لا الحلال ولا الحرام بل ممكن وغير ممكن

13 أكتوبر 2019 12:24
في الحاجة إلى توبة مجتمعية من أجل التغيير

هوية بريس –  د. أحمد اللويزة

مع هيمنة الفكر العلماني، وتسلط التوجه اللاديني على مجريات الحياة وتحكمه في تدبير مقاليد الأمور، وتغييب الدين قصدا ومع سبق إصرار وترصد، حيث لم يبق من الاسلام إلا رسوما وأشكالا جوفاء، وتحكمت في الحياة العامة للشعب المسلم القاعدة المكيافلية المبنية على انعدام المبادئ ودورانها مع المصلحة وإن فسدت الوسيلة، فلم يعد بعدها تحتكم الدولة في تسييرها لشؤون المجتمع على نظرة الاسلام وتوجهاته ولو في أضيق المجالات، إلا ما نذر وعز في مجال الأسرة وهو أيضا رغم كونه شذوذا ضمن لائحة القوانين العلمانية يعرف ضجيجا حوله إذ لم يعد مقبولا في ظل التوجه الاستئصالي لبني علمان، فهم منزعجون ولو من بند أو بنود لا تسمن ولا تغني من جوع.

على الاسلام وتعاليمه وتوجيهاته أن تزول بالكلية من مفاصل الحياة على اختلاف تجلياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والتعليمية والطبية … وأكثر من هذا ينبغي أن يزول من واقع حياة الناس ثنائية؛ هذا حلال وهذا  حرام، وعلى الناس أن يتحللوا من هذا الذي يقيد حياتهم ويكبلهم عن الانطلاق نحو حياة ملؤها الانحلال والانحراف والتمرد على رب العالمين  تحت مسميات باطلة مضللة ملبسة.

الحلال والحرام صار خطابا متجاوزا في ظل نظام عالمي جعل من الكون قرية صغيرة لها حاكم واحد يبسط هيمنته على باقي بلدان العالم التي لا تملك من وسائل القوة والمنعة شيئا يمكنها من اتخاذ قرارها بنفسها، حيث  تصير كالعبد تأتمر بأوامر السيد الذي لا يروقه الخطاب الشرعي الاسلامي، ويشدد على طبع الحياة العامة والخاصة بطابع لا ديني، ومن تم يجب أن تسير الحياة بثنائية الممكن وغير الممكن وهذا هو الذي تؤسس له نظريات كثير ممن تصدى لوضع  فلسفة التشريع والتخطيط والتدبير في هذا البلد وغيره من بلاد المسلمين ومنهم محسبون على أهل العلم ورجال الدين للأسف.

مفاد هذه النظرية أن كل ما هو ممكن فهو حلال وإن كان في شرع الله حرام، وكل ما هو غير ممكن فهو حرام وإن كان واجبا في دين رب العباد، ومن تم فإن الربا الذي صار هو عصب الحياة الاقتصادية والمعيشية في زمننا هذا لا ينبغي ولا يليق اليوم أن نتحدث عنه بلغة الحرام لأنه بدونه لا يمكن أن تستمر حياتهم بحكم إكراه الشراكات والاتفاقات الدولية ومطالب الحياة وهلم جرا، وبالتي فهو ممكن الفعل والوجود ما دام لا يقوم اقتصاد ولا يتحرك بدونه، ومثله ـ وهذا للتمثيل فقط ـ صنع الخمور وبيعها فهو ما دام أنه يمكن الدولة من موارد مالية لخزينتها المتآكلة، ويوفر فرص شغل لليد العاطلة، ويمكن أن تعال أسر وتدور عجلة الاقتصاد، وتبنى منشآت من قبيل ـ وهذا من باب الطرفة ـ ( المستشفيات والسجون…) و تشتغل المحاكم ومؤسسات الأمن ومهنة المحاماة، والمستشفيات والعيادات الطبية وسائل النقل… تبعا لترويج الخمور.

فلا بأس بقبول أم الخبائث كأحد أهم منتجات الدولة لأنه من الممكن أن يحقق لنا كل المكاسب السالفة الذكر. وها هم اليوم يريدون تقنين استعمال المخدرات لأنه من الممكن أن توفر ما يمكن توفيره.

أما عن الصلاة فإذا لم يكن من الممكن إقامتها لما تتسبب فيه من توقف عجلة الانتاج والتصدير والاشتغال وهو ما يؤثر على الدخل العام والعلاقة مع باقي دول الشراكة والتعاون فلا حاجة إليها ـ وإن فسدت العلاقة مع رب العالمين لا يهم ـ وفي أحسن الأحوال نغير من مواعيدها حتى تتناسب مع برنامج الدولة الصناعي والتجاري والإداري …

إن الملاحظ والمتتبع يدرك هذه الحقيقة وهذا التوجه من خلال كتابات بعض المختصين في إسقاط شعائر الاسلام وهيبتها على أمل القطع معها مستقبلا، وهو واضح في مقالات من يكتب عن ما يسميه تهكما واحتقارا ب ” ظاهرة الصلاة في العمل” وعن تدريس التربية الإسلامية وعن عيد الأضحى…، والرعب الذي يتملكهم عندما يسمعون لفظة تطبيق الشريعة الإسلامية والتأصيل  لنظرية المصلحة والمفسدة التي هي لب الاسلام، على أساس أن القوانين وإن كانت مخالفة لصريح النصوص الشرعية فلا ينبغي استنكارها ما دامت تحقق مصلحة أو تدفع مفسدة كما زعموا.. ..

هذا الفكرة المشؤومة التي صارت بالفعل هي المؤثرة في فلسفة وضع القوانين والتشريعات ليست حكرا على الساسة والمشرعين، بل هو ديدن كثير من عموم الشعوب الاسلامية؛ فهم لا يتوانون في التضحية بشعائر الله إذا لم يمكن ان تحقق لهم مكسبا ماديا أو ربحا ماليا أو تضمن لهم وظيفة وعملا، أو تجلب لهم القوت اليومي، فهذه تتخلى عن حجابها حتى لا تطرد من العمل، وهذا يتخلى عن الصلاة أو يحلق لحيته لنفس السبب، وتلك تفرط في عرضها وشرفها لأنه بإمكانه أن يحقق لها رقيا ورخاء، وآخر يشتغل في خمارة أو مرقص ولا يهم إن كان حراما،… وصدق من قال ” كما تكونوا يول عليكم”، فالأرضية خصبة والقابلية موجودة لمثل هذا الأفكار والتوجهات، فما العيب أن تكون سياسة عامة تتحكم في رقاب الناس وتنغص على المؤمنين حياتهم، وتحرم الفضلاء من العيش وفق مراد الله وشرعه، فإلى الله المشتكى من كيد الكائدين ومكر الماكرين.

(كان هذا المقال سنة 2013 قبل ان تخرج الناشطة تطالب بالكف عن ثنائية الحلال والحرام.)

 

آخر اﻷخبار
1 comments

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M