كذب ليوطي ولو زار مولاي إدريس وبايع مولاي يوسف

10 نوفمبر 2018 18:20
كذب ليوطي ولو زار مولاي إدريس وبايع مولاي يوسف

هوية بريس – ذ. إدريس كرم

مدخل

الذي يتحدث عن ليوطي ويستعرض خطبه دون مخططاته وتطبيقاتها في اختراق المغرب وتهدئته لا ينفك أن يصفه بمحبه وبانيه ومنظمه، وهي أمور لو شوهدت بعين المقارن لرأى بأنها كانت تهدف لتحويل المغرب والمغاربة لمستحثات جمالها وفائدتها في موتها وتحنطها لتكون مدعاة للدراسة والتلذذ بالنصر على المورو المتخلفين المقاتلين للرومي النصراني.

كما أنه على كل حي أن يكون في خدمة الفرنسيين خلفاء الرومان الذين كانوا يستعمرون البلاد زمنا غابرا، وذلك يدخل في سياسات عامة أطلق عليها أكثر من صفة، مثل “بقعة الزيت”، “سياسة الابتسامة”، “أظهر القوة حتى لا تضطر إلى استخدامها”، “الديمقراطية لكن للفرنسيين”، “القضاء لكن فرنسيا”، ومثله التعليم والتصنيع والخدمات وغيرها..

والنصان التاليان يبينان ذلك، فبركة مولاي ادريس مرحب بها وتوجيهات السلطان للطاعة والخضوع والدفاع على فرنسا مطلوبة وغيرهما مرفوض، فالسلطان يُعزل أو يقتل إذا لم ينفذ التعليمات، والضريح والزاوية والولي يقصف إذا ما عارض الغزو، لذلك نقول: “كذب ليوطي ولو زعم المحبة وبايع السلطان”.

النص الأول:

“أثناء عودة المارشال ليوطي من مشاركته في الندوة الأولى بالجزائر حول شمال إفريقيا سنة 1922 بمشاركة كل من العامل العام للجزائر والمقيم العام الفرنسي بتونس، أصيب بمرض كبدي وهو في طريق العودة بين وجدة وتازة، يوم 21 مارس، وسرعان ما تطور المرض بشكل سريع استلزم استدعاء طبيب جراح صديق للمقيم من باريس لمباشرة إاجراء عملية جراحية له، اقترحها الأطباء المعالجون بفاس، بيد أن تدهور صحته المتواصلة اقتضت تأجيلها حتى يسترد بعضا من قوته ليتمكن من التنقل لباريس لذلك الغرض.

وقد انتشر مرض المقيم بسرعة في مدينة فاس، كما يقول “ديزيير مادراس”، مؤلف كتاب dans l ombre du marechal lyaute souvenires1921/1934

وبعد ظهر أحد الأيام بينما كان المقيم يستقبل شخصيات إنجليزية في محل إقامته ببوجلود امتلأت الساحة المجاورة لها بجمع من المغاربة على رأسهم الأعيان والأئمة والعلماء حاملين الأعلام، وقد اصطفوا تحت نوافذ القصر يرددون (اللطيف)، وهو الدعاء الذي يرددونه لدفع أي بلاء يتهددهم، ولأول مرة في تاريخ الإسلام يردد هذا الدعاء لرفع المرض عن شخص غير مسلم.

أخبر المشير بالمجتمعين ودعائهم له، فأمر بإدخال إمام ضريح مولاي ادريس عنده، فدخل وهو يحمل شموعا من الضريح، وقال له بأن الشعب المغربي طلب منه أن يحضرها له من الضريح، فأمر المريض بوضعها بجانب سريره، طالبا منه أن يكون أول خروجه الذهاب إلى ضريح مولاي ادريس لزيارته حمدا لله على الشفاء.

فأجاب المارشال: “سأذهب أولا لكنيستي، لكن أعدكم بالذهاب بعدها لمولاي ادريس”.

ولما تماثل للشفاء وسمح له بالخروج، جاء أمام الضريح الإدريسي لتنفيذ وعده، فطلب منه الشرفاء الدخول للضريح، فرفض قائلا: (لقد كنت دائما أمنع الأوربيين من اختراق المساجد ودور الأماكن المقدسة، ولن أقوم باغتصاب هذه القاعدة التي أقمتها وحرصت على الانضباط بها حتى لا تعانوا مما تطالبوني اليوم بفعله).

لكن أمام إلحاحهم قبل بوضع أحد رجليه داخل المسجد.

ولما رحل لمقر إقامته بباريس كانت الشموع التي أهديت له في مرضه من ضمن المقتنيات التي زين بها القاعة المغربية التي كان يطلع زواره على مقتنياته المغربية بها، من سيوف وزرابي وكتب ضمنها القرآن الكريم، وطرفا من كسوة الكعبة أهديت له من قبل مولاي يوسف، وغيرها.

وقد وصفه صديقه الجراح بأنه المارشال الذي أعطى لفرنسا إمبراطورية.

وعن نفس الحادث المرضي، جاء في كتاب “سمط اللئالي في سياسة المشير ليوطي نحو الأهالي” لعلي الطرابلسي:

“في يوم الأحد الخامس والعشرين من شهر مارس 1922 خرج سعادة المشير لأول مرة من قصر الإقامة العامة في فاس بعد إبلاله وتدرجه في سربال العافية، فاحتفلت العاصمة الإدريسية بهذه المناسبة احتفالا بهيجا، وارتأى سعادته أن ينتهز فرصة خروجه هذا ليقوم بزيارة ضريح مولانا ادريس مؤسس مدينة فاس، تلبية لطلب أعيان المدينة الذين التمسوا ذلك من سعادته خلال مرضه، وكان بانتظاره حوالي الضريح جم غفير من السكان في طليعتهم جميع الأعيان، وجميع طوائف الطرق تتقدمها أعلامها، وجميع أصحاب الحرف على اختلافها، فجاء احتشادهم بهذه الكيفية وقيامهم بهذا الصنيع من تلقاء أنفسهم أحسن برهان على شديد تعلقهم بممثل فرنسا وكبير ولائهم (لحبيب الإسلام والمسلمين) أو (مشير الإسلام) أو (صديق المسلمين) المارشال ليوطي، وقد أبى سعادته إباء كليا أن يجتاز العتبة ويدخل للضريح رغم ما أظهره ساداتنا الشرفاء من شديد الإلحاح عليه في الدخول، وقد قال لهم سعادته في الاعتذار أن واجبه يقضي عليه شخصيا بأن يكون مثال الوفاء بالمبادئ التي قررها منذ تأسيس الحماية فيما يتعلق بعدم انتهاك حرمة المعاهد الدينية لا سيما وأنه إذا وافق الشرفاء على الدخول ربما يأتي غيره فيما بعد ويوّد الاقتداء به في ذلك.

وبعدما تمت الزيارة ووصل لفندق النجارين تقدم بين يديه الأعيان وأعربوا له عن خالص التهاني بالإبلال، ورفعوا أكف الضراعة والابتهال، بحمد وشكر ذي الجلال، وجعلوا مسك الختام تلاوة الفاتحة التي يلجأ المسلمون لتلاوتها في السراء والضراء.

ولما عاد سعادة المقيم العام من فرنسا بعد برئه التام من ألم الكبد، توجه في 19 مارس 1924 لزيارة العاصمة الإدريسية، فتسابق أهل فاس لاستقباله، وفي اليوم التالي لوصوله زار ضريح مولانا ادريس في موكب رسمي، فوجد في انتظاره هنالك ساداتنا الشرفاء الأدارسة، وبعد ما حيى روح جدهم صاحب الضريح تحية الإجلال والإكبار، ألقى على مسامعهم هذا الخطاب:

“يا ءال البيت الكرام، إنني لن أنس ولن أنس عندما طرأ المرض على جسمي في مدينتكم الفاسية، تلك الدعوات والابتهالات المتوالية، التي كنتم تقومون بها أنتم وغيركم من رجال الدين في وسط هذا الحرم الأنور المشهور باستجابة الدعوات فيه، وقضاء رغائب قاصديه.

ولذلك فإني بمجرد ما وطئت قدمي تراب هذا البلد الأمين، رأيت من أهم الواجبات تقديم زيارة هذا المقام الديني الذي أقدسه وغيره من المعاهد والمعابد الدينية تقديسا لا يقل عن تقديس أربابها لها، وذلك لأعرب لكم عن امتناني من أدعيتكم التي كنتم تزودوني بها أثناء مرضي حتى استجاب الله لكم، ومن علي بنعمة العافية التي لا توازيها نعمة.

فشكرا لكم ولكل من شارككم في عملكم المبرور، ولتحيى روح هذا القطب الأشهر في برزخها العلوي المنيف، وليدم مدفنه هذا معظما محترما مقصودا من طبقات الزوار لقضاء الأوطار” (ص170).

النص الثاني:

مبايعة السلطان وتنفيذ أوامره

يعتبر السلطان الواسطة الأساسية لتنفيذ أوامر ليوطي، وذلك ما توضحه خطبه ورسائله.

يقول ليوطي في خطاب له بمناسبة عيد الأضحى سنة 1335/1916 “وإني وإن كنت ممثلا لدولة فرنسا أتشرف بأن أكون أول خادم مخلص لجلالة السلطان نصره الله” (السمط ص67)، فكيف يكون خادما لسلطان صنعه ويعرف أن الناس يعتبرونه شبحا للفرنسيين؟

يقول “مادراس” في كتابه السابق:

“عندما وصل ليوطي فاس في 1912 قبل استقالة مولاي حفيظ، وافق على اختيار الأعيان والعلماء بفاس على أخيه مولاي يوسف خلفا له، بالرغم من أن الكثير من المغاربة كانوا يرون فيه أنه ليس سوى شبح وظل للظل، صنيعة للرومي، عاجز عن اتخاذ أي قرار لأنه بلا سيادة ولا قوة دينية كيفما كانت تدعمه.

الجنرال ليوطي أدرك ذلك وأحس بالخطر، فتدارك الأمر وقام بمجهود كبير لإحاطة مولاي يوسف بهالة من الأبهة والتشريف المعتبرة في البلاد من رموز السيادة تليق بالسلطان، وقد أوضح ذلك في رسالة جاء بها: (لقد أبعدت عنه بهدوء كل ما يمكن أن يؤدي به للاختلاط بالأوربيين، وأبعدت عنه السيارات، والأكل بالشامبانيا، وأحطته بكبار السن من المغاربة المتشبعين بالشعائر الدينية وذوي السلوك الإسلامي المستقيم، ولا يجلس مجالسه إلا المحترمون منهم، وجعلته ملتزما الخروج لصلاة الجُمع في موكب رسمي، وكذلك حفلات العيدين الكبير والصغير، وهذا الأخير بقي يطلق المدفع طلقاته احتفالا به، كما تم احترام التقاليد المتبعة فيهما مثلما كان الأمر في عهد مولاي الحسن، وقد بقي الجنرال كورو بفاس متابعا ذلك بدقة وحنكة عالية، ولما أراد السلطان الانتقال للرباط سبقته بأربعة أيام لتنظيم حفل استقباله هناك، وبعد شهر جعلته ينتقل لمراكش، فكانت الحجرة التي أصابت هدفها، لم أرد أن أبيع فروة الدب، لذلك تركته يتصرف تحت مراقبتي)” (ص84).

إذا كان هذا هو السلطان فكيف يتسنى لنا فهم ما جاء في خطاب المقيم بعد عشر سنوات من الحماية؟ حيث قال: “إن كثيرا من الناس يجهلون أو يتجاهلون القوة العظيمة التي يمثلها جلالة السلطان هنا بصفة كونه صاحب السلطة الدينية والدنيوية، وبصفة كونه الإمام المتوج وأمير المومنين الذي يدعى باسمه على المنابر، ووريث خلفاء الإسلام الذين تسلسلوا في المغرب وتوارثوا ذلك دولة فدولة من عهد خلفاء قرطبة.

ومن هنا تعلمون مبلغ القوة المعنوية التي تنجر لنا من اتحادنا المتين وسيرنا مع من يدعى باسمه الشريف على المنابر.

(…) بيان نتائج ذلك في أن عدد الذين حاربوا معنا في الحرب العالمية الأولى بلغ 45 ألفا، ولولا وجود اتفاق بيننا وبين سلطانهم لم ينهضوا لذلك، كما أن بفضل ذلك الاتفاق لم تستدع مسألة الخلافة الاهتمام بها كما كان الأمر بالنسبة للشرق، فاستقلال المغرب من الوجهة الدينية هو ثمرة من ثمرات السلطان الذي هو أمير المومنين في هذه البلاد” (السمط ص144).

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M