لماذا فشل النظام العسكري الجزائري؟

12 مايو 2022 10:53

هوية بريس- محمد زاوي

1- الجزائر.. فشل مشروع
بدأت الجزائر اشتراكية، تنهج سياستي تأميم الملكية والتخطيط الاقتصادي، حسب ما كان يزعمه قياديوها الشيوعيون (أحمد بن بلة) والقوميون (هواري بومدين). كذلك بدأت الجزائر، إلا أنها تحولت مع مرور الزمن إلى ملكية مجزأة على القيادات العسكرية.

وكنتيجة لذلك، لم ينجح لا مشروع الدولة، ولا مشروع الاقتصاد. انتهى الأول بالضعف وانقسام القيادة السياسية بين “الجنرالات”، فيما انتهى الثاني بانحسار الاقتصاد الجزائري واحتكاره اللاتنموي من قبل طغمة عسكرية، فضلا عن خلق بنية اقتصادية موازية لاقتصاد الدولة مرتبطة بالسوق السوداء عالميا.

فلنتساءل إذن:
لماذا كان منتهى مشروع الدولة الضعف والانقسام؟
ولماذا كان منتهى مشروع الاقتصاد الانحسار والاحتكار والسوق السوداء؟

2- الجزائر.. فشل دولة
بالنسبة لفشل مشروع الدولة، فسببه بالأساس هو طارئية الدولة المحلية على المجتمع الجزائري. فُرِضت على هذا المجتمع وحدة قسرية بالحديد والنار من طرف الأجنبي، فكانت تضحياته الجسام تعبيرا عن تفلته من قيود تلك الوحدة المصطنعة.

استقلّت الجزائر من الاستعمار الفرنسي، فكانت المأساة! مأساة دولة، لا مأساة مجتمع. بطولات وتضحيات هنا، وتمزق وانقسام حادّ هناك. خلافات حادة بين القيادات العسكرية، وبين هذه وأخرى مدنية، انتهى بعضها بالتصفية (اغتيال بوضياف كنموذج). في المجتمع نفسه، كثرت الخلافات والانقسامات، انتهت بالعشرية السوداء التي كان وقودها الشعب الجزائري!

يرفض كثيرون قولنا بطارئية الدولة في الجزائر، ويتحججون بفترات تاريخية هنا وهناك. ونحن نقول: إن لجوء هؤلاء إلى تلك الفترات الاستثنائية، وحده دليل على تهافت أطروحة “تجذر بنية الدولة في الجزائر”. أما تاريخ “المغرب الأوسط”، فإنه يشهد بتكرّر ظاهرتين:

– محدودية الدولة المحلية في المكان والزمن: وهذا ما ينطبق على دول من قبيل: الدولة الرستمية، والدولة الزيرية، ودولة بني حماد، والدولة الزيانية… الخ. تعاقبت على حكم هذه الدول سلالات، لم تعمر طويلا ولم تُخضِع أغلب المناطق لمركزيتها. فمن جهة لم تتحقق لها سيادة مركزية، ومن جهة أخرى لم تتوارث جهاز الدولة بينها (إما لتبادعدها/ الحماديون مع الزيانيين، وإما لتزامنها/ الزيريون مع الحماديين).

– دخول بعض الأرض “الجزائرية” في حكم دول مركزية أخرى: في المشرق العربي الإسلامي (الأمويون والمرابطون)، المغرب (المرابطون والموحدون)، شرق أوروبا (الدولة العثمانية). ولو أن الجزائر كانت دولة مركزية مستقلة، لما بقيت خاضعة للعثمانيين إلى حدود القرن 19 م.

الظاهرتان معا تشهدان بعدم تشكل دولة مركزية في الجزائر، وإنما هي دول محلية طارئة منحسرة، وأخرى مركزيتها أجنبية. هذا ما يفسر التفاوت بين المجتمع والدولة في الجزائر، ومن ثم عدم قدرة الدولة على استيعاب المجتمع واحتوائه بما يكفي، إلى حدود اليوم.

ورغم الجهود المبذولة لمركزة السلطة، إلا أن تاريخ جزائر الاستقلال يعمل عكس تلك الجهود، بقرينة ما يشهده الجيش من صراعات داخلية، وبقرينة انقسام المجتمع على نفسه وقابليته للتمرد على الدولة.

3- الجزائر.. فشل اقتصاد
حالَ فشل مشروع الدولة، في الجزائر، دون تنمية رأسمالها، بل تنظيمه وتخطيطه على الأقل. الانتقال من رأسمال الدولة إلى رأسمال حر خاضع لرقابتها، هو ما لم يتحقق في الجزائر، لأن شرطَه (= سيطرة الدولة على الاقتصاد/ التأميم والتخطيط) لم يتحقق.

وهكذا، فإن القرار الذي اتُخِذ في الصين وفيتنام والهند، بتحرير الاقتصاد تحت رقابة الدولة، لم يكن ممكنا في الجزائر. شرطُ التحرير سيطرة الدولة، وهو ما كان مضطربا في دولة النظام العسكري الجزائري.

ما النتيجة؟
اقتسام الرأسمال بين القيادات العسكرية، ما أدى إلى فتح الباب على مصراعية لاقتصاد الريع والسوق السوداء والتنافس غير الشريف بين أفراد البورجوازية العسكرية الجزائرية.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M