قطر فوبيا.. بين ضجيج الأقزام وتطاوُل الحمقى

19 سبتمبر 2015 17:04
قطر فوبيا.. بين ضجيج الأقزام وتطاوُل الحمقى

قطر فوبيا.. بين ضجيج الأقزام وتطاوُل الحمقى

هوية بريس – احسان الفقيه

السبت 19 شتنبر 2015

قالوا: تذوَقَتْ طعم الأرز السعودي، فخطبتْ ود سلمان وآل سعود بتأييد عاصفة الحزم…

وقالوا: تعيش بين الأتراك، فهرولت وراء الأرز العثماني، وجعلت من أردوغان خليفة عصره…

أما أنا فلا زلت أُباهِلُكُم باسمة الثغر يا مُحترفي صناعة الكذب، وأردتُّ أن أمنحكم مجالا ثالثا لرشقي بتُهم العمالة لمن في قصورهم مخازنُ أرُزٍ أو بُرغُل.

لم لا نجرب الأرز القطري اليوم؟

حسنا، هذا أمر يروق لي، أن أُدافع عن الشرفاء فُرادى وجماعات، شعوبا وحكومات، طالما رفعوا لواء الشرف، وأظهروا مروءة في مسألة ونُبلا في موقف، وهي غايتي ومُهمّتي ككاتبة، أن أقول للمُحسن: أحسنت، وأقول للمُسيء: أسأت، غير مُكترثة بمن اختلّت موازينهم، ولا يُفرّقون بين تغيير المبادئ وتغيير المواقف بُغية مصلحة او سعيا لمكسب.

وأكرر ما قلتُه سابقا في مقالة (الملك السابع ومعالم الدولة الجديدة):

الأحداث اليومية التي نعيشها أثبتت أن الإساءة سهلة، أن النقد سهل، أن الحديث دون بيّنة سهل، أن إساءة الظن سهلة؛ أن تعدل وتُنصف مع من تختلف معه ربما في جوانب كثيرة هي المهمة الشاقة.

 ليست على المستوى الشخصي فقط، ليست حين تمسك قلمك لتكتب كلمتين هنا أو هناك؛ بل على مستوى الجمهور.

* هناك جماهير تحب أن تظل في حالة حرب دائمة؛ تحب ألا ترى الحاكم يفعل خيرًا، وإذا فعل، قالوا أراد به كذا، وإنما فعل لأجل كذا.

الإنسان بطبيعته يحب أن يسمع شكرًا..

يحب أن يجد تقديرًا من الآخرين، سماها الرسول عليه الصلاة والسلام بـ “عاجل بُشرى المؤمن”. هذه العاجلة ربما تُسهم في أن يستمر المحسن في إحسانه ويكُفّ عن الخطأ ويُصحح مساره.

 عين على قطر:

النملة تستطيع أن تحمل 50 ضعف وزنها، بينما الفيل لا يستطيع أن يحمل سوى ضعف وزنه تقريبا…

قطر تلك الدولة الصغيرة في مساحتها الصغيرة (11.571) كلم مربع، وفي ضآلة عدد سكانها (1.963 ألف نسمة بحسب إحصاء مايو 2013)، كيف تأتى لها أن تلعب هذا الدور المحوري في الإقليم؟

قطر دولة قوية اقتصاديا بالنسبة إلى عدد سكانها وصغر مساحتها، فكما ذكر الكاتب والباحث الفرنسي “لازار” في كتابه (قطر اليوم: المسار الفريد لإمارة غنية)، فإن الدخل القومي لقطر تجاوز 173 مليار (في 2011م)، كما أنها قوة (غازيّة) كبيرة، حيث تمتلك ثلث احتياطي الغاز، وأول دولة مصدرة للغاز المسال في العالم.

أما كمية النفط فهي في حدود 25,4 مليار برميل، وعملت سياسة قطر المختلفة عن معظم الدول النفطية، في تشجيع قطاع الصناعات التحويلية لتصبح مكملا استراتيجيا للصناعات المرتبطة بالنفط، بحسب “لازار”.

* هذه القوة الاقتصادية ارتكزت عليها قطر في أداء دور فاعل في قضايا المنطقة، وتدفّقت قوتها الناعمة لتؤثر بقوة في محيطها وإقليمها.

واستطاعت تلك الدولة الصغيرة استخدام مصادرها المالية كأداة للاتصال بالعالم الخارجي وترسيخ أقدامها في الوساطة الدبلوماسية.

* اقتحمت قطر عالم صناعة الأخبار الذي احتكرته أمريكا والدول الأوروبية، وذلك عن طريق النموذج الإعلامي الفريد المُتمثّل في “الجزيرة” القطرية، والتي نقلت العالم العربي إلى مرحلة جديدة في تلك الصناعة.

* جاء في بحث لمركز الجزيرة للدراسات بعنوان “قطر بعيون أجنبية”: “تُلخّص الجزيرة الاقتصاد السياسي للقوة الناعمة، والذي تم من خلاله الاستفادة بشكل استراتيجي من براعة قطر المالية، في سبيل دعم سطوتها المتزايدة.

 وبوصفها مصدرا لتدخل القوة الناعمة عززت الجزيرة إمكانية عرض النفوذ القطري من خلال التقاطع في الرؤية السياسية (القيادة والمبادرة) والاستثمار الذكي (الرعاية المالية والملْكية) والقدرة البشرية (المنتج الاحترافي، الاستقلالية الشديدة)، ألا وهو نوع محدد من التغطية الإخبارية له طابعه الخاص ويمتاز بحرفية عالية”.

* ويأتي الاهتمام بالتعليم ضمن أحد أهم عناصر القوة الناعمة لقطر والتي أظهرت دورها الفاعل، ولعل أبرز ما يؤكد ذلك، تلك المبادرة التي أطلقتها الشيخة “موزة” للمشروع العالمي “علِّم طفلا”، والذي يهدف إلى تعليم الصغار الذين حُرموا من الالتحاق بالمدارس في جميع دول العالم.

ذلك المشروع، شاركت فيه الأمم المتحدة، واليونسيف، والأونروا، واليونسكو، وغيرها من المنظمات والهيئات العالمية، إضافة إلى العديد من قادة الدول، والنخب التربوية.

* من الوقائع التي عبرت عن قوة وحضور قطر في الشأن الدولي والعالمي، فوزها بقرعة استضافة كأس العالم 2022م، من بين دول: أمريكا واستراليا واليابان وكوريا الجنوبية، وهي دول لها ثقلها، وسبقها في مجال الرياضة.

من الوساطة إلى المبادرة:

الوساطة الدبلوماسية جزء أساس في السياسة الخارجية القطرية، وحول ذلك يقول “كريستيان كوتس أولريكسن” في دراسة نشرها مركز كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط:

“تحوّلت الوساطة الدبلوماسية إلى عنصر رئيس من عناصر السياسة الإقليمية المستقلة والتجديدية لقطر، ما ميّزها عن جيرانها في كلٍّ من الخليج ومنطقة الشرق الأوسط ككلّ.

وهذه الوساطة باتت مَعلَماً بارزاً في الدستور القطري الذي أُقِرّ في نيسان/إبريل 2003، حيث نصّت المادة السابعة على وجه الخصوص على أن السياسة الخارجية القطرية “تقوم على مبدأ توطيد السلم والأمن الدوليَّين، عن طريق تشجيع فضّ المنازعات الدولية بالطرق السلمية”.

لقد انعكس ذلك المبدأ على سياسة قطر الخارجية، والتي أدركت قيادتها ما توفره هذه الفرصة من الاستقلالية في المحيطين الإقليمي والدولي، وقامت القيادة بإبلاغ الأمم المتحدة بأن النزاعات في العالم أصبحت كبيرة جدا بحيث لا تستطيع دولة بمفردها معالجتها.

* تعددت الوساطات القطرية في اليمن بين عامي 2008-2010، ولبنان عام 2008، ودارفور بين عامي 2008-2010، وبين السودان وتشاد عام 2009، وبين جيبوتي وأريتريا 2010م.

ويمثل عام 2011م الذي انطلقت فيه ثورات الربيع العربي، بداية تحول قطر من دور الوساطة الدبلوماسية، إلى دعم عمليات التغيير في الشرق الأوسط والشمال الإفريقي، ومساندة الدول التي تمر بمراحل انتقالية.

ونتيجة لذلك الدعم القطري لثورات الربيع، واجهت قطر تحديات ضخمة خاصة بعد تعثُّر هذه الثورات على إثر الثورات المضادة، وتحمّلت الدوحة تبعات دعم الإسلام السياسي، وخضعت للرقابة حول فتح أراضيها لاستضافة الإسلاميين.

لماذا يكرهون قطر؟

سُئل الإمام الشافعي رحمه الله: كيف تعرف أهل الحق في زمن الفتن؟! فقال: “اتبع سهام العدو فهي ترشدك إليهم”.

هي إحدى نظرات الإمام الثاقبة الناجمة حتما عن تأمّلات واعية، وإن كانت ليست بقاعدة مُضّطردة، لكنها تخرج مخرج الغالب والأعم، فمن هم الذين يكرهون قطر؟

الانقلابيون في مصر:

قطر كانت من أكثر الدول دعما وتأييدا للنظام الشرعي في مصر برئاسة محمد مرسي، وكان الحديث إبّان توليه الحكم، يدور حول تحالفٍ مصري تركي قطري مرتقب، قد يغير الخارطة السياسية في المنطقة بأسرها.

* وبعد انقلاب الثالث من يوليو 2013م، انزعجت قطر، وعكست صحفها وبقية منابرها الإعلامية موقفا نقديا تجاه السلطة الجديدة في مصر، وكانت قناة الجزيرة هي العين التي كشفت زيف الإعلام المصري التابع للانقلابيين.

* وبعد مذبحة الحرس الجمهوري أصدرت الخارجية القطرية بيانا دعت فيه لإيجاد حلول سريعة بعد معالجة أي خلاف بالحوار، حفاظًا على الأمن والاستقرار وحماية المواطنين.

* وبعد مجزرة رابعة التي وثّق فيها المرصد المصري للحقوق والحريات سقوط 1162 قتيلا، أدانت قطر الاعتداءات الوحشية التي قامت بها قوات الشرطة والجيش ضد المُعتصمين السلميين.

وحتى اليوم يستمرّ الإعلام الإنقلابي في الهجوم على قطر، حدّ أن أدرجتها السلطات المصرية ضمن الدول التي يُشترط للسفر إليها الحصول على موافقة أمنية، وتنظر محكمة القاهرة للأمور المُستعجلة هذا الشهر النطق بالحكم في دعوى تطالب باعتبار قطر من الدول الراعية للإرهاب.

إيران:

بالرغم من أن قُطر تقيم علاقات اقتصادية قوية مع إيران يفرضها الجوار الجغرافي والشراكة في حقل غاز “بارس”، إضافة إلى الطبيعة غير التنافسية بين البلدين ما جعل العلاقات بينهما تتّسم بالهدوء.

بالرغم من ذلك كله إلا أن علاقة قطر بإيران مرّت بنقاط اختلاف قوية، كان أبرزها الملف السوري، الذي اتخذت فيه قطر موقفا مغايرا لطهران، فدعمت الثوار في الوقت الذي تساند فيه إيران نظام الأسد بكل قوتها.

* ثم تأتي الأزمة اليمنية، كنقطة أخرى من نقاط الاختلاف، ففي الوقت الذي تدعم إيران الانقلاب الحوثي، تشترك قطر في التحالف العربي الذي تقوده السعودية لدعم الشرعية في اليمن، وإحباط الانقلاب الحوثي المدعوم من إيران.

ولا يخفى أن سوريا واليمن، حلقتان هامتان في مشروع الهلال الشيعي الذي تسعى إيران لإقامته لابتلاع دول المنطقة، ضمن مشروع قومي فارسي أعم، يرتكز على الطائفية.

ومما عمَّق من هذا الاختلاف، أن قطر نظرت إلى الحراك الشيعي في البحرين، ليس على أنه ثورة على غرار سوريا ومصر وبقية دول الربيع، لكنها تعاملت معه على أساس أنه (اضطرابات وخروج عن الشرعية)، وهو ما يخالف التوجّه الإيراني الذي يدعم شيعة البحرين، ويبسط نفوذه من خلالهم عبر ولاية الفقيه.

* سبق وكتبنا عن العلاقة القطرية الإيرانية.. تجدون المقالة على الرابط التالي:

http://alkhaleejaffairs.org/c-23317

الكيان “الإسرائيلي”:

تُعّد قطر من أكثر الدول الإسلامية والعربية دعما لقطاع غزة، وتربطها بالمقاومة الفلسطينية علاقات طيبة، جعلتها في مرمى التحريض الإسرائيلي، واتهامها بدعم الإرهاب.

عام 2012 دعا (أمير قطر -الذي دعمت بلاده ثورات الربيع العربي-) دعا حكومة الاحتلال الإسرائيلية إلى قبول ثورات الربيع والنظر إليها باعتبارها فرصة لإجراء محادثات سلام جادة مع الفلسطينيين، وصرّح بأن “إسرائيل” أصبحت أكثر عزلة.

ولطالما دعمت قطر قطاع غزة وآزرت القضية الفلسطينية:

إبّان الحرب “الإسرائيلية” على غزة 2008م طالب الأمير القطري، الرئيس السابق حسني مبارك، برفع الحصار عن قطاع وفتح المعابر وإيقاف بناء الستار الحديدي.

 كما تبنى أمير قطر بعد الحرب مشاريع إعادة بناء غزة المتواصلة، والتي لمسها الفلسطينيون بقوة، إضافة إلى قيامه بأخذ زمام المبادرة وقدم بنفسه إلى غزة لكسر الحصار في زيارة تاريخية لا ينساها الشعب الفلسطيني.

وشمل الدعم القطري أزمة الفيضانات والكهرباء وغيرها من الأزمات على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

* أعلنت قطر قطع العلاقات مع إسرائيل أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة في 2008، خلال مؤتمر القمة.

وفي يناير 2009م طلبت حكومة قطر من رئيس البعثة “الإسرائيلية” في الدوحة، (روعي روزنبليت)، مغادرة الدولة، ودخلت العلاقات بين قطر والكيان المُحتلّ في مرحلة من الجمود، وصبّ اليهود جام سخطهم على القطريين.

* أعلنت قطر خلال هذه الفترة دعم القطاع بمبلغ 250 مليون دولار، ارتفع إلى 400 مليون (ناهيك عن الدعم غير المُعلن).

* أمير قطر هو الحاكم الوحيد الذي زار غزة في أكتوبر 2012م مُتحديا الحصار “الإسرائيلي”، وأقام مشروعات خيرية وخدمية، وقاد مصالحة بين فتح وحماس.

* أمثلة الدعم القطري لفلسطين كثيرة، كان آخرها ما أعلنه رئيس اللجنة القطرية لإعادة إعمار قطاع غزة (السفير محمد العمادي) الأسبوع الماضي، عن البدء بتنفيذ مشروعات إغاثية وتنموية جديدة بقيمة 60 مليون دولار.

* ومن المضحكات المبكيات، أن سلطات الانقلاب في مصر، قد منعت في يونيو الماضي دخول (محمد العمادي) إلى غزة عبر معبر رفح، بناء على قرار سياسي.

 ومن أجل ذلك يشن الاحتلال “الإسرائيلي” حملات تحريض على قطر، خاصة عندما كانت على رأس الوساطة بجانب تركيا لفرض وقف إطلاق نار يضمن للمقاومة الفلسطينية إنجازاتها.

* كان آخر مظاهر التحرش الإسرائيلي بقطر، قيام وزيرة الرياضة والثقافة الإسرائيلية “ميريت ريجف” بالتهديد بوقف المعونات الحكومية لفريق أبناء سخنين في الداخل الفلسطيني لتلقيه الدعم من دولة قطر.

مخاوف أمريكية:

استطاعت قطر الحفاظ على استقلاليتها في القرار السياسي، رغم وجود قاعدة أمريكية على أرضها.

وأثارت علاقاتها المُتنامية القوية مع السعودية وتركيا، مخاوف أمريكية من تشكيل حلف سني في المنطقة.

يقول الباحث علي حسين باكير: “مكمن الخوف الحقيقي لدى إدارة أوباما هو أن يتحول التعاون والتنسيق الإقليمي بين كل من السعودية وقطر وتركيا إلى تحالف يدفع هذه الدول إلى اتخاذ قرارات أكثر استقلالية في القضايا الإقليمية الحساسة، ويُشكّل قاطرة تجرّ معها الدول الأخرى في المنطقة بشكل يؤدي إلى تجاوز الموقف الأمريكي في المسائل الأكثر أهمّية مما من شأنه أن يضر بالمصالح الأمريكية في المنطقة”.

 قوى علمانية:

وهذه أشد ما يثير حنقها ضد قطر، أن هذه الدولة لديها علاقات طيبة مع علماء السُنّة، والتيار الإسلامي المعتدل، لاستيعابه واستثماره في دفع عجلة السلام والاستقرار بدلا من الدخول معه في مواجهات لا مبرر لها.

خاصة وأن قطر دولة سُنيّة، تنتشر فيها المساجد، وينعم فيها الدعاة والدعوات بحرية الحركة في إطار الانضباط بقوانين البلاد.

ومن المعلوم أن قطر تستضيف منذ سنوات رئيس اتحاد علماء المسلمين الدكتور يوسف القرضاوي، وغيره من العلماء والدعاة، ويتردد عليها علماء التيار السلفي السعودي، وتقوم الدولة بتكريمهم واحتوائهم.

كلمة أخيرة:

هل عرفتم من يكره قطر؟ ولماذا يكرهون قطر؟

هي كلمة حق أقولها في شأن قطر، ولستُ في الوقت نفسه أدّعي لها ولقيادتها الكمال، وحتما هناك قصور وأخطاء، لكنها أبدا لم ولن تكون مُبرّرا (بالنسبة إلي) في عدم تسليط الضوء على الجوانب المُشرقة في سياسات وإجراءات وتحرّكات هذه الدولة حكومة وشعبا.

وإلى لقاء آخر، وتوضيح آخر، وأرُزٍّ آخر.

ألقاكم على خير…

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M