كيف نفكر في فرنسا؟

12 مارس 2023 22:13

هوية بريس – ابراهيم أقنسوس

هكذا هي فرنسا في علاقتها بنا باستمرار ؛ لا شيء يتغير في العمق،  نفس الرؤية بنفس الأهداف والغايات ؛ الذي يتبدل هو الأشكال والحكومات والرؤساء، الذين يؤكدون على نفس المعاني والسياسات، ويخدمون جميعا نفس الغايات، لصالح دولة فرنسا طبعا. بكل بساطة، كل ما تفعله فرنسا، وكل ما كانت تفعله دائما، هو أنها تدافع عن مصالحها، وعن رؤيتها لبلاد كانت بالأمس تستعمرها، وتريدها أن تبقى في نفس المستوى، بلا تطلعات، ولا رهانات تنموية وسياسية جديدة.

الواقع، أننا مهما تحدثنا عن فرنسا، وعن رئيسها، ومهما أبدينا من ملاحظات حول سياسته، سلبا وإيجابا، فإنه في النهاية، هو رئيس فرنسا المنتخب، الذي اختاره الفرنسيون في لحظة ما، ليكون قائدهم، لأسباب تهمهم، وهم المعنيون الأول، بتغييره بغيره، حين يريدون ويقررون ذلك، في مناسبة انتخابية جديدة، يعرفون فيها بالمستوى الذي بلغته ديمقراطيتهم. موضوعيا، من حق فرنسا أن تدافع عن مصالحها، أو ما تعتبره مصالحها، في كل البلاد التي كانت بالأمس مستعمراتها بالفعل، أو التي مازالت تعتبرها مستعمراتها بالقوة، اقتصاديا وثقافيا على الأقل، تأخذ منها المواد الخام، واليد العاملة الرخيصة، والمساحات الشاسعة التي تحولها إلى أسواق مفتوحة، وتسرق منها كفاءاتها العلمية والتقنية، وتبيعها بالمقابل، صناعاتها البسيطة، ولغتها الفرنسية الهرمة، بالأثمان التي تحددها هي، وبالحمولة الثقافية التي ترضيها ؛ ولا مجال هنا للحديث عن أي تغيير يهم هذا المسار، غير المتكافئ، ما دامت بلادنا ليست جادة في توفير الشروط اللازمة والضرورية للتقدم، ولإحداث التغيير المطلوب والفعلي والمؤثر، الذي يمكنها من فرض برامجها التنموية والسياسية. إن السؤال الذي يهمنا نحن، من كل هذا الذي تقدم، هو ماذا نفعل من أجل دفع فرنسا، وغير فرنسا، إلى تجديد نظرتها إلينا، وإلى تغيير أنماط تفكيرها وتدبيرها، اتجاه أحوالنا وقضايانا ؟، ما الذي يجب علينا فعله حتى نفرض على العالم احترام حقنا في اختياراتنا وتوجهاتنا، وحقنا في الإستفادة من مدخراتنا وخيراتنا، وأرضنا كلها، بلا حاجة إلى أية وساطة، مذلة وغير معقولة ؛ بكل تأكيد يحتاج هذا المسعى الكبير إلى شروط كبيرة، بعيدة عن لغة العواطف والعواصف والمزايدات البلاغية ؛ يحتاج هذا المسعى إلى:

أولا: جبهة داخلية قوية، وواعية ومتراصة، تعرف ما تريد، وإلى أين تتجه، في علاقتها بقضايانا الداخلية، وبارتباطات بلادنا الخارجية ؛ يتطلب هذا بالطبع مستوى معتبرا من التعليم، ومن القدرة على الفهم والتفاهم، وعلى محاورة الأفكار والآراء، وعلى تحديد الأهداف المتوخاة، بالدقة والنجاعة اللازمتين ؛ فلا يمكن أن ندافع عن قضايانا بجماعات من الأميين والوصوليين والثرثارين، ولنا أن نلاحظ الإرتباك الواضح، الذي يرافق مناقشتنا لمسألة سن التقاعد، في علاقة بما يحدث في فرنسا اليوم.

ثانيا: حد معقول من النجاعة، في الخدمات التي تهم المواطنات والمواطنين، في كل القطاعات التي ترهن حيوا تهم الأساس، فلا يمكن مواجهة فرنسا، وغير فرنسا، بنساء تضعن مواليدهم بأبواب مستشفياتنا العمومية، ولا معنى لأي حديث عن النجاعة، مع وجود مسؤولين، يدبرون ولا يحاسبون. إن طريقة تفكيرنا في فرنسا تحتاج إلى أسئلة جديدة، الجواب عنها، لا يمكن أن يكون إلا عمليا وواقعيا، علميا واقتصاديا وتنمويا، ثم سياسيا في النهاية.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M