لماذا الاعتداء على القرآن الكريم بالحرق والتمزيق؟

09 يوليو 2023 20:45
الإجهاض.. حرية شخصية أم ضرورة شرعية؟

هوية بريس – د. محمد ويلالي

يعيش المسلمون هذه الأيام على وقع الاعتداء على كتاب الله حرقا وتمزيقا وتشويها، من طرف من يزعمون التقدم والتمدن من أهل الغرب، راكبين صهوة ما يسمونه ـ زورا وبهتانا ـ حرية التعبير.

ويأتي هذا الفعل الشنيع ـ الذي صار يتكرر بين الحين والآخر، وتسهر على تنظيمه والترخيص له دول غربية بطريقة التداول وتبادل الأدوار، مانحة متزعميه ما يحتاجونه من الدعم والحماية، مما يثبت أنه ليس عملا فرديا معزولا كما يزعمون ـ في سياق سلسلة من صور الكراهية والعداء المخطط لهما على الإسلام والمسلمين، بعد أن سُبق بثلاث حلقات كبرى، اعتصرت لها قلوب الصادقين من المسلمين، واشتعلت بتداعياتها نفوس الغيورين المصلحين.

ـ أما الحلقة الأولى، فتجلت في تلك الرسوم المسيئة لرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، التي هزت العالم الإسلامي برمته، وعبر فيها المسلمون ـ بفضل الله تعالى ـ عن شديد حبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعظيم تعلقهم به.

ـ فلما سُقط في يد هؤلاء الأعداء، وأيسوا من تشويه صورة النبي صلى الله عليه وسلم في نفوس أتباعه، دلفوا إلى الحلقة الثانية، التي اعتمدت نشر الإلحاد بين المتدينين، وتشجيعَ مظاهره، وتلميعَ رموزه، باستضافتهم في مختلف المنابر الإعلامية، والمهرجانات الثقافية، ممعنين في إنكار الخالق ـ سبحانه ـ، والتشكيك في أحوال البرزخ وفصل القضاء يوم القيامة، مع التمادي في الاستهزاء بمظاهر الدين وأسسه. فتبين بعد هذه الحملة الشرسة، أن شباب المسلمين ما ازدادوا إلا يقينا في دينهم، وحرصا على عقيدتهم.

ـ فلما أعيتهم الحيل الإلحادية، وجهوا سهامهم إلى الحلقة الثالثة، وهي الأسرة المسلمة، بعد أن غاظهم تماسك أفرادها، وهالهم مقدار الاحترام الذي يسود أركانها، وما يسيجها من تشريع رباني محكم، فاستهدفوا  ـ لهدم بنيانها ـ سلوك أربع سبل، تمت دراستها بإحكام:

السبيل الأولى: دعوى تحرير المرأة من قيود الدين، التي تمنعها من التبرج والسفور، وتفرض سفرها بمحرم يحميها ويدافع عنها، ويمنعها من الاختلاط بالرجال، وغير ذلك.

السبيل الثانية: الاجتهاد في نزع حجاب المرأة، وسن القوانين ـ هناك ـ  في منعها من لبسه، وتهديدها بالطرد من الدراسة، أو من الوظيفة، والتجريد من الجنسية، وربما الطرد النهائي إن هي أصرت على لباسه، في ضرب سافر لما يسمونه الحرية الشخصية، في العقيدة واللباس ومنهج الحياة.

ثم أردفوا ذلك بنهج السبيل الثالثة، المتمثلة في الخروج عن الفطرة البشرية السوية، القائمة على جنسين: ذكر وأنثى، وجعلها قائمة على أجناس متعددة، فأباحوا لذلك الشذوذ الجنسي، والمثلية الجنسية، حتى عبر بعضهم قائلا: نحن أمة مثلية، بل أباحوا أن يتزوج بعضهم من الكلاب، والحمير، والأفاعي، والدمى.. وآخرُ صيحة في هذا المسخ، تزوجُ أحدهم بأنثى تمساح.

ـ وإمعانا في استضعاف المسلمين، وتسفيه معتقداتهم ومبادئهم، وتفكيك الأواصر الاجتماعية والثقافية بينهم، سلكوا السبيل الرابعة، فقرروا انتزاع الأطفال المسلمين من أحضان آبائهم وأمهاتهم، لا لشيء إلا لأنهم رفضوا ما يعارض دينهم، ويسلخهم من هويتهم، ففرضوا عليهم أشكال حياتهم، ومناهج تعليمهم، المبنية على الحرية المطلقة، التي لا تؤمن بمقدس، ولا تعترف بثابت. لتأتي ـ بعد كل ذلك ـ حلقة حرق القرآن الكريم، التي وراءها ـ بحسب استقراء متواضع ـ عشرةُ أسباب:

1ـ كراهيتهم الشديدة للإسلام، الذي يرون فيه خطرا على شعاراتهم الكاذبة في احترام الإنسانية، وادعاءاتهم المضللة للمساواة والحرية.

2ـ علمهم بضعف المسلمين، وأنهم ليسوا قادرين على شيء، وكأنهم ألفوا الإهانة والشتيمة، فتمادوا في أفعالهم، واستمروا في استهزائهم.

3ـ قصدهم إهانة المسلمين وإذلالهم؛ فالقرآن الكريم يوحد المسلمين، ويجمع كلمتهم، وهو سر عزتهم، ومصدر قوتهم، ورمز حياتهم. يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: “تركتُ فيكم أمرينِ لن تَضلُّوا ما إن تمسَّكتُم بهما: كتابَ الله، وسُنَّتي، ولن يتفَرَّقا حتَّى يرِدا عليَّ الحوضَ” صحيح الجامع.

4ـ ترجمة ازدواجيتهم واختلاف معاييرهم في التعامل مع الشعوب والأمم، فالأمة التي يرضون عنها، يحترمون دينها ومقدساتها، والتي يسخطون عنها، لا يعترفون بدينها ولا بمبادئها.

تعدو الذئاب على من لا كلاب له * وتتقي صولة الْمُسْتَأْسِدِ الضاري

5ـ جس نبض المسلمين، واختبار قوتهم الإيمانية، والوقوف على مدى جاهزيتهم للدفاع عن كتابهم، فإذا سكتوا عن حرق المصحف، وجَبُنوا في الدفاع عنه، فعن غيره هم أسكت وأجبن.

6ـ خوفهم من هذا الكتاب الذي يقدسه أصحابه، فتصدح حناجرهم بقراءته بالليل والنهار، ويعكف علماؤهم على تفسيره واستخراج درره، ويتخرج في كل سنة عشرات الآلاف ممن يحفظونه، ويتلونه، ويدعون إليه، مع دخول المئات في دين الإسلام كل يوم، وبخاصة المشاهير والمؤثرين، مما يحزنهم، ويقض مضجعهم. 

 7ـ الإسلام دين عالمي، يتحرك خارج أرضه، وينتشر وسط محاربيه ومناوئيه، فكثر معتنقوه، وانتشرت المساجد في الغرب بشكل لافت، وارتفعت المآذن تصدح بالتوحيد، وتدعو إلى الصلاة والفلاح. وهذا عند بعضهم يشكل خطر إسلاميةِ الغرب، فوجب تشويه القرآن بالحرق والتمزيق.

كُلُ الدِّيَانَاتِ مِنْ زُورٍ وَمِنْ وَثَنٍ * لَا تَقْبَلُونَ عَلَيْهَا النَّقْدَ مِـِنْ أَدَبِ

وكُلُهُمْ في نِظَامِ الغَرْبِ مُحتَـرَمٌ * إلَّا الَّذِي عِنْدَ رَبِّ الْكَونِ مُنْتَجَبِ

8ـ الخوف من رجوع المسلمين إلى أمجادهم، والسعي إلى ريادة جديدة للعالم، لأن القرآن الكريم يملك أسباب ذلك، إن هم تمسكوا به، وعملوا بمقتضاه، كما كان أسلافهم في السابق.

وهم يعلمون يقينا أن رسالة الإسلام تملك كل مقومات الحضارة البانية، والأفكار المجددة، والبعث الفكري. ومتى ما وصل القرآن الكريم إلى العقول السليمة، والقلوب الحية، والنفوس الوقادة المتوثبة، أمكن تغيير موازين القوى من جديد.

9ـ العمل على صناعة ما يسمى فوبيا الإسلام، وزراعتِها في نفوس ضعيفي الإيمان، تخويفا لهم من الثقة فيه، وصرفا لغيرهم من الدخول فيه.

10 ـ اعتقادهم أن تكرار إهانة القرآن، في مشاهد مختلفة، وأزمنة متلاحقة، سَيُشعر المسلمين باليأس والإحباط من نصرة هذا الدين، فيتقاعسون عن الدفاع عنه، والبذل في سبيل نصرته.

ونحن نعتقد أن ما يجري هو سنة التدافع، التي جعلها الله ـ تعالى ـ من قوانين الحياة، وهو القائل ـ سبحانه ـ: (وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ).

وهي مناسبة ليرجع المسلمون إلى دينهم، ويهتموا بقرآنهم، حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض.

رَفَعُوا كِتابَ اللهِ فـوقَ رُؤوسِهِـمْ * لِيَكُونَ نُورًا في الظـلامِ فَكَانـا

آخر اﻷخبار
1 comments
  1. شيخنا الفضيل كما تفضلتم الحرب الان على الامة هي حرب حضارية تسعى للنيل من كل مظاهر الاسلام من لغة واسرة وتعبد واخلاق…
    علينا مواجعة هذا المد بالتمنيع الثقافي من قبيل ما تقومون به اما الخروج للشوارع والاحتجاج الهادر فلا يخدم قضيتنا بقدر ما يسيء اليها

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M