعناية فحسب، وإنما هي وسيلة أيضا لتغيير المفاهيم والقناعات والسلوك، والتسويق لمنظومة فكرية، تعمل على بسط سيطرتها ومحو كل القوى الممانعة الأخرى.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M