لو نهى الإسلام عن فت البعر لفتوه وقالوا…

14 نوفمبر 2021 20:31

هوية بريس – محمد بوقنطار

عندما كنت أرد عاديات أحد أفراخ الفكر العلماني في صورته المتطرفةالسادرة المُخاتلة،وقد اقتحم علي خلوتي بمنشوراتي على صفحتي الفيسبوكية بدافع مدخول وقصد مدخون، دخل على خط تماس المدافعة بعض من أصدقائي الافتراضيين، بل من الذين أعرفهم بالرسم والاسم، ليدلوا بدلو المناقشة، وقد لاحظت بعد متابعة استدراكاتهم وتوجيهاتهم أنهم اختاروا سلك مسلك المهادنة والملاطفة تأليفا منهم لقلب ذلك العلماني، معذرة إلى ربهم، ولعله يرجع ويتقي، وأعظم به من أسلوب، وأنعم بها من طريقة، سيما وأن الطباع لها اعتبارها كما أن أساليب المواجهة والمدافعة لم تكن توقيفية، بل كان جانب منها كبير متروكا للسلطة التقديرية للمحاور، هذه السلطة التي تحكمها وتتحكم فيها عوامل منها وأهمّها كمية ونوعية المنسوب المعرفي ولازمه وأثره الإيماني لدى هذا المدافع على عُرى الدين، المهم أنني ومن خلال هذه الإطلالة على تلك الردود المساندة بالحسنى والمجادِلة بالتي هي أحسن، زاورتني خاطرة مفادها أن لهذا الأمر لازمته فهل كنت فعلا عنيفا أو لا أزال عنيفا أفزع إلى العدوان؟

ثم ما فتئت أن استدركت على تلك المزاورة الثقيلة متحيّرا من بواعث وشواهد هذه اللازمة متلمسا لملمحها بين ثنايا محبورات ردودي، بل متحسسا لها في سيرتي، فعدت زاعما أنني لم أجد لريحها أثرا، ويشهد الله أنني عشت لعقود من عمري أنبذ العنف، وأعتبره مظهرا من مظاهر العدوان، بل كنت ولا أزال أضيق ذرعا من سيرة المعتدين، وأتسخط من ركزهم في الأرض، وإنما أشكو بثي وحزنيلله من إفسادهم للزرع والضرع، وأسأل الله على الدوام تضرعا ورجاء أن يجنبني النسبة إلى خلق أبغضه في غيري ولا تُطيقه نفسي…

اللهم إذا اعتبر معتبر مدافعة الباطل والتسخط من حالة الظلم، ورفع عقيرة الاستنكار والمدافعة لأصحابه، قلت اعتبرها عنفا وعدوانية مني فمرحبا بالتهمة والحمد لله الذي جعلني من معشر المتهمين حينئذ.

وإنني ما أزال أنظر بكثير من الريبة لمن يسكت أو يصفقلهؤلاء الذينتربوا في أحضان مؤمنة وتسموا بأسماء تستشرف فيهم أبوة الإنفاق وأمومة الإيلاد التيمن بالفأل الحسن من الاسم والمسمى، كما تؤسس لعلاقتهم مبكرا مع دينهم وربهم ورسولهم عليه الصلاة والسلام، ثم يكون منهم ـ وقد حصل الفصام واستقلوا بمزعوم ذمتهم الفكرية ـ ويصير منهم من لم يوقر حرمة  نص مقدس ولم يُعر أدنى اهتمام أو احترام وتقدير لمشاعر المسلمين، بل لم يُبالِ ولم يلتفت لمدى قوة علاقة المسلمين ـ الذي يعد واحدا منهم على الراجح الظاهر المظنون ـ بربهم ودينهم ومكانة ومنزلة نبيهم في حياتهم التدينية، يا للعجب كيف لهؤلاء أن يصدر منهم كل هذا الكره وكل هذه البغضاء تجاه الإسلام وتجاه الملتزمين بعراه، إنني أكاد أجزم تصويرا لهذه العلاقة الموبوءة المريضة الطافحة بالحقد والضغينة، أن الإسلام لو نهاهم عن فت البعر لفتوه وقالوا ما نهانا عن فته إلا وفيه مصلحة راجحة ومنفعة متعدية لبني البشر، بل لو دعا هذا الدين إلى العري والسفور لوجدتهم مرابطين عند حياض الستر والحشمة والحجاب، ولو نادى منادي الدعوة في الناس بحي على الخنا والزنا والمخادنة لفزعوا إلى العفة والتحصين بأنكحة الميثاق الغليظ، ولو رغّب النص في الربا لتورعوا عن تلك الزيادة أو مايسمونه اعتسافا بالفائدة، ولو أباح الإسلام الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير لناكدوا ذلك أيّما مناكدة، فالقضية هاهنا قضية قوم معركتهم مع الدين أصلا وفرعا، وشريعة وشعيرة، وقولا وفعلا، وتلك حقيقة لا تواريها شعارات وأستار وأصباغ أنهم يواجهون فهما متطرفا للدين وليس الدين نفسه، وأن مشكلتهم مع فقه وعقيدة أناس شذوا عن سماحة الدين ووسطيته التي يسوقون لها الأدلة تلو الأدلة من نصوص الدين نفسه…

إنني لا أزال أتعجب في غرابة مستفهما في براءة عن أين تربوا هؤلاء؟

ومن أي حوض أو مستنقع ولغوا هذا الفكر العفن وتبنوا هذه الريح النتن؟

ألم يقرأوا في مدارسنا المغربية والعربية سور القرآن وآيه الكريمات؟

ألم يسمعهم ذلك المعلم الذي كاد أن يكون رسولا قبسا من مشكاة النبوة؟

ألم يشبوا ويترعرعوا في أوساط أسرية تقيم للإسلام وزنا، وللألوهية والنبوّةاعتبارا فوق كل اعتبار؟

ألم يلجوا بيوت الله قبل التكليف وقد سجدوا مع معشر الساجدين لرب العالمين؟

ألم يقرأوا في كتب التاريخ عن ظلم وتكالب وغطرسة الأمم التي ينعتونها اليوم بأسمى الألقاب ويلبسونها أبهى المحاسن؟

ألم يتعلموا من دروس الجغرافية شيئا أكيدا عن لصوصية هذه الأمم واغتصابها لثرواتنا بالليل والنهار وفي الإسرار والجهار؟

ألم يقفوا بالصوت والصورة والرائحة على حجم ما استحر في جنسنا من قتل وسفك دماء وهتك أعراض وهدم بناء هناك وهنالك؟

ألم يعرفوا أن دم المسلم وعرض المسلم وبيت المسلم صار في ميزان وعُرف هؤلاء كالريشة في مهب الريح؟

ألم تكن لهم عقول وذاكرات تجتر ذلك الماضي القريب بل المحيّن حالا،فيقلبوا بين ركامه عن أعداد قتلانا وطابور الهالكين منا تحت مرغوب زناد وقنابل ومحارق الدول التي توصف اليوم بالعُظمى، والتي يسبح هؤلاء بمدنيتها الزائفة ويُفاخرون بثقافتها الحائفة؟

ألم يتصفحوا سجلات مخازي الأحبار وجرائم الرهبان وهم يسوِّغون تحت طائلة طائفيتهم لحكام فرنسا حيث لم تعصمهم علمانيتهم المزعومة من إهلاك وسحق وإبادة سكان المستعمرات الفرنسية بإفريقيا؟

إنها استفهامات تحيل على إجابات صانها التاريخ وسيصونها لأجيال لاحقة يجب أن تعرف أننا كأمة عشنا أمدا من الدهر قد اكتنف حياتنا في مشارق الأرض ومغاربها الشؤم، ومُزقت أوصالنا كل ممزق، وقُدّمت حقوقنا قرابين وهدايا للأمم التي مارست توحشها متمسلخة بدثار من الحضارة والمدنية والحداثة، وملفوفة في رق منشور له شعارات وكأنها إكسير الحياة وسراج السعادة الوهاج، ولعمري كأن هذه الأمم المتغطرسة صنعت أسلحة الدمار لتبني بها العمران  وتقيم وزنا لأي إنسان، بينما هي قامت وتقوم سياستها على المبدأ القائل: “يقبل ويرضى القتيل وذويه، وليس يرضى ولا يقنع أو يشبع القاتل من دم المقتول…”

يا ليت هؤلاء الذين ينتسبون إلينا انتساب اسم ورسم ويحسبون علينا كل صيحة، لهم أعين يبصرون بها وأفئدة يعقلون بها، ولا شك أنه ترج من الضعيف المغلوب في مأمول أن يلتفت أخوه لمأساته، ثم ينطلق لسانه قائلا الحق، ناطقا بالصدق قبل أن يقول يوما ما قاله الثور الأسود: “أكلت يوم أُكل أخي الثور الأبيض” سيما وأن آلة الطحن لا تميز بين منتوج الحبوب.

ولكن ولمأسوف الاستدراك فإن هذا الأخ في موضع الحاجة والعتاب ما فتئ يردد في بلاهة وخاطر مفجوع،وبكاء متصل ضارع، متى ما حلّ بالغالب الظالم مكروه وكان صاحبه ومرتكبه منا، محسوب علينا قسرا ما يقع منه، وسواءأرضينا به أم لم نرض فتبعاته تقع علينا إنسانا وعمرانا وحيوانا، قلت ما فتئ يردد متهما ضَرْبَنا بالحجارة زمن الوهن بأنه بطش جبارين، وغطرسة معتدين، وضراوة متطرفين، وصلف إرهابيين، وبغي واعتداء له سند متصل بتاريخ إسلامي حافل بالقتل والنهب والإبادة والمجازر والتدمير للحضارات السابقة.

وقد كتب “المسلم العلماني” السيد القمني في كتابه (أهل الدين والديموقراطية) مصوِّرا التاريخ الإسلامي فقال: “ولأن الدولة لم تكن دولة العدل والإحسان، بل دولة الظلم والطغيان والقهر لآدمية الإنسان، وإذلال كرامة الناس والشعوب المقهورة منذ بدء الفتوحات حتى سقوط آل عثمان” ، ثم تابع مضيفا في نفس المرجع: “…وهو تاريخ مجازر ومحارق في فتوح العراق وفلسطين ومصر والشام، مع ذل الرجال بهتك عرض النساء، وظلم العباد وقهر الرجال وذل النساء على موائد السبي بالاغتصاب العلني”

وحتى عندما تحلى العلماني “حسن حنفي” في شهادته بشيء من الإنصاف والتجرد، وخالف بهذا إخوانه العلمانيين مؤكدا في واحد من مقالاته المنشور بمجلة القاهرة على أن الدولة العربية الإسلامية كانت إمبراطورية تحريرية وليست استعمارية، حررت المنطقة من ربقة الاستعمار الروماني والفارسي المترامي الأطراف، ومن الاضطهاد الوثني وابتزازه المادي…”

فقد جلب له هذا البوح الصادق في استثناء من أصل له عامر مليء بالتهم الجاهزة والدعاوى والمزاعم المتحاملة، جلب له وعليه ردودا قاسية، وغضبا يُسمع له تغيظ وزفير صادر معلن من عدد من العلمانيين نذكر منهم على سبيل التمثيل لا الحصر “السيد القمني” و”علي حرب”.

وإنني سأبقى حبيس ذلك الاستغراب، مجترا لذلك السيل الدافق من الاستفهامات السالفة الذكر أعلاه، متعجبا في ذهول إذ كيف ل”عبد الرحمن” و”عبد الله” و”همّام” و”حارث”، أن يكون لسانهم وقلمهم أحد من سيف وعدوانية وحقد “جورج” و”بيل” و”كارل”…

نسأل الله السلامة والعافية آمين

آخر اﻷخبار
1 comments

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M