متابعة لكتاب: غرناطة في مواجهة الإلحاد

04 مايو 2020 23:15

هوية بريس – د. رشيد بنكيران

بين يدي الساعة كتاب “غرناطة في مواجهة الإلحاد” وهو من تأليف: الأخ الكريم، والناقد الخبير، فضيلة المفكر، والباحث المحقق في التاريخ المغربي والحضارة الإسلامية، الشيخ المصلح المجاهد حماد القباج حفظه الله تعالى، وقد أرسل إلي الكتاب منذ مدة، وقدر الله أن شُغلت عنه لعارض خاص إلى أن تيسرت لي العودة إليه، شاكرا المولى تيسره وتوفيقه، فقرأته كله، متنقلا بين فصوله، ومستمتعا بفقراته، ومعجبا بفوائده ونكته.

والكتاب “غرناطة في مواجهة الإلحاد” هو شرح كتاب للعالم الكبير صاحب التصانيف العجيبة أبي القاسم محمد ابن جزي الكلبي الغرناطي المالكي (ت: 741هـ) المسمى: “النور المبين في قواعد عقائد الدين”، والذي كما يدل من عنوانه أنه كتاب يتعرض لأمهات المسائل المتربطة بالعقيدة الإسلامية وأركانها، مثل مسألة وجود الله ومسألة التوحيد ومسألة التثليث كما هي عقيدة النصارى، والتي نحا فيه ابن جزي الغرناطي منحى الاعتماد على الأدلة العقيلة في إثبات الحق في تلك المسائل العقدية مشفوعةً بالأدلة النقلية.

وقد أحسن ابن جزي رحمه الله غاية الإحسان في تقرير أمهات مسائل العقيدة، وكان كتابه ذاك نورا بحق للمؤمنين الموحدين ليزيدهم يقينا وإيمانا، ونورا كذلك للحيارى والتائهين في ظلمات الشرك وأغلال الإلحاد في القرن الثامن الهجري.

هذا، وكتاب “غرناطة في مواجهة الإلحاد” للشيخ حماد القباج حفظه الله تعالى، والذي ذيله بعنوان ثان تحت العنوان الكبير: “اليقين في الشرح النور المبين”، جاء ليربط الماضي بالحاضر، ويحيي منهاج الاستدلال بالأدلة العقلية على أمهات مسائل الاعتقاد، الذي سلكه العلماء قديما في مواجهة الدعوات الهدامة للتشكيك في عقائد المسلمين ومنها كتاب “النور المبين في قواعد عقائد الدين”، ولست أعني هنا بالأدلة العقلية ما عُـرف ببعض مباحث علم الكلام التي ـ حقيقة ـ فرقت المسلمين فضلا على أن تدافع عن عقائدهم، وإنما المراد بالأدلة العقلية هنا ما جاء مقررا في النصوص الشرعية من دليل التمانع، ودليل العناية، ودليل البرهان الكوني وغيرها من الأدلة العقلية والعلمية المشار إليها في القرآن المقروء، وجاء تصديقها في القرآن المشهود.

قلت: جاء كتاب “غرناطة في مواجهة الإلحاد” أو “اليقين في الشرح النور المبين” جاء ليربط الماضي بالحاضر في ظرف حرج ومرحلة شديدة تعصف بإيمان بعض شباب المسلمين، وتسعى لتوسيع دائرة الإلحاد في مجتمعهم، ونشر الشك في أصول الاعتقاد في الجامعات والمؤسسات التعليمية والتربوية، ليكون هذا الكتاب عونا لهؤلاء الشباب والناس عموما في حفظ إيمانهم ودفع ما يفسد عقائدهم، وإبعاد ما يجز بهم في الانحراف الفكري والفساد الأخلاقي.
وقد وُفّق الشيخ حماد القباج غاية التوفيق ـ حفظه الله ـ في شرحه للكتاب الأصل والتعليق عليه، فقّدم مدخلا نفيسا يتعلق بدراسة العقيدة الإسلامية، كما فصل ـ مشكورا ـ في كثير مما أجمله ابن جزي رحمه الله وأطنب في تفصيله، ونقل نقولات طيبة تدل على سعة اطلاعه وحسن اختياره، فتنوعت مصادر شرحه؛ فكان منها لعلماء متقدمين ومنها لعلماء متأخرين، وكذلك تنوعت مراجعه بين ما يرتبط بعلوم الشريعة وبين ما يرتبط بالعلوم الإنسانية.

وسلك ـ وفقه الله ـ في تقرير مسائل الاعتقاد أثناء شرحه وبين ثنايا تعليقاته وتقيداته منهاج أهل السنة والجماعة، فكان بذلك ـ حفظه الله ـ أثريا جمع بين الاستشهاد بالنقل الصحيح ونتائج العقل السليم، ومتبعا في ذلك أثر العلماء الراسخين، فجزاه الله عن المسلمين خير الجزاء.

ومن الثمرات المرجوة في مسلكه هذا ـ إن شاء الله تعالى ـ أن يحفز كذلك الشباب السلفي من الاستفادة من الكتاب الأصل مع الشرح، وتبدد المخاوف من كتاب”النور المبين في قواعد عقائد الدين” بسبب أشعرية ابن جزي الغرناطي رحمه الله، التي لا يجد المتأمل أو المتفقه في كتابه “النور..” تقريرا لتلك العقيدة ولله الحمد والمنة، إلا إشارة صغيرة حمالة وجهين؛ وجها صحيحا مقبولا وآخر خطأ مرفوضا، كنت أود أن يشير إليها فضيلة الشيخ حماد حفظه الله، لكونه سلك في شرحه الماتع المفيد مسلك التفصيل والإطناب، وهو مني مجرد اقتراح، وإني لأرجو من الله أن تتهيأ لي فرصة مذاكرة هذا الأمر معه في لقاء قريب.

وأخير، أسأل الله جل في علاه أن يبارك لفضيلة الأخ الكريم، المفكر المحقق الشيخ حماد القباج في عمره وعافيته وعلمه، وأن ينفع الله بكتابه هذا “غرناطة في مواجهة الإلحاد” المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M